المراقبة‌ ومراتبها

8 2 0
                                    

المراقبة‌ ومراتبها

 أمّا طريقة‌ المرحوم‌ الملاّ حسين‌ قلي‌ الهمدانيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ فلم‌ تكن‌ بهذا الشكل‌، ولم‌ يعمل‌ هوأوتلامذته‌ علی‌ نفي‌ الخواطر دون‌ الذكر العمليّ، فكانت‌ نظريّتهم‌ عبارة‌ عن‌ الالتزام‌ الشديد بالمراقبة‌، أي‌ الاهتمام‌ بمراتبها، وقد ذكرنا هذا قبلاً وهنا سوف‌ نبيّنه‌ بشكل‌ مفصّل‌.

 أوّل‌ درجات‌ المراقبة‌ أن‌ يتجنّب‌ السالك‌ المحرّمات‌، ويؤدّي‌ كلّ الواجبات‌، ولا يتسامح‌ في‌ هذا الامر بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 والدرجة‌ الثانية‌، أن‌ يتشدّد فيها، ويسعي‌ أن‌ يكون‌ كلّ ما يعمله‌ لرضا الله‌ تعالي‌، ويتجنّب‌ كلّ ما يسمّي‌ لهواً ولعباً. وباهتمامه‌ بهذه‌ المرتبة‌ يحصل‌ له‌ التمكّن‌ بحيث‌ لا يضعف‌ بعدها، ليوصل‌ هذه‌ التقوي‌ إلی‌ حدّ الملكة‌.

 الدرجة‌ الثالثة‌، هي‌ أن‌ يري‌ الله‌ تعالي‌ دائم‌ النظر إلیه‌، وشيئاً فشيئاً يعترف‌ ويذعن‌ بأنَّ الله‌ المتعال‌ حاضر في‌ كلّ مكان‌ وناظر إلی‌ كلّ المخلوقات‌، ويجب‌ أن‌ تراعي‌ هذه‌ المراقبة‌ في‌ كلّ الحالات‌ وفي‌ جميع‌ الاوقات‌.

 الدرجة‌ الرابعة‌، وهي‌ أعلی‌ وأكمل‌ من‌ سابقتها، وهي‌ أن‌ يري‌ بنفسه‌ حضور الله‌ تعالي‌ ونظره‌ إلیه‌، وبتعبير مجمل‌ يشاهد الجمال‌ الإلهيّ، وفي‌ وصيّة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ إلی‌ أبي‌ذرّ إشارة‌ إلی‌ هاتين‌ المرتبتين‌ الاخيرتين‌ من‌ المراقبة‌ :

 اعْبُدِ اللَهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ.

 وعلی‌ هذا، فإنَّ العبادة‌ في‌ المرحلة‌ التي‌ يراه‌ الله‌ فيها هي‌ أدني‌ من‌ المرتبة‌ التي‌ يري‌ هوالله‌ فيها.

 عندما يصل‌ السالك‌ إلی‌ هذه‌ المرتبة‌ ينبغي‌ علیه‌ طرد كلّ ما سوي‌ الله‌ عن‌ ذهنه‌ وأن‌ يقوم‌ بنفي‌ الخواطر ضمن‌ أحد الاعمال‌ العباديّة‌، ولا يجوز في‌ الشرع‌ المقدّس‌ أن‌ يتوجّه‌ إلی‌ صخرة‌ أوخشبة‌، فماذا سيكون‌ جوابه‌ إذا أدركه‌ الموت‌ في‌ هذه‌ اللحظات‌ من‌ التوجّه‌ ؟

 أمّا نفي‌ الخواطر عن‌ طريق‌ سلاح‌ الذكر فهوعبادة‌ وممدوح‌ من‌ قبل‌ الشرع‌، وأفضل‌ طرقه‌ التوجّه‌ إلی‌ النفس‌، فهوأسرع‌ الطرق‌ للوصول‌ إلی‌ المقصد، لانَّ التوجّه‌ إلی‌ النفس‌ ممدوح‌ ومقبول‌ من‌ الشرع‌ المقدّس‌، والآية‌ الكريمة‌ :

 يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم‌ مَن‌ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. [19]

 تشير إلی‌ هذا. وطريقة‌ التوجّه‌ إلی‌ النفس‌ هي‌ طريقة‌ المرحوم‌ الملاّ حسين‌ قلي‌، وقد سلك‌ تلامذته‌ جميعاً هذا الطريق‌ المستلزم‌ لمعرفة‌ الربّ.

رسالة‌ لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌  Where stories live. Discover now