النية وانواعها

Start from the beginning
                                    

 فالمحبّة‌ عبارة‌ عن‌ الانجذاب‌، أي‌ الانجذاب‌ نحو شي‌ء وحقيقة‌، والطائفة‌ الثالثة‌ هم‌ الذين‌ بنوا عبادتهم‌ علی‌ أساس‌ المحبّة‌ والانجذاب‌ إلی‌ الله‌، وليس‌ لهم‌ أيّ هدف‌ أومقصد سوي‌ الميل‌ نحوه‌ تعالي‌ والتقرّب‌ إلیه‌، وهذا الانجذاب‌ الذي‌ يشعرون‌ به‌ تجاه‌ المحبوب‌ هوالداعي‌ والمحرّك‌ لهم‌ نحوه‌، والموجب‌ لسيرهم‌ باتّجاه‌ ذلك‌ الحريم‌ المقدّس‌.

 قد جاء في‌ بعض‌ الروايات‌ أن‌ اعبدوا الحقّ تعالي‌ من‌ حيث‌ إنَّه‌ أهل‌ للعبادة‌. ومعلوم‌ أنَّ هذه‌ الاهليّة‌ لا تعود إلی‌ الصفات‌ الإلهيّة‌، بل‌ إلی‌ مقام‌ ذاته‌ المقدّسة‌ جَلَّ جَلالُه‌ وعَظُمَ شَأْنُه‌، فيكون‌ مفاد ذلك‌ أن‌ اعبدوا الله‌ لانـّه‌ الله‌ :

 إلَهِي‌ مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلاَ طَمَعاً فِي‌ جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ.

 أَنْتَ دَلَلْتَنِي‌ عَلَيْكَ، وَدَعَوْتَنِي‌ إلَيْكَ، وَلَوْلاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ.

 ويخطو سالك‌ طريق‌ الله‌ في‌ بداية‌ سلوكه‌ بقدم‌ المحبّة‌، ولكن‌ بعد أن‌ يطوي‌ المنازل‌، ويحصل‌ إجمالاً علی‌ بعض‌ الكمالات‌، سوف‌ يدرك‌ أنَّ المحبّة‌ أمر مغاير للمحبوب‌، فيسعي‌ لترك‌ المحبّة‌ التي‌ كانت‌ حتّي‌ هذا الحين‌ وسيلة‌ لسلوكه‌ ومعراجاً لرقيّه‌، ويدرك‌ أنَّ هذه‌ الوسيلة‌ التي‌ كانت‌ مؤثّرة‌ أصبحت‌ الآن‌ مضرّة‌ ومانعة‌ للطريق‌. ومن‌ هنا يضع‌ السالك‌ فقط‌ وفقط‌ محبوبه‌ نصب‌ عينيه‌ ويعبده‌ بعنوان‌ المحبوبيّة‌ لا غير، ولكن‌ عندما يتقدّم‌ أكثر ويطوي‌ منازل‌ عدّة‌، يدرك‌ أنَّ هذا النوع‌ من‌ العبادة‌ لم‌ يكن‌ خالياً من‌ شائبة‌ شرك‌، لانـّه‌ قد عدّ نفسه‌ في‌ هذه‌ العبادة‌ عاشقاً ومحبّاً، واعتبر الله‌ معشوقاً ومحبوباً، فيري‌ لذاته‌ كمحبّ وجوداً في‌ قبال‌ ذات‌ المحبوب‌، لذا فإنَّ النظر إلی‌ المحبوب‌ بعنوان‌ المحبّ مغاير ومناف‌ لعبادة‌ الذات‌ المقدّسة‌ للّه‌ تعالي‌، ومن‌ هنا يسعي‌ لينسي‌ عنواني‌ الحبّ والعشق‌ حتّي‌ يتجاوز المغايرة‌ والكثرة‌، ويضع‌ قدمه‌ في‌ عالم‌ الوحدة‌، وعندها تختفي‌ النيّة‌ من‌ السالك‌ وتمحي‌، لانـّه‌ لن‌ يكون‌ بعد ذلك‌ شخصيّة‌ وذاتيّة‌ للسالك‌ تصدر عنها النيّة‌.

 إلی‌ ما قبل‌ هذه‌ المرحلة‌ كان‌ السالك‌ طالباً للمكاشفة‌ والشهود، ولكنّه‌ في‌ هذا المقام‌ يدع‌ تلك‌ الاغراض‌ كلّها عرضة‌ للنسيان‌، فلن‌ يكون‌ بعد ذلك‌ إرادة‌ ليكون‌ اعتبار للمراد والمقصود. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ يُغمض‌ السالك‌ عينيه‌ عن‌ الرؤية‌ واللارؤية‌، والوصول‌ واللاوصول‌، والمعرفة‌ واللامعرفة‌، والردّ والقبول‌.

رسالة‌ لُبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌  Where stories live. Discover now