كتمان السر

26 5 1
                                    

العشرون‌ : كتمان‌ السرّ

 وهومن‌ الشروط‌ المهمّة‌ جدّاً، وقد اهتمّ به‌ عظماء الطريق‌ كثيراً، وأمعنوا في‌ توصية‌ تلاميذهم‌ به‌، سواء كان‌ في‌ العمل‌ والاوراد والاذكار، أم‌ في‌ الواردات‌ والمكاشفات‌ والحالات‌، بل‌ وفي‌ الموارد التي‌ لا يمكن‌ التزام‌ التقيّة‌ فيها، ويكون‌ السرّ فيها أقرب‌ إلی‌ الذياع‌ والانكشاف‌، صرّحوا بلزوم‌ التورية‌ والكتمان‌ حتّي‌ لوكان‌ كتمان‌ السرّ مستلزماً لترك‌ العمل‌ يجب‌ رفع‌ اليد عنه‌.

 وَاسْتَعِينُوا عَلَي‌ حَوَائِجِكُمْ بِالكِتْمَانِ.

 فبالتقيّة‌ والكتمان‌ تتقلّص‌ المصائب‌ والشدائد معهما، وترك‌ التقيّة‌ يؤدّي‌ إلی‌ ازدياد الفتن‌ والبلايا والمصائب‌، لكن‌ علی‌ الرغم‌ من‌ ذلك‌ ينبغي‌ للسالك‌ ـ حين‌ بروز المصائب‌ ـ مواصلة‌ السير مستعيناً بالصبر والاحتمال‌ :

 وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَـ'وةِ وإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَي‌ الْخَـ'شِعِينَ.[12]

 المراد من‌ الصلاة‌ في‌ هذه‌ الآية‌ هونفس‌ المعني‌ اللغويّ، أي‌ الالتفات‌ إلی‌ الربّ العظيم‌، وهكذا تخفّ الشدائد والمصائب‌ بذكر الله‌ والصبر والاحتمال‌، ويسير السالك‌ نحوالنصر والنجاح‌، ولهذا نجد أنَّ نفس‌ أُولئك‌ الذين‌ ينتحبون‌ لجرح‌ يصيب‌ أيديهم‌ مثلاً، نجدهم‌ في‌ ميدان‌ الجهاد ومقاتلة‌ أعداء الدين‌ لا يخافون‌ من‌ أن‌ تقطع‌ أيديهم‌ وأرجلهم‌ وسائر أعضائهم‌، بل‌ إنـّهم‌ لا يشعرون‌ في‌ أنفسهم‌ بأيّ ضعف‌ أوخوف‌. علی‌ أساس‌ هذه‌ القاعدة‌ الكلّيّة‌ أوصي‌ الائمّة‌ الاطهار علیهم‌ السلام‌ بكتمان‌ الاسرار في‌ وصايا عديدة‌ وعجيبة‌ إلی‌ درجة‌ أنـّهم‌ عدّوا ترك‌ التقيّة‌ من‌ الذنوب‌ الكبيرة‌.

 ذات‌ يوم‌، سأل‌ أبوبصير الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌؛ قال‌ : قُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي‌ عَنِ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ. هَلْ يَرَاهُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَة‌ ؟

 (إذ يعتقد الاشاعرة‌ أنَّ الناس‌ يرون‌ الله‌ تعالي‌ علی‌ نحوالجسميّة‌ في‌ يوم‌ القيامة‌ وفي‌ عالم‌ الآخِرة‌، تعالي‌ الله‌ عمّا يقول‌ الظالمون‌ علوّاً كبيراً).

 قَالَ : نَعَمْ؛ وَقَدْ رَأَوْهُ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ. فَقُلْتُ : مَتَي‌ ؟ قَالَ : حِيْنَ قَالَ لَهُمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَي‌؛ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّ المُؤْمِنِينَ لَيَرَونَهُ فِي‌ الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، أَلَسْتَ تَرَاهُ فِي‌ وَقْتِكَ هَذَا ؟ قَالَ أَبُوبَصِيرٍ : فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْكَ ؟ فَقَالَ : لاَ؛ فَإِنَّكَ إذَا حَدَّثْتَ بِهِ فَأَنْكَرَهُ مُنْكِرٌ جَاهِلٌ بِمَعْنَي‌ مَا تَقُولُهُ ثُمَّ قَدَّرَ أنَّ ذَلِكَ تَشْبيهٌ كَفَرَ، وَلَيْسَتِ الرُّؤْيَةُ بِالقَلْبِ كَالرُّؤْيَةِ بِالعَيْنِ. تَعَالَي‌ اللَهُ عَمَّا يَصِفُهُ المُشَبِّهُونَ وَالمُلْحِدُونَ». [13]

رسالة‌ لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌  Where stories live. Discover now