|٠٢| حلوى رمادية

Start from the beginning
                                    

«"سونمي"، هل تُريدين؟».
كيس صغير مفتوح من حلوى الجيلاتين توضّع أمامها.

أخفضت رأسها شاكرة وأخذت إحدى الحبّات في فمها تستمتع بطعمها الحامِض.

«ااه! كيف يُمكنكِ أكل الصفراء؟ إنها الأشدّ حموضة!».
علّق وقد اقشعر بدنه لمجرد تخيّل ذوق تلك الحلوى.

«كلها لها نفس اللون والطعم...».
تمتمت "سونمي" بصوت خافت وكانت لتغوص مع الطحالب من جديد لو لم ينطق الشاب مجددًا.

«هل تمزحين؟! لِم يصنعونها بألوان مختلفة إذا؟».
سألها بتعجّب وكأنها قد أهانت سبب وجوده في هذه الحياة.

«أنظري...».
وضع في كفّ يدها حلوى دبّ حمراء ثم أردف.

«هذه بطعم الفراولة الحامضة».
ووضع حبة تُماثِلها في فمه مُشيرًا لها أن تفعل المِثل.

لم تستطعم "سونمي" الفرق، كانت لذيذة لكن غير مختلفة عن التي قال أنها باللون بالأصفر. رفعت كتفيها في استفسار حين أطال النظر إليها مُنتظرًا رد فعلها فعقد حاجبيه وأعطاها دبّا آخر أخضر هذه المرة.

«هذه بطعم التفاح».
أغمض عينيه مستمتعا بالذوق ثم فتحهما ليجد تعابيرها جامِدة كما كانت قبلا.

«لنجرب مجددًا... هذه بنكهة البرتقال، لا يمكنك تفويت الاختلاف بينها وبين الأخريات».
تحدّث بينما كان يعض على الدبّ البرتقاليّ بين أسنانه وأعطاها واحدا آخر من الكيس.

لكن مرة أخرى كان لها نفس ردّ الفعل، أو عدمه بالأحرى. مهما ركّزت لم تستطعم فرقًا بين الحلوى، هي بالكاد كانت تُفرّق بين ألوانها -درجات مختلفة من الرماديّ-.

«لِنُجرّب التوت البريّ... قد يصبغ لِسانكِ بالأزرق».
ازداد عزمه وحرّك رسغه ببطء ليضع الدبّ الصغير على لِسانه بينما لم تُغادر عيناه الخاصة بها، وكأنها يُعلمها كيف تتذوق.

«الببغاء الأزرق! هل هذا سِرّك؟ تأكل الدببة الزرقاء فقط؟».
علّق أحد الشباب المارّين بجانب طاولتهم فابتسم لدى سماع لقبه وأشار له بالسكوت للحفاظ على سِره.

حدّقت "سونمي" فيهما باستغراب ثم زفرت وأخفضت نظرها إلى شاشة حاسوبها أين تواجدت صور كُتِب أسفلها التصنيفات: طحالب خضراء، زرقاء، بُنية وحمراء؛ وبالرغم من ذلك بدت كلها أعشابًا بحرية غير مختلفة لها.

انزعجتْ أكثر وازداد توتّرها، كيف ستُقدّم البحث أمام زملائها وأستاذتِها صعبة المراس إن كانت لا تستطيع حتى التفرقة بين الصور التي ستعرِضُها عليهم؟

أناملها تشابكت مع خصلاتها الداكنة في قلة حيلة ثم نزعت سماعاتها نهائيا وبدأت تُلملم حاجياتها. لا تستطيع الدراسة أكثر، عقلها يكاد ينفجر من الضغط ولديها عمل بعد أقل من ساعة وهي لم تتناول غداءها بعد.

«هل انتهيتِ بهذه السرعة؟».
تفاجأ الببغاء الأزرق بكونها تتجهز للمغادرة. هل أزعجها صديقه؟ أم أنها انزعجت منه لأنه لم يُولها اهتمامه الكامل وخرج من نقاشهما دون سابق إنذار؟

«تعبت، سأكمله في وقت آخر...».
ردّت ورفعت حقيبتها فوق كتفها ثم كانت ستلوّح له مودّعة لكنه وضع بيدها كيس الحلوى الجيلاتينية.

«يمكنكِ أخذها».
كاد يُضيف أنها يمكنها دراسة أذواقها المختلفة بمفردها إلا أنه عدَل عن ذلك حين لاحظ مدى إجهادها، لا يُريد أن يكون مصدر قلق لها.

«شكراً لك...».
ارتفعت زاويتا فمها في ابتسامة صغيرة ثم غادرت بينما هو واقف يُتابعها بنظراته إلى أن غابت عن مجال رؤيته.

«آه! سحقا!».
تذمر وضرب رأسه عندما تذكر أنه لم يأخذ رقمها هذه المرة أيضا.

«لِم يضرب الببغاء الأزرق نفسه؟».
صدر صوت ساخر من خلفه فتنهد ورمى نفسه على كرسيّه.

«لأنه غبيّ...».
تمتم وأخفى وجهه بين ذراعيه المعقودتين على الطاولة.

«لو ضربتَ نفسك كلما قمتَ بشيء غبيّ لأصبح اسمك الفتى الأزرق لكثرة كدماتك!».
رد صاحب الصوت واستند على كتف صديقه مقهقها.

«اصمت يا شجرة!».
ودفعه عنه بخفة ثم عاد لوضعيّة الطائر الحزين.

«ما المشكلة؟ لقد رأيتكما تتحدثان وتجلسان معًا، هذا تقدّم كبير. لِم أنتَ بائس الآن؟».
اتخذ مقعدا بجواره وانحنى لمستوى رأسه يستفسر عن سبب نوبته تلك.

«أشتاق إليها!».
صاح الببغاء الأزرق بصوت خافت فكاد صديقه يصفعه لمدى دراميته.

«تباً لك، ظننتها استاءت منك أو ما شابه».
لم يقاوم نفسه وضربه على ظهره عقابًا على قلقه الوجيز.

«لا أظنها استاءت مني... لم أفعل شيئا سوى التناقش معها عن الحلوى وطعمها ثم أعطيتها إياها وغادَرت».
استرجع الببغاء الأزرق حوارهما مُتذكّرا تعابير وجهها التي حُفِرت في ذاكرته.

«البارحة أعطيتها قلبك واليوم حلواك، ماذا ستعطيها غدا؟! أبناءك؟»
علّق بينما يهزّ رأسه مستنكرًا، لقد سقط صديقه دون رجعة.

«لن أمانع ذلك».
وتلوّنت وجنتاه بالزهريّ لتأتِيه ضربة أخرى على مؤخرة عنقه هذه المرة.

الببّغاء الأزرق || الدب الشتويّWhere stories live. Discover now