1/ شَقَائِقُ المَاضِيْ

286 43 18
                                    

عَلَىٰ عَتبةِ بابِ الفجرِ همسَ العُصفورُ مُعاتِبًا:

مَنْ كَانَ يَصوغُ الذِكريات بِلا مُنتهىً وخاتِمة.. جاعِلها مُتاحة فِيْ صندوقِ الزمنْ؟

مَنْ ألزمها حِبالاً تُطوِّقْ الرِقاب نَكَالًا..؟!

وكيفَ للماضي الدفين أَنْ يُسوَّغ مَجيئه ضيفًا دائمًا فِيْ ذاكرة مَا نعيشهُ والآتي المُؤَجل!

مَاذْا إِذْا خنقتنا عبراتُ الأحداث وتوالتْ عَلَىٰ أرواحنا لَعنات طِوال.. هَلْ سيشفي ذاكَ الشُقاقُ مَا جرىٰ؟

وهَلْ يَستوفي رِياحَ العصرِ الحاملة للسابقاتِ البارحاتِ فِيْ الأَزلِ المَهجُوُرِ عِنْدَ مَعتَقَلات الوُجُوُد السَاكِنْة؟

لِيجذبَهُ عَلَىٰ حِينِ غفلةٍ هَجسٌ أبتر، أوجدَ قَفقَفة لِجناحيهِ الثَابِتة:

هَا قَد اختفىٰ الفجر واختفت معهُ أَحلامهُ المَسلوبة! فقد تحدتهُ سويعَاتٌ قِلال وبَارحتهُ أَنجمٌ مُضمَحِلَّة..

وإلتَفَّتْ حولهُ سَحابةٌ سوداءٌ أَطلسية.. لابَسها صَدىً راعِدًا، غليظًا.. كذئبٍ عَتي، لاقتهُ الأعاديَ فِيْ كَبَدِ الدُّجْنْ.

فَهَكذا تظَّلُ الذِكريات شَقَائِقَ المَاضِي المُتَمرِّد، وحَبيسةَ الفِكرِ المُهِيمِ.. بوارداتٍ مُتأَصِلة مُنذُ البَوارِحِ فِيْ القِدم..

وحَكايا تَنهِشُ القَلبَ إجتياحًا، وتُدَّمِرُ ذِكرياتٍ صامدةٍ بِفعلِ لحظاتٍ مَرشوقةٍ بترياقٍ مُهلكٍ.. تُسَوَّمَهُ الليالي الجَهِمَة فِيْ يَومٍ شَجِيّ مُضطَرِبْ.

وَلَنْ يَردعَهَا سِوُىٰ إكسِيرَ أُمنِياتٍ وَاثِقة بِأَنْ مَا فَاتَ فَائِتْ وَلَنْ يُستَدَام بِوَسَطِ الرُوُح إِلاَّ إِعِتقَادًا، وَمَا هُو إِلاَّ وَهَمٌ لَامَسَ ضِياءَ النَفسِ دُون بَصِيرةً بَازِغة وَرسُوُخٌ بَائِنْ.

شَقَائِقُ المَاضِيْWhere stories live. Discover now