سيتقبل منها أي شيء، فلديه الآن كل الوقت ليراضيها وينسيها ألم فراق تسبب هو فيه.

ظلت تحدق في عينيه طويلا دون أي حراك، وهو أبقى ذراعيه ممدودتين لها وكأنه يخبرها بذلك باستعداده لانتظارها أبد الدهر، فقط لتسامحه.

تقدمت بخطوتين نحوه حتى تقابلت معه، مركزة نظرها على مقلتيه الدامعتين، محملتين بالكثير من الهم والتعب، والله وحده يعلم ما عايشه في سنوات غيابه.

وضعت رأسها ببطئ على صدره مغمضة عينيها، تحاول استشعار ذلك الشعور الجميل الذي كان ينتابها وهي في ذلك الموضع الآمن. فإن وجدته هناك من جديد فستسامحه من تلك اللحظة دون تردد!

أحاطت ظهره بذراعيها ما إن أحست بيديه فوق رأسها تربت عليه، و نزلت دموعها الساخنة بصمت تستمع له وهو يحدثها معتذرا. أرادت أن تخبره بأن عليه فقط إبقاءها في حضنه وستغفر له كل شيء مضى!

حضنه لها لم يتغير منه أي شيء، قد تنجح السنين في تغيير ملامحه بقدر ما تشاء، إلا أنها والآن تشعر وكأن شيئا لم يتغير، وكأن تسع سنوات عجاف لم تمض عليهما مخلفة وراءها مشاعر جافة.

إنها تشعر بقلبها ينبض بقوة وكأن الحياة دبت فيه من جديد، وفرشات وردية تحلق حولها في الجو...وكأنها تقع في الحب لأول مرة!!

شعر يونس ببكاءها وشهقات تحاول كبتها، فضمها إليه أكثر يخبرها بنبرة حنونة اشتاقت لها:

"يا طفلتي، لا تبكي، قولي أي شيء تحبسينه في قلبك وعاتبيني فما فعلته بك يستحق أكثر من العتاب"

كانت نهاد وسيلين تذرفان الدمع بصمت، فهما الاثنثين كانتا على علم بذلك الغضب والكره الذي تكنه سمر لوالدها في الماضي. وقد كانتا تتوقعان منها أن تنفجر في وجهه بحيث لن تسامحه بسهولة.

لكنهما الآن تريانها مرتمية بين ذراعيه تبكي وكأن كل تلك المشاعر قد تبددت من قلبها بلمسة سحرية منه.

مسحت سمر دموعها قبل أن تبتعد عن صدره الرحب، تحاول رسم ابتسامة على وجهها وهي تقول ومزيد من الدمع يتحرر من مقلتيها:

"لا وقت للعتاب واللوم الآن يا أبي، لندع هذه اللحظة فقط لنشبع من بعضنا ولاحقا سوف نتحدث كثيرا... لن أفسد فرحة عودتك لنا بأي شيء آخر!"

***

دخل مجد غرفته بعد أخذه لحمام دافئ. كان يومه الطويل حافلا جدا، ومع ذلك فهو الآن فقط يشعر بأن بعض الحمل قد انزاح عن ظهره ويستطيع النوم براحة أكبر.

كان يستعد للنوم عندما فاجأه دخول حسام الغرفة دون طلب الإذن، وكان هذا الآخير مقررا أن يبيت معه لعدة أيام حتى تنتهي بعض التصليحات في شقته.

وجـوه خلف الأقــنـعـة (رواية)Where stories live. Discover now