٢. ضحايا و جثث

1.7K 157 69
                                    

استيقظ إدوارد بأنفاس ثقيلة جراء رؤيته لمخلوقات سوداء في واحد من أسوأ كوابيسه، فتح عينيه محدقاً نحو ظلمة السقف و حاول الحراك إلا أن شيئاً ثقيلاً أطبق على صدره ليمنعه من الحركة و لو قليلاً، داعبت أنفه رائحة الحطب المحترق و الدخان التي تفوح بشدة من النافذة و أرهف سمعه ليلتقط أصوات صرخات مرعوبة متألمة.

انقبض صدره و حاول يائساً الحراك ناهضاً بصعوبة و هرع للنافذة فوق سريره بقلق، استعت حدقتاه رعباً و هو يشاهد القرية التي صارت مضيئة صاخبة في الليل بسبب الحرائق التي شبت في كثير من المنازل و الأهالي الذين يركضون بفزع في كل مكان، أحاطت النيران منزل كريس ليشتعل كالجحيم باعثا حرارة لافحة أجبرت إدوارد على الابتعاد من النافذة.
أسرع قافزا من فراشه و هرع عبر الصالة مغادراً منزله بسرعة و توقف مع عدد من الجيران الذين كانوا يحاولون يائسين إخماد النيران التي تلتهم المنزل بعنف، القى أحدهم بسطل الماء أرضا و ردد بهلع:
- لا فائدة، لو لم يموتوا من الاحتراق فالدخان كفيل بخنقهم و لا نستطيع الدخول!

شعر إدوارد بالعالم يدور من حوله، و كاد يهوي للأرض لولا تشبثه بوعيه و رغبته في إنقاذ صديقه، هرع نحو النيران بهيستيرية ليمسكه رجلان مانعين إياه من الاقتراب من النيران اللافحة التي علت السقف، قاوم إدوارد و هو يصرخ:
- اتركوني! لماذا لم يخرج أحد! كريس في الداخل!
عائلته في الداخل! العم فينسنت! يجب أن يخرجوا من هناك!

صفعه أكبرهم سناً و خاطبه بعنف:
- تمالك نفسك إدوارد، نحن نحاول و سنجد طريقة للدخول، ليس منزل فينسنت وحده بل منازل أخرى كثيرة شبت فيها النيران، لقد وجد البعض ذويهم موتي في المنازل، من الأفضل أن تعود للمنزل و تتأكد من سلامة أمك و أختك!

أفلت الرجل إدوارد و ردد بأسى:
- إنها لعنة! لعنة أصابتنا جميعا! اذهب أيها الفتى! اذهب!

تعثر إدوارد متقهقراً ثم ركض مسرعاً نحو منزله الهاديء، صفع الباب بقوة و عدا للغرفة المقابلة لغرفته حيث تنام أمه و أخته الصغرى، توقف آخذاً أنفاسه و قرع الباب بخفة هاتفاً:
- أمي؟ ديزي؟ هل أنتما مستيقظتان؟

انتظر إدوارد لبرهة و عندما لم يسمع رداً ازداد خوفه ليطرق الباب بقوة و يهتف بنبرة أقرب للصراخ:
- أمي! أنا إدوارد هل يمكنني الدخول؟

مكث إدوارد عدة ثوان ثم أدار المقبض ببطء و دلف الحجرة الصغيرة المظلمة ذات الفراش المزدوج حيث تنام ديزي مع والدتهما بسبب خوفها من الظلام، اقترب إدوارد متلمساً الحائط و أدار زر الإنارة، أغلق عينيه لبرهة بسبب الضوء الساطع و قال لاهثاً:
- أنا آسف لإيقاظكما لكن في الخارج...

انقطعت كلمات إدوارد حين وقعت عيناه على الفراش الكبير الخالي حيث الغطاء مرمي على طرف السرير تلطخه بعض البقع الحمراء الحديثة، اقترب من الفراش بحذر مشوب بالقلق و لاحظ جسمين على الأرض في الجهة الأخرى ليقترب ببطء ثم يتوقف فاغر الفاه مرعوباً بعدما سقط قلبه من بين ضلوعه، كانت ديزي الصغيرة ذات الأعوام التسع ممددة على الأرض مغمضة عينيها بسلام و كأنها ملاك نائم، اختفت ضفيرتها السوداء الطويلة خلف ظهرها كاشفة عن جرح عميق في عنقها جعلها ترقد في بركة من الدماء القانية،
على مقربة منها رقدت والدتهما ممزقة الأوصال بصورة وحشية أكثر؛ تمزقت ذراعها اليمنى و ملأ ثوبها الأبيض بقع الدماء الكثيرة و الخدوش العميقة مع آثار المخالب التي مزقت الجلد و اللحم في أماكن أخرى، بدت السيدة جينر خائفة مرعوبة بعكس الصغيرة و كأنها رأت الشيطان قبل خروج روحها اليائسة.

إلى الهاويةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن