النية وانواعها

37 4 0
                                    

النيّة‌ وأنواعها

 الثاني‌ عشر : النيّة‌

 وذلك‌ أن‌ لا يكون‌ للسالك‌ قصد من‌ السلوك‌ سوي‌ نفس‌ السلوك‌ والفناء في‌ الذات‌ الاحديّة‌، وعلیه‌، ينبغي‌ أن‌ يكون‌ سير السالك‌ خالصاً للّه‌ تعالي‌ : فَادْعُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. [6] وقد جاء في‌ عدّة‌ أخبار أنَّ للنيّة‌ ثلاث‌ مراتب‌، منها ما قاله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ :

 العُبَّادُ ثَلاَثَةٌ : قَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ خَوْفاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ العَبِيدِ. وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ طَمَعاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاُجَرَاءِ. وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَهَ حُبّاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاَحْرَارِ.

 بالتأمّل‌ والتدقيق‌ يتّضح‌ أنَّ عبادة‌ الطائفتين‌ الاُوليينِ ليست‌ صحيحة‌ حقيقة‌، لانَّ عبادتهم‌ لم‌ تكن‌ للّه‌ وإلی‌ الله‌، وإنَّما تعود إلی‌ عبادة‌ النفس‌، فهم‌ ـ في‌ الواقع‌ ـ كانوا يعبدون‌ ذواتهم‌ دون‌ الله‌ تعالي‌، لانَّ عبادتهم‌ تعود في‌ واقعها إلی‌ تلك‌ العلائق‌ والمشتهيات‌ النفسانيّة‌، ولانَّ عبادة‌ النفس‌ لا تجتمع‌ مع‌ عبادة‌ الله‌، لذا تعدّ هذه‌ الجماعة‌ ـ حسب‌ النظرة‌ الاُولي‌ ـ كافرة‌ بالله‌ ومنكرة‌ له‌، لكن‌ باعتبار أنَّ القرآن‌ الكريم‌ ينصّ علی‌ أنَّ أصل‌ عبادة‌ الله‌ فطريّ في‌ كلّ البشر، وينفي‌ حدوث‌ أيّ تغيّر أوتبدّل‌ في‌ خلقه‌ :

 فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ 'لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.[7]

 لا يرجع‌ انحراف‌ البشر ـ بناء علی‌ ذلك‌ ـ إلی‌ أصل‌ عبادة‌ الله‌، بل‌ يرجع‌ إلی‌ مقام‌ التوحيد، أي‌ عدم‌ الإيمان‌ بوحدانيّة‌ الله‌ في‌ الفعل‌ والصفة‌ وجعل‌ شركاء له‌، ولهذا نجد أنَّ القرآن‌ في‌ كلّ مجال‌ يصرّح‌ بثبوت‌ توحيد الله‌ ونفي‌ الشرك‌ عنه‌، وعلی‌ هذا الاساس‌ فإنَّ أهل‌ الطائفتينِ الاُوليينِ يشركون‌ بالله‌ بالقصد. ويمزجون‌ في‌ مقام‌ العمل‌ بين‌ عبادة‌ الله‌ وعبادة‌ الذات‌، ويؤدّون‌ الافعال‌ والاعمال‌ العباديّة‌ بكلا الداعيينِ. وهذا هوالشرك‌. وفي‌ الحقيقة‌ هم‌ مشركون‌ بالله‌ وبنصّ القرآن‌ لن‌ يغفر لهم‌.

 إِنَّ اللَهَ لاَ يَغْفِرُ أَن‌ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ 'لِكَ لِمَن‌ يَشَآءُ. [8]

 وهكذا فإنَّ عبادتهم‌ لن‌ تكون‌ مثمرة‌ أبداً، ولن‌ تقرّبهم‌ إلی‌ الله‌ المتعال‌.

 أمّا الطائفة‌ الثالثة‌ التي‌ تعبد الله‌ علی‌ أساس‌ المحبّة‌، وهي‌ عبادة‌ الاحرار، وفي‌ بعض‌ الروايات‌ : تِلْكَ عِبَادَةُ الكِرَامِ، فها هي‌ العبادة‌ الصحيحة‌ الواقعيّة‌ التي‌ لن‌ يصل‌ إلیها إلاّ المطهّرون‌ في‌ الساحة‌ الإلهيّة‌. فَهَذَا مَقَامٌ مَكْنُونٌ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ.

رسالة‌ لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌  Where stories live. Discover now