مذكرات مديرة...

515 65 19
                                    

في بدايات عملي الإداري كنت كثيرة التأمل..قليلة الكلام... أنصت كثيرا.... ليس من باب الحكمة..ولكن لأتعلم... فالخبرة الحقيقية لا تأتي من الكتب وإنما من الحياة... 
وأنا أتجول في أحد الأقسام إستوقفتني معلمة الصف الأول، وقد بدا على ملامحها الضيق والغضب والحيرة...

أنا :صباح الخير ...

هي : (بحدة تحاول اخفاءها) مس نادية عندي طالب تصرفاته مش طبيعية وبدت تستفزني، وأنا تعبت معاه...

أنا: في الصف الأول الإبتدائي؟؟شو مشكلته؟

هي: بمسك بوجوه الطلاب كل ما يحكي معهم،ولما بحكي معي بيقرب من وجهي كتير.. دايما بحكيله يترك مسافة بينه وبين أي حد بتعامل معاه وفش فايدة!!

وبعد نقاش طويل وتفاصيل كثيرة استطاعت المعلمة أن تدخلني الى دائرة إستفزازها... إستدعيت الطالب وتحدثت معه لأكثر من عشر دقائق... لم يعرني إهتمامه في البداية، ولكن بعد أن عرضت عليه الحلوى إقترب على استحياء...
وضع يده على وجهي وابتسم... ثم غادر...

كان لا بد من إستدعاء والديه.. فطريقته في التواصل مع من هم في عمره وحتى مع معلمته كانت مزعجة وغير اعتيادية...

في اليوم التالي.. كنت متأهبة لاستقبال والديه... لا بد أن الطفل يتعرض للعنف أو ما شابه... مممم حتى لو أنكروا لن أصدقهم بسهولة...إلخ إلخ من الأفكار والإستنتاجات المسبقة!!

وصل والد الطفل (الذي بدا عليه القلق من استدعائه) ووالدته وهي تمسك بيد زوجها بهدوء وثبات الى غرفة الإستقبال... وفي نفس اللحظة دخل الطفل مسرعا إلى حضن أبيه الذي أخذ يتحسس وجهه وشعره (بنفس طريقة الطفل مع زملائه ومعلمته)

ويقول: يابا ليش المدرسة طلبوني؟؟..إنت شو عامل؟ رد عليه ببراءة: مابعرف..والله إني شاطر...( وخبّأ وجهه بين يدي والده لعله يشعر بالأمان)

هنا فقط إكتملت الصورة...وأدركت كم من الحقائق لا نراها... دخل الوالدان وأنا أحاول أن ألملم أفكاري المشتتة واستجمع ما تبقى من قواي...

فبادرني بالتحية والسؤال: مس شو ماله (نور) إن شاء الله مش مغلبكم؟؟ أنا صح ضرير لكن بشوفه بقلبي وعقلي كل دقيقة وبتابعه بكل حركاته...

أدركت حينها أن الطفل يتعلم من والده كيف يتواصل مع من حوله...وأدركت أنه قد تعلم الحب من يدي والده وملمس وجهه...

بقلب أثقله الدمع.. ولسان تلعثم قبل أن ينطق، أجبته : (نور) شاطر ومميز وحبينا نكافئه أمامكم لإنكم جزء من تميزه... الله يجعله نور للبصر والبصيرة...

وأخذت أردد في نفسي:

"لا تحكم على ظاهر ما تراه... فخلف كل جدار قصة لا تعرفها... ووراء كل وجه وجوه ملامحها مختلفة"

*********

 نسألكَ بنُورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ له الظُلمات أنْ تُضيءَ طريقنا

 نسألكَ بنُورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ له الظُلمات أنْ تُضيءَ طريقنا

Hoppla! Dieses Bild entspricht nicht unseren inhaltlichen Richtlinien. Um mit dem Veröffentlichen fortfahren zu können, entferne es bitte oder lade ein anderes Bild hoch.
قصص اسلامية مفيدةWo Geschichten leben. Entdecke jetzt