نفي‌ الخواطر بالطريقة‌ المذكورة‌ في‌ رسالة‌ بحر العلوم‌ رحمه‌ الله‌

23 0 0
                                    

نفي‌ الخواطر بالطريقة‌ المذكورة‌ في‌ رسالة‌ بحر العلوم‌ رحمه‌ الله‌

 ولكن‌ جاء في‌ الرسالة‌ المنسوبة‌ إلی‌ المرحوم‌ بحر العلوم‌ عدم‌ جواز هذه‌ الطريقة‌، وهويؤكّد فيها علی‌ ضرورة‌ نفي‌ الخواطر دون‌ استخدام‌ الذكر، ومن‌ ثمّ يدخل‌ السالك‌ مرحلة‌ الذكر، لانَّ نفي‌ الخواطر بسيف‌ الذكر خطر جدّاً، ونحن‌ هنا نذكر إجمالاً ما ورد في‌ الرسالة‌، ثمّ نتعرّض‌ له‌ بالردّ. قال‌ رحمة‌ الله‌ علیه‌ :

 «كثير من‌ المتشيّخين‌ ينصحون‌ بطيّ مرحلة‌ نفي‌ الخواطر بالذكر (بديهيّ أنَّ المراد من‌ الذكر الالتفات‌ والتوجّه‌ القلبيّ لا الذكر اللسانيّ الذي‌ يصطلح‌ علیه‌ بالورد)، وهذا خطر جدّاً، لانَّ حقيقة‌ الذكر عبارة‌ عن‌ ملاحظة‌ المحبوب‌ وقصر النظر علی‌ جماله‌ من‌ بعيد، والنظر إلی‌ المحبوب‌ جائز عند غضّ البصر عن‌ غيره‌ بالمرّة‌، لانَّ المحبوب‌ غيور ومن‌ غيرته‌ أنَّ العين‌ التي‌ تنظر إلیه‌ لا ينبغي‌ أن‌ تنظر إلی‌ غيره‌، و أنّه‌ يُعمي‌ العين‌ التي‌ ترتفع‌ عنه‌ لتنظر إلی‌ الغير، ورؤية‌ غيره‌ تتنافي‌ مع‌ غيرته‌، وتكرار هذا الامر بمنزلة‌ الاستهزاء، والمحبوب‌ يردّ علی‌ هذا الاستهزاء بحيث‌ لا يبقي‌ للناظر نظر :

 وَمَن‌ يَعْشُ عَن‌ ذِكْرِ الرَّحْمَـ'نِ نُقَيِّضْ لَهُ و شَيْطَـ'نًا فَهُوَ لَهُ وقَرِينٌ. [18]

 نعم‌، هناك‌ نوع‌ من‌ الذكر جائز في‌ نفي‌ الخواطر، وهوأن‌ لا يكون‌ المراد من‌ الذكر النظر إلی‌ المحبوب‌، بل‌ ردع‌ الشيطان‌، مثل‌ الذي‌ يريد أن‌ يخرج‌ الآخرين‌ من‌ المجلس‌ فيدعومحبوبه‌، فالغرض‌ هنا التخويف‌ وتهديد الغير، وبهذه‌ الطريقة‌ إذا هجم‌ علیه‌ خاطر في‌ حال‌ الاشتغال‌ بنفي‌ الخواطر بحيث‌ يصعب‌ دفعه‌، يشتغل‌ بالذكر من‌ أجل‌ رفعه‌.

 أمّا طريقة‌ محقّقي‌ الطريق‌ والعرفاء الواصلين‌، فهي‌ أنـّهم‌ يأمرون‌ المبتدئين‌ ـ أوّل‌ الامر حين‌ تعلیمهم‌ وإرشادهم‌ ـ بنفي‌ الخواطر ومن‌ ثمّ الاشتغال‌ بالذكر، ولهذا يأمرون‌ السالك‌ أوّلاً بالتوجّه‌ إلی‌ شي‌ء من‌ المحسوسات‌ كالحجر أوالخشب‌ وتركيز النظر إلیه‌ مدّة‌ لا يزيل‌ نظره‌ عنه‌ قدر الإمكان‌، ويتّجه‌ إلیه‌ بجميع‌ قواه‌ الظاهريّة‌ والباطنيّة‌، والافضل‌ أن‌ يداوم‌ علی‌ ذلك‌ أربعين‌ يوماً، وأثناء هذه‌ المدّة‌ يستفيد من‌ الاذكار الثلاثة‌ : «الاستعاذة‌» و«الاستغفار» وذكر «يا فَعَّال‌»، ويشتغل‌ بها بعد فريضتي‌ الصبح‌ والعشاء. بعد هذه‌ المدّة‌ يتوجّه‌ إلی‌ قلبه‌ الصنوبريّ، ويديم‌ التوجّه‌ إلیه‌ مدّة‌ أُخري‌ توجّهاً تامّاً، ولا يسمح‌ لخيال‌ آخر ـ غير هذا الخيال‌ـ أن‌ يجد طريقاً إلیه‌، وخلال‌ هذا العمل‌ لوهجم‌ علیه‌ خاطر أوعَرَض‌ له‌ تشويش‌ فإنَّه‌ يستمدّ العون‌ من‌ كلمة‌ «لاَ مَوجُودَ إلاَّ اللَهُ» وكلمة‌الله‌.

 فيداوم‌ علی‌ هذا العمل‌ مدّة‌ حتّي‌ يحصل‌ له‌ الذهول‌ عن‌ النفس‌. ويكون‌ الذكر خلال‌ هذه‌ المدّة‌ «الاستغفار» وذكر «يا فعَّال‌» وتكرر اسم‌ «يا باسِط‌»، وعندما يصل‌ السالك‌ إلی‌ هذه‌ المرحلة‌ يُؤذَن‌ له‌ أن‌ يتمّ بقيّة‌ المرحلة‌ بواسطة‌ الذكر النفسيّ والخياليّ، حتّي‌ يندفع‌ الخاطر مطلقاً، لانَّ بقيّة‌ الخواطر سوف‌ تندفع‌ بذاتها بالدخول‌ في‌ مراتب‌ الذكر والفكر إن‌ شاءالله‌» ـ انتهي‌ ملخّصه‌.

 وليُعلم‌ أنَّ طريقة‌ نفي‌ الخواطر هذه‌ مأخوذة‌ من‌ الطريقة‌ النقشبنديّة‌، والنقشبنديّة‌ جماعة‌ من‌ الصوفيّة‌ تقطن‌ في‌ بقاع‌ مختلفة‌ من‌ تركيا وبعض‌ المناطق‌ الاُخري‌، وكان‌ مرشدهم‌ الخواجة‌ محمّد النقشبند، فلذا عرفوا بالنقشبنديّة‌.

رسالة‌ لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن