لا مجال للهرب

Start from the beginning
                                    

أستدارت الطبيبة ببطء و إنحنت كي تخرج من حقبيتها دفتر ملاحظاتها و تعاود مراجعة أسماء مرضاها لهذه الليلة و كأنه القدر بذات يتلاعب بها لتسقط عينيها الجميلتين على أسم دينيز حتى في محاولاتها البائسة للهرب من التفكير فيه!! - كفاك تعذيباً لنفسك يا أدا…ست...

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

أستدارت الطبيبة ببطء و إنحنت كي تخرج من حقبيتها دفتر ملاحظاتها و تعاود مراجعة أسماء مرضاها لهذه الليلة و كأنه القدر بذات يتلاعب بها لتسقط عينيها الجميلتين على أسم دينيز حتى في محاولاتها البائسة للهرب من التفكير فيه!!
- كفاك تعذيباً لنفسك يا أدا…ستتوقفين عن التفكير فيه من بعد الآن...ستمضين قدماً
و بينما كانت أدا ألتوناي تمد نفسها بالقوة الزائفة عن طريق كلمات العقل التي باتت شبه منعدمة التأثير منذ لحظة إعترافه بحبه لها علناً كان داخل قلبها تردد جملة أكثر واقعية بكثير مما تحاول هي جاهدة تصديقه
- إنه أنقذ من بين براثن الموت و لازالت تشكين بأن يكون مثل أباك ؟
………………………………………………………

