الـــــفــــصـــــل الــــواحـــــد والـــثــــلاثـــــون

13K 295 1
                                    

تأملتهم سلمي بأعينها الحزينه المنكسره ولكن لأول مره تتجاذب عيناها المنكسره معهم ، فنفس الانكسار الذي بداخلهما كان نفسه الانكسار الذي أقتحم أعينهم ولكن كان الذل يحاوطه، فتطلعت الي منصور الجالس بأنكساربجانب هذا الشاب الذي يتكئ بأسترخاء ويضع ساقاً علي ساق وكأنه في بيته وليس ضيفاً ، لتقع عيناها علي ثريا الجالسه منكسة الرأس بفمها الملتوي بسبب تلك الجلطه التي لا تعلم سببها ففي يوم وليله قد تبدل حال هذا البيت واصبح الهدوء المخيم بالحزن يحاوطه ... لتقف سلمي امامهم وهي ممسكه بأكواب الشاي الموضوعه علي هذه الصنيه حتي قالت بصوت ضعيف : الشاي يا خالتي ثريا 

فنظرت اليها ثريا للحظات .. ثم اشاحت بوجهها بعيدا ، ليتطلع اليها منصور بشده بعد ان لمح نظرات ذلك الشاب الذي اقتحم حياتهم بسبب غباء ابنته التي اراد ان يقتلها بعارها ولكن لم تقوي يديه علي حمل المُسدس مره اخري للتخلص من ذلك العار ..ففرت سلمي من نظرات منصور كالطفله الخائفه حتي سمعت منصور يقول : بعد ماهتولد هطلقها سامع
لتضع سلمي بأيديها علي فمها كي تكتم تلك الصدمه بعدما علمت سبب وجود ذلك الشاب .. فتحركت ناحية درجات السُلم لتري منال واقفه بأعين دامعه وجسدها يرتعش .. فتقدمت نحوها حتي ضمتها قائله : خلاص يامنال انا سمعتهم بيتفقوا علي الجواز متقلقيش
فتقترب منها منال بأعين راجيه : سامحيني ياسلمي ..
لتضمها سلمي بقوه وكأنها تشعر ببؤسها .. حتي لمحت شوق تحمل طفلتها ، فنظرت لها بأعين محرومه .. واقتربت منها بتوسل : اديني اشيلها ياشوق
فنظرت اليها شوق بأحتقار : ديه اوامر ستي ثريا .. ثم لومت فمها بلعكتها وقالت : وبصراحه الست عندها حق ، ازاي تأمنك انك تربي البنت وانتي خاينه ومعدومة ...
وقبل ان تكمل حديثها كان منصور يقف في منتصف المنزل وبصوت عالي : اخرصي .. واديها البنت .. والبيت ده مشوفش وشك فيه أستغنينا عن خدمتك
فأقتربت شوق من ثريا كي تتدافع عنها حتي قال منصور بصوت جهوري : وياريت تاخدي ستك معاكي كمان وانتي خارجه من البيت ده
لتنظر اليه ثريا بتعب حتي تكلمت بهمهمات متقطعه : هترميني يامنصوربعد ما بقيت مريضه ... وبقي عندي القلب والسكر ..
فضحك منصور بسخريه قائلاً : يبقي هتفضلي في البيت ده ولا كأنك موجوده .. ويوم ماهسمعلك صوت هتبقي رجلك بره
ثم نظر الي سلمي بقوه : خدي سهر واطلعي علي اوضتك
وألتف الي ذلك المتعجرف .. ليري نظرات الشماته في اعينه.. ثم نظر الي ابنته المنكسره .. ليقول بصوت قوي : بكره هتتجوزي .. بس من دلوقتي انتي ولا بنتي ولا اعرفك
وتركهم وذهب .. بعد ان نفذت قوته في تحمل ذلك الذل
.................................................. ...............
