|٠١| ضباب وقراصنة أشباح

Start from the beginning
                                    

بعد تلك الجملة سرح خيالُها مجددًا. عندما تُنزِل سفينة القبطان مرساتها تتولد الأعاصير، أما الرعد والبرق فما هما إلا صوت تضارب سيوف القراصنة مع بعضها والشرارات التي تنتج عن ذلك.

أضحَكها تفسيرها البدائي فابتسمت لنفسها وكتبته على كراسها حتى لا تنساه، قد تستعمله في إحدى قصصها التي تراكمت كمسودات على مكتبها.

لحظات وظهرت أمامها قصاصة من الورق كُتِب عليها بخطّ سيء وجميل في آن واحد: "هل انتهيتِ من بحثِ السيدة جونغ؟".

عقدت حاجبيها في استغراب ثم نظرت إلى صاحب الرسالة الذي كان ينتظر ردّها بفارغ الصبر، نزعت إحدى سماعاتها ثم قلبت الورقة وكتبت: "ليس بعد، أُنجِزه الآن".

لمعان عينيه شابه ضربة برق في تلك اللحظة التي ردّت عليه فيها، ربما لم يسمع صوتها بعد إلا أن حوارًا كتابيًا كان كفيلاً بإسعادِه.

"بمفردك؟ لقد اشترطت علينا أن نعمل في ثنائيات".

قبل أن يكتُب القصاصة التالية، علِمت مسار حديثه لذا سارعت في كتابة رفضها لعرضِه لكنه كان أسرع منها.

"ما رأيكِ أن نعمل معا؟ لم أجد شريكاً بعد...".

ترددت قليلا، جملة "أُفضّل العمل بمفردي" كادت تكون جاهزة على الورقة وبقي فقط أن تمدّها باتجاهه إلا أنّ نظرته المتأمّلة جعلتها تشعر وكأنها برفضها ستقتُل جروا صغيرا بريئا.

لم تقوَ على ذلك.

انكمشت القصاصة بين قبضتها ليخطّ القلم قبولها لعرضه على القصاصة الثانية. ابتسامته الفريدة اتّسعت فتجعّد خداه وضاقت عيناه حتى لم يبقى ظاهرا منهما إلا لمعتا نجم وسط دكنة من البنيّ.

«رائع! أي طبقة جويّة سنختار من أجل بحثنا؟».
تكلّم بصوت عالٍ ليتلقّى نظرات حادة من بعض الطلاّب الذين كانوا منتشرين بعشوائية.

أحنى رأسه مُعتذراً لكل منهم ثم أعاد نظره للشابة التي كانت تشعر بالخجل بدلا عنه، أشارت له بخفض صوته ثم قلبت صفحات دفترها إلى أن وصلت إلى مخطط كانت قد جهزته في بداية بحثها.

خمسة مستطيلات، أو بالأحرى أقواس بسبب انحناءاتها، توضّعت الواحد فوق الآخر ممثلة الطبقات الجويّة التي تُغلّف الكرة الأرضية.

خمسة مستطيلات، أو بالأحرى أقواس بسبب انحناءاتها، توضّعت الواحد فوق الآخر ممثلة الطبقات الجويّة التي تُغلّف الكرة الأرضية

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

«لنختر الأولى، التروبوسفير، الأقرب لسطح الأرض».
تحدّثت في همسة وأدارت الصفحة نحوه حتى يرى محتواها.

«لم لا نختار الأولى من الجهة الأخرى؟ الأبعد عن سطح الأرض، ستكون دراستها غير مألوفة ومثيرة».
ردّ بعد التدقيق في رسمها.

«تمامًا، غير مألوفة. يعني أننا لن نجد معلومات كافية عنها وسيكون البحث ناقصًا».
لم تنظر إلى تعابير وجهه هذه المرة حتى لا تفقد تركيزها وتوافقه ببلاهة.

«لكن البحث عن معلومات تخصها سيكون مغامرة علميّة! أراهن أن زملاءنا سيتجنبونها أيضًا، ما يمنحنا فرصة أن نكون الوحيدين الذين سيُقدمان شرحا عنها -مهما كان قصيرا-».
تشبّث هو برأيه، حس المخاطرة كان مرتفعًا لديه بينما كان منعدمًا لديها. يُفضّل الخوض في كل ما هو غريب عنه بينما لا يمكنها تكفّل تضييع جهدها ووقتها في ما ليست نهايته واضحة.

«وحين نصل إلى نهاية مسدودة ونحصل على تقييم سيء، ماذا سنفعل عندها؟».
نبرتها حملت بعض العدائية فقرر الكفّ عن معارضتها والأخذ بقرارها قبل أن تغضب عليه وتُغلق فقاعتها رافضة مساعدته لها.

«حسنا، لنبدأ العمل على الطبقة التي اخترتِها».
وافقها لكنه وعد نفسه أن يجمع مصادر كافية للقيام ببحث كما أراد هو ويُريها إياها المرة القادمة، فقط حتى يدفعها إلى الخروج عن المألوف.

استرخى كتفاها حين اتفق معها أخيرا لكنهما تشنجا مجددًا عندما اهتزّ هاتفها لـوُرود رسالة نصيّة لها. قهقهت بخُفوت بعد أن قرأت محتواها ثم بدأت بجمع حاجياتها في حقيبتها.

«لنبدأ غدا في مثل هذا الوقت، لديّ ما أفعله الآن».
انحنت له ثم سارت بخطوات سريعة بعيدا عنه وخارج المكتبة.

جلس هو باهتًا للحظة غير مستوعب لما حدث. كانت في متناوله قبل قليل... لكنها اختفت في لمح البصر.

على الأقل تعلّم شيئا أو اثنين عنها؛ تُفضّل ما هو مألوف، يمكنها الابتسام كما يمكنها الكلام (ليست بكماء كما ظنّ سابقا). وهناك المزيد ليتعلّمه إن أراد فعلا ما يرغب به.

الببّغاء الأزرق || الدب الشتويّWhere stories live. Discover now