و في مكان آخر بعيد بعض الشيء عن ذلك الصراع النفسي الذي تخوضه أدا ألتوناي كانت رائحة طعام الإفطار التي تنبعث من مطبخ عائلة آركان كفيلة لإيقاظ ذلك القبطان الوسيم من غفوته القصيرة التي أقتنصها بإعجوبة من بين براثن التفكير لتأتي تلك الرائحة الجميلة الناتجة عن طعام والدته لإيقاظه بعد أربع ساعات فقط من بداية غفوته فتمطأ في فراشه بكسل قبل أن يزيح الغطاء عنه و يجلس فوق الفراش بعيونه الناعسة و شعره المشعث محدقاً في ساعة الحائط المعلقة على حائط غرفته ليجد عقارب الساعة تدق نحو السابعة فحرك كفيه مدلكا رقبته ليزيل عنها تيبسها من آثر النوم على وضعية واحدة لفترة طويلة ثم بعد ذلك إنجرف بخطواته نحو الطابق السفلي حيثما تقف والدته و تصب البيض في طبقه و طبقها بالتساوي
- Günaydın Güzellerin güzeli
" صباح الخير يا جميلة الجميلات "
أبتسمت ذات العقد الخامس من العمر بخفة من تدليله لها ذاك الذي كان يستخدمه أباه أيضاً عندما يكون مزاجه جيد فإستدارت الأم لتواجه عيونها أبنها و هي تضع جام أملها بأن تكون قاعدة ذلك التدليل إنطبقت على أبنها أيضا رغم أنها لاحظت أنوار غرفته المضاءة لساعات متأخرة من الليل ليلة البارحة
- Günaydın yakışıklı kaptanı…Keyfin yerinde bakıyorum
" صباح الخير إيها القبطان الوسيم…أرى أن مزاجك في مكانه "
هربت إبتسامة صغيرة من عيون الشاب الوسيم إلى شفتيه للحظات قبل أن تندثر مجدداً و يتصنع الإنشغال سريعاً بطبق الاومليت وعصير البرتقال الطازج الذين جعلوا القلوب تتكون في عيونه فهمس ممازحاً و هو يتجه بالأطباق نحو الطاولة
- و كأنك لا تعرفينني يا أمي…لا يوجد شيء
و بشكل فوري تلك النظرة الخاصة بالأمهات التي تخبر أبنها بها بأن محاولته البائسة للتملص من الإجابة لن تجدي نفعاً معها البتة فتنهد الشاب مستسلماً و هو يفتح لوالدته الكرسي لتجلس براحة ثم قال محاولاً كسب القليل من الوقت
- تمام يا أمي لنأكل أولاً من فضلك لأنني أتضور جوعاً و رائحة الطعام لا تساعدني على الصبر أبداً
بدأ الاثنان بتناول الطعام سوياً و هم يتكلما في عدة أشياء و موضوعات متعددة و مختلفة إلى أن رفع الشاب محرمة الطعام و مسح بقايا الطعام من فوق شفتيه و بعدها بثواني فقط إنتبه إلى أن والدته فعلت المثل الذي كشف له بكل يسر أنها هي أيضاً أنهت طعامها فقرر أن ينهض ليضع الأطباق داخل حوض المطبخ و قبل أن يدير ضهره سمع صوت والدته تحدث ضاحكة لتخبره بأنه لم يجد مهرباً من إخبارها عما بداخله كما ظن
- و الآن يا حضرة القبطان و لأني أعرفك أكثر من نفسك حتى و أعرف جيداً من هو دينيز آركان أعرف جيداً أن لديك جديد لا اعرفه
أبتسم القبطان الوسيم إبتسامة متهربة و هو لازال يحدق في طاولة المطبخ أمامه بينما يديه كانت منشغلة بسكب القهوة عديمة السكر لكلاهما ثم فور إنتهائها أدرك الشاب أن أخر محاولاته للتهارب نفذت فإستدار حاملاً بين كفوفه قدحين القهوة فأمد إحداهما لوالدته و وضع قدحه جانباً جالساً بجانبها و قد حسم أمره مقرراً البدأ في السرد بينما كان إبهاميه يتصارعون سوياً و عينيه عادت لعادتها القديمة و قد شردت في نقطة ما في الفراغ الفسيح أمامه دلالةً على تشوشه
- أتذكرين عندما أخبرتك أنني بحاجة للخروج و أستنشاق بعض الهواء ؟
أصدرت الأم صوتاً من فمها دلالة على إنتباهها و تذكرها لما يقوله و قد رقص قلبها فرحاً بأنه بدأ يفضي بما بداخله فسواء كان ما سيقوله خبر محزن أو مفرح فكونه سمح لها بأن تعرف ما يخالجه إذاً فهو قادر على التحكم بزمام أموره.
- أخذت سيارتي و تجولت في الشوارع والميادين دون هدى حتى وجدت نفسي بمحض الصدفة…أقسم لك بمحض الصدفة بالقرب من الساحل حيثما تسكن هي!
صمت الشاب لثواني معدودة و قد عادت تلك اللحظة التي وقعت فيها بين أحضانه مقطوعة الأنفاس تومض أمام عينيه بكل ما فيها من مشاعر و صراعات...عاد ذلك الألم ينخر عظامه و عاد الخوف يكبح جماح صوته فلم يعد أمامه الأختيار بين الحديث أو الصمت.. لازالت برودة جسدها تصيب قلبه بالصقيع…لازالت لاهثاتها المختنقة تصيب رئتيه هو الإختناق
- رأيتها تخرج لمشاهدة الساحل في هيئتها الناعمة حينئذٍ و بالرغم من كل وعودي الواهية لنفسي بأن أبقى بعيداً وجدت نفسي أركض نحوها بكل ما أملك من سرعة..كنت أريد أن أعرف من أنا بالنسبة لها…و لكن لم تجيبني…لم تتحدث…ما أن لمست ذراعها وجدتها تقع بين أحضاني فاقدة للوعي مقطوعة الأنفاس
صمت الشاب مجدداً و قد عادت دمعات القلق تتكون داخل عينبه من جديد و كأن قنواته الدمعية لازلت غالفة أن ما يحكيه الآن بات جزءً من الماضي و أن تلك الفتاة التي تذرف الدمع قلقاً و حزناً عليها تجلس سالمة في منزلها حالياً بالفعل ثم بعد دقيقة إستعاد القبطان رباطة جأشه مستكملاً ما بدأه من حديث
- كان شعوراً لا يوصف وأنا أراها تستغيث أمامي ولا أستطيع القيام بشيء…عجز قاتل يا أمي…عجز كاد يؤديٍ بحياتي…حملتها بين أحضاني لأول مرة…تمتلك دفء مذهل مهما كانت حالتها...و ما هي إلا لحظات حتى سمعت أبشع جملة مرت على مسامعي " أنا أموت يا دينيز " هكذا همهمت من بين أنفاسها اللاهثة لأشعر فوراً و كأن الكرة الأرضية توقفت عن الدوران…أصبح اللون الأسود هو الحاكم الأول والأخير للمكان…بالكاد أعرف أين أنا وماذا عليّ أنْ أفعل…على أية حال و بمعجزة إلهية وصلنا إلى المشفى و حملتها للمرة الثانية بين أحضاني...الممر المؤدي لبهو المستشفى لم يكن طويلاً أو الأصح أنني لم أستطيع تحديد ذلك أبداً…فمن جهة ذلك الجزء بداخلي الذي أراد قربها رآه قصيراً جداً و ذلك الجزء بداخلي الذي كان يخشى مرور ثانية آخرى دون أن تخضع لما ينقذها رآه طويلاً لا ينتهي…على أية حال بشكل ما إنتهى الطريق و وصلت للأطباء…لازالت أتذكر كلماته…لازالت تطن في أذني…حالتها حرجة جداً…خمس دقائق فقط و كانت ستتلف أجهزة الحركة في جسمها
في الواقع لا يمكننا إعتبار ما يحدث الآن حوار بين فردين بقدر ما يمكننا إعتبارها واحدة من تلك اللحظات النادرة التي يجد فيها الإنسان آذان تسمعه دون مقاطعة…دون تقديم حلاً أو لوم على فعل ما فقط آذان تسمع بإنصات فحسب
فبالرغم من أن جولاي لم تفهم إلى الآن سبب سعادته التي كانت بادية عليه عند استيقاظه و المنافية تماماً لبقاؤه حتى الثلث الأخير من الليل مستيقظاً و لما يسرده من أحداث لم تفضل مقاطعته والسؤال تاركة إياه يفضي بما يريد في الوقت الذي يريده و في الواقع هو لم يتركها تنتظر طويلاً لأنه عاد للسرد مجدداً
-و لكن ليس هذا بالعلامة الفارقة حقاً...أهم ما حدث في حفنة الأيام القليلة الماضية - بإستثناء سلامتها بالطبع - هو تلك اللحظة التي رأيت فيها عينيها مفتوحتان…رأيت في عينيها حباً غير قابل للتكذيب…رأيت في عينيها كون آخر…رأيت في عيونها كلمة أحبك التي إمتنع لسانها عن نطقها…منحتني نظرات جعلتني لا أريدها أن تتحدث حتى لا تؤلمني بكلمات تأكدت أنها مزيفة..حاربت بكل قوتي حتى لا أخبرها كم أحبها في كل لحظة فقط حتى لا تنكر حبها و تؤلمني…جاهدت بكل طاقتي ألا أخبرها كم تبدو طفلة و هي تضحك بسخاء كل يوم عندما أستطيع
تهريب قدح القهوة لها من دون علم الممرضات حتى لا تهرب كعادتها…ألتزمت صمت مطبق مؤلم حتى لا تؤلمني هي!
و حينها فقط فهمت الأم سبب سعادة أبنها لقد كان حدسها محقاً تلك الحمراء تحبه سواء إعترفت بذلك بلسانها الآن أم لا و لكن هناك شيء آخر أثار استنكارها و هو أختياره للصمت طريقاً في التعامل بينهم ألا يخشي أن تفهم صمته هذا إنسحاباً ؟
- لا أظن الصمت حلاً صائباً!
بزغت إبتسامة عريضة فوق شفاه الرجل...إبتسامة حلمت جولاي أن تزوره في السابق ولو لوهلة حتى و ها هي تعود لتنير وجهه بكل معنى الكلمة…تنيره بشكل يجعلها على أتم الإستعداد أن تدفع عمرها بأكمله لكي لا تغيب مجدداً أبداً…أبتسمت سطرت أولى سذور تاريخ جديد و عشق جديد لقلب إبنها المهجور لسنين…حياة جديدة!
- سأريها حبي دون أن أتحدث كما تفعل هي!
………………………………………………………

Aşk AdasıWhere stories live. Discover now