3

13.2K 340 50
                                    


_هل ينبض القلب_؟!
--------------------------------------------

نهض عن مجلسه ببنيانهِ العريض متوجها نحوها، فانكمشت على نفسها بشدة وهي تنكس رأسها ودموعها آخذة في ازدياد لا تتوقف، وقف قبالتها تمامًا وهو يقول بصوته المميز:
"عندما أسألك يجب عليكِ أن تجيبني، والآن ارفعي رأسك وانظري إليّ".
لم تقدر على ذلك، يكفي صوته الذي أرعبها وقربه المُهلك وليس هذا فحسب بل أسده الذي أخذ يدور حولها ويزأر بوحشية!، وهي ضعيفة رغم مشاكستها العفوية!.
"هل سمعتِ"؟.
انتفضت على إثر صوته ورفعت رأسها أخيرًا وقد ازدردت لعابها بصعوبة بالغة، ثم قالت بخفوت وهي ترتعش خوفا:
"نعم.. سمعت سيدي".
هز رأسه راضيًا وسألها مجددًا بهدوءٍ وهو يُكتف يديه خلف ظهره:
"إذن ما الأمر "؟.
راحت تمسح بأناملها العبرات عن وجنتيها، وعصرت عينيها حتى ترى بوضوح أكثر، فدقق الملك نظره إلى عينيها البنيتين اللتين تلمعان ببراءة لم يرَ مثلها.
"سيدي، لقد كنت أسير ذاهبة إلى التاجر الذي تأخذ منه أمي التوت لأن أمي لم تستطع حمل هذا الوزن منه، هي تقول لي اذهبي يا فنار بدلاً مني، وأنا قلت لها يا أمي سمعا وطاعة ".
رفع "تيم" حاجبيه باندهاش لحديثها، هو يسألها ما أمر مشاجرتها مع الفتاة الأخرى وليس قصة حياتها مع أمها!،  تلك الفتاة تُثير اهتمامه أكثر من اللازم، ورغم ثرثرتها هو يراها خفيفة الظل وشقية وشيقةً! 
تنهد بنفاد صبر قبيل أن يقول بجديةٍ:
"وماذا بعد "؟.
تابعت وهي تنظر إلى الفتاة بحدة:
"كنت أسير وأنا أحمل الوزن الثقيل، وإذا بهذه الفتاة ومجموعة أخرى من الفتيات معها نادوني وقالوا يا سارقة المانجو، ورغم أنني انزعجت وكدت أبكي إلا أنني واصلت طريقي دون أن أعريهن أي اهتمام، ووقفت هذه الفتاة أمامي وقامت بدفعي فانزلقت قدماي وانقلبت على وجهي مثل المعزة يا جلالة الملك".
كتم "تيم" ضحكته بصعوبة وهو يهز رأسه متفهما ثم قال يحثها على التكملة:
"أكملي".
هزت رأسها موافقة في طاعة وواصلت:
"وبعد ذلك ضحكن كلهن عليّ وعلى ثيابي التي تلطحت بالتراب والتوت، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أجذبها من شعرها وألقها على وجهها كما فعلت ومن سوء حظها اصطدم رأسها بحجرٍ كبير الحجم لم أرَه، هذا كل ما حدث أقسم لك بالله يا سيدي ".
نحى "تيم" ببصره عنها ونظر إلى الفتاة وقال بجمود قاس:
"هل ما تحكيه فنار حدث؟، إياكِ والكذب وإلا كان عقابك شديد".
أومأت الفتاة برأسها دون تردد خوفا منه، ثم قالت بنبرة متحشرجة:
"نعم سيدي حدث ولكن... "
قاطعها مواصلًا بصرامة:
"إذن أنتِ الخاطئة والآن اعتذري لها وانتهى الأمر!، وإياكِ أن تسخري منها أو تنعتيها بسارقة مرة أخرى لأنها لم تسرق، ولا تسخري من أحد أيًا كان، أفهمتِ؟".
"فهمت سيدي، أنا أعتذر فنار "
ابتسمت "فنار" بعفوية وقالت بمحبة:
"لا داعي أختي، أنا سامحتك ".
التفت "تيم" إليها وحملق فيها مستغربا ردة فعلها في حين حدث نفسه:
"طيبة القلب "!..
ثم سمح لهما بالانصراف، وعبرت الفتاة الحجرة تتبعها "فنار" التي أسرعت في خطاها وما لبثت أن ركضت وكأنها تهرب، حينها ابتسم الملك ولم يستطع منع تلك الابتسامة وهو يحدث نفسه هائمًا:
"أسرتني تلك السمراء تُشبه حبات السكر في حُلوها "!
ولجت الملكة "قسمت" ما إن خرجتا الفتاتان من الحجرة ومن القصر بأكمله، كان الغضب يرتسم على ملامحها الهادئة بشدة وبرز الشر في عينيها وهي تهتف بامتعاضٍ:
"ما الذي تفعله يا تيم؟ ، أنت تهتم بأمور لا قيمة لها على الإطلاق "!
"كيف "؟.
نطق وهو يجلس مرة ثانية على كرسيه بهدوءٍ تام، فزفرت بحنق وقد تابعت بعصبية:
"مشاجرة تافهة تأخذ من وقتك كل هذا؟، لابد أن تترك تلك التفاهات لمن يليق بها، توقف عن هذه المعاملة خاصتك هذه المعاملة لا تليق بحاكم المملكة "!.
ابتسم بتعجب لأمر أمه ذاك!، ثم استأنف قائلًا بجمود:
"كل صغيرة وكبيرة أنا المسؤول عنها يا أمي، ولا أستطيع أن أكسر الخواطر وخاصة الفقراء".
"تيم.. أن تزيدها ليس لهذا الحد!، أنت لم تعامل الأغنياء وأصحاب الكرامة مثلما تتعامل مع هؤلاء الحشرات من الناس، دعهم وشأنهم اللعنة عليهم "!
تجهمت ملامحه آنذاك، واحتدت نبرته مجيبا:
"هل تنصحيني أن أبتعد عن الغرور وأنتِ منبعه يا أمي؟، المملكة أنا حاكمها وأفعل ما أراه صحيحا ليس شأن أحد "!
"هل تقصدني أنا؟، أنا يا تيم.. ليس شأني أنا "؟.
"أمي.. لا تخلقي مشاجرة الآن ولا تعكري صفوي أرجوكِ، دعني وشأني ".
راحت تهز قدمها بضيقٍ شديد وقد غليت الدماء بعروقها، لكنها استطاعت أن تهدأ من روعها وقالت:
"حسنا يا تيم، أريد أن أحدثك في أمر ما ".
أشار لها بالجلوس وقال بثباتٍ:
"أمرك يا أمي، تفضلي أنا أسمعك".
"أريد أن يكون بشار ذراعك اليمين ".
ضحك ساخرًا وقد قال:
"ماذا قلتِ "؟.
"أنا لا أمزح، حدثني بجدية أكثر يا جلالة الملك ".
رفع حاجبه العريض وابتسم متهكما من جديد:
"هذا الكلام خاصتك مؤكداً أنه مزاح، أنا أتعامل مع الرجال والأسود فقط ".
قالت "قسمت" بوجه يشتعل غضبا:
"بشار رجل يا تيم "!
" بنظرك أنتِ رجل وبنظر أبيه الفاسد،  أما أنا فلا أراه إلا شخص ضائع لا قيمة له، شخص يشرب الخمر فاسد تمامًا مثل أبيه، وصبري عليهما لأجل خاطرك فقط يا أمي فلا تحمليني أكثر من ذلك"!.
"هذا يعني أنك ترفض طلبي يا تيم "؟.
"نعم أمي وبكامل أسفي ".
نهضت بعنف تمسك بقبضتيها فستانها المُطرز بالألماس وبرحت المكان دون كلمة أخرى، أما عنه فقد ضحك قائلًا بسخرية:
"ذراعي أنا اليمين؟، هذا بالكثير يصلح أن يكون ذراع قِطة"!
------------------------------------------------

مملكة الأسد، بقلم فاطمة حمدي Where stories live. Discover now