19

7.8K 270 11
                                    


"اتفاق"!
--------------------------------------

"سيدي.. والدتك تريدني "!
راحت "فنار" تخبره بتوترٍ وهي تنظر إلى وجهه مليًا، ليرد عليها بثباتٍ قائلًا :
"اذهبي إليها فنار.. "
"ولكن...."
قاطعها بصرامة:
"ولكن ماذا فنار؟.. أنتِ تخافين؟؟ "
همست في سرعة:
"لا.. لا أخاف.. حسناً سأذهب.. ولكن هي ماذا تريد منّي؟ "
"ستعرفين ما إن تذهبي "..
أومأت برأسها إيجابًا وهي تغتصب ابتسامة هادئة على شفتيها.. بينما نظر لها مطولًا وكأنه يحتضنها بنظراته الشغوفة فيما يهمس مبتسما:
"ماذا حبيبتي؟.. لا تخافي لن يؤذيكِ أحد أبدًا ثقي في هذا أنا جوارك ".
نهضت وهي ترفع وجهها بمرح قائلة:
"زوجة الملك تيم لا تخاف سيدي "!
نظر لها غاضبًا.. فتراجعت في قولها:
"تيم".
ضحك غامزًا وقد أخبرها بحب:
"هيا فنارتي اذهبي وأتني في سرعة.. لأني اشتاق"
تخضبت وجنتاها وهي تلتفت مغادرة الغرفة وعلى وجهها ابتسامة خجولة.. تمهلت في خطواتها وهي تسير بالرواق الطويل ذاهبة إلى غُرفة "الملكة قسمت ".. أخذت شهيقًا عميقًا قبيل أن تلج إلى الحجرة.. أقفلت الباب خلفها ووقفت تنظر إليها في هدوء وهي نائمة على فراشها، لتسمعها تهمس بإعياء:
"اقتربي.. ".
انصاعت لها واقتربت بخطواتٍ بطيئة إلى أن وصلت للفراش، حينها انحنت عليها قائلة بجدية:
"علمت أنكِ تريدني.. ماذا هناك "؟
فقالت "قسمت" بخفوت:
"نعم.. كان لابد أن أتحدث معك.. "
"أنا أسمعك "
همست "فنار" وهي تجلس على طرف الفراش برفقٍ، ثم تابعت "قسمت" وهي تبتلع غُصة مريرة بحلقها:
"في يومٍ من الأيام.. أحببت زوجي أكثر من إبني.. وكنت أحاول إتعاس إبني، في سبيل سعادة زوجي.. والآن أخذت جزائي.. لقد مرضت وأصبحت لا حول لي ولا قوة.. وقد تركني زوجي ولم يرعاني.. بعد أن كنت أظن أنه لن يتخلى عني كما لم أتخل عنه يوماً "
هزت "فنار" رأسها بأسى.. وتنهدت بحزن قائلة بنبرةٍ محملة بالعتاب:
"كيف لأي أحد أن يكره الملك تيم؟ هذا الملك حنون وطيب القلب.. هو يبدو صلبا قاسيا لكنه ليس كذلك.. هذا الملك يُكرم الفقير ويحمي الضعيف ويطعم المسكين.. وأنتِ تعلمين كل هذه الصفات النبيلة لأنك أمه فكيف تتخلين عنه بهذه البساطة؟ "
"كنت غبية.. مغيبة.. أنا استيقظت من غفلتي مؤخرًا وأطمع أن يسامحني إبني.. "
قالت "فنار" بجمود:
"ولمَ لم تخبرينه هو بذلك واستدعيتني أنا؟ "
"لأنه مؤكداً لا يريد أن يسمع صوتي.. وأنا لا أريد أن أراه وهو عاجزاً.. لقد تمزق قلبي حسرةً عليه.. كما أعلم أنه يحبك بقوة وما إن تخبريه أنا يسامحني سيفعل "
ابتسمت "فنار" مع قولها المتزن :
"الملك تيم يحبك رغم كل محاولاتك في إتعاسه.. كما قلت لك هذا الملك حنون للغاية.. "
دمعت عينا "قسمت" بحزن وهي تقول بغضبٍ :
"أخبريه أيضًا أن يدخل تيجان وبشار السجن مرةً أخرى، هما لا يستحقان ما فعلته لأجلهما.. هذان خائنان ويا ليتني ما صدقت كذبهما.. أخبريه من فضلك "
أومأت برأسها موافقة ونهضت ببطء من جوارها، فتابعت "قسمت" بنظراتٍ نادمة:
"وأنتِ سامحيني.. لقد ظلمتك "
فتابعت "فنار" وهي تفتح باب الحجرة:
"لا بأس.. أنا سامحتك ".
خرجت من غرفتها وهي تبتسم وتشعر براحةٍ.. قلبها يُخبرها أن الأمور ستتحسن إلى الأفضل وسيسود الحب في هذا القصر ولكن ما إن ينتهي كابوس تيجان وابنه.. لكنها الآن تشعر بالوهن يجتاحها وكأنها مريضة...
تشعر بعدم الاتزان لكنها تحاول الصمود حتى لا يقلق عليها حبيبها الملك......
جاء أحد أفراد الحِراسة ووقف أمامها وقد انحنى تحيةً لها.. وقال في أدب:
"سيدتي.. أمرني السيد سليمان، أن أخبرك أن تحضرين الآن إلى الزنزانة المتواجدة بها الملكة روكسانا لأنها تصرخ وتنادي بإسمك وتريد أن تخبرك شيئا "!
تعجبت "فنار" وهي تعقد حاجباها باستغرابٍ.. فيما تردد بخفوت:
"وماذا تريد منّي الآن؟ "
تنهدت بعمقٍ وسارت خلف الحارس متجهة إلى حيث توجد.. وجدتها بالفعل كما وصف الحارس.. تصرخ باهتياج وشعرها مشعث كأنها فقدت عقلها وباتت "مجنونة " حقاً! 
شهقت "فنار" ما إن رأتها واقتربت تتابعها بعينيها في صمت.. وأما "روكسانا" فقد توقفت عن الصراخ حينما رأتها وابتسمت ساخرة وهي ترمقها بحدة من عينيها الشرستين.. ثم قالت بعنف وهي تشير بسبابتها:
"يا له من زمن عجيب.. الملكة تُسجن وتُذل.. والفقيرة الحمقاء تُصبح ملكة! إنه لزمن رخيص "!
كشرت "فنار " عن جبينها وراحت تهتف بنبرة محتدمة:
"الزمن ليس رخيصا بل أنتِ "!
ضحكة هازئة أطلقتها "روكسانا " وهي تقول قاصدة إغضابها:
"لا تأملين في دوام حالك.. أنتِ لا تعرفين شيئا عن هذه الثعالب الذين حولك.. وأولهم زوجك الملك "
"ماذا؟.. أنا لن أسمح لكِ.. لا تذكرينه على لسانك "
ابتسمت بشراسة وأخبرتها:
"اسمعي أيتها الحمقاء.. ألم تأتِ جلنار يوميا لكِ وهي تحمل كوبا من العصير الطازج الشهي؟ "
تغضن جبينها وهي تقترب منها أكثر قائلة :
"كيف عرفتِ؟"
ضحكت مجددًا وقالت:
"هذا كان بالاتفاق عزيزتي.. تعلمين أن هذا العصير يحتوي على أشياء مؤذية تجعلك واهنة دائمة والأصح تقتلك ولكن بتمهل.. ألم تشعرين بذلك "؟!
لوهلة شعرت "فنار " أن الدنيا تدور بها وأنها بالفعل وقعت بين ثعالب وذئاب.. ازدادت وتيرة تنفسها وتعرق جبينها.. كم كوبا احتسته إلى الآن؟
ضاعت.. لقد ضاعت.. "جلنار" قضت عليها.. بالاتفاق مع هذه..! 
"لا تحزني.. لأن الملك تيم زوجك يعلم ذلك وهو اتفق معنا "..
قالتها "روكسانا" وهي تضحك بشدة وعيناها تلمعان بوميض خبيث.. حينها صرخت "فنار" بها وراحت تدفعها للخلف قائلة:
"كاذبة.. أنتِ كاذبة "!
استدارت "فنار" لترحل وهي تسير بالكاد... وسمعت صوتها الساخر مرة أخرى:
"لا صادقة فنار.. ستتأكدين بذاتك "!
وصلت "فنار" إلى الحجرة وهي في حالة صدمة عارمة.. لا تصدق أن زوجها الحبيب يفعل ذلك.. ولكن جلنار؟..
ولجت إلى الحجرة وأغلقت باب خلفها ثم راحت تستند عليه بإعياء وقد شحب وجهها وبات لونه أصفر.. رأها "تيم" وهو يجلس على كرسيه فانقلع قلبه قلقاً عليها ونهض راكضًا نحوها وراح يضم وجهها بين كفيه وهو يسألها بفؤادٍ قلق :
"فنار.. ماذا حبيبتي.. ما بكِ؟ "
ارتعشت شفتيها وهطلت الدموع من عينيها الحزينتين وهي تتمسك بيديه الدافئتين، ومن بين بكاؤها واصلت:
"لا شيء "
ثم سقطت بين ذراعيه القويتين مغيبةً عن الوعي..
--------------------------------------------------------

مملكة الأسد، بقلم فاطمة حمدي Where stories live. Discover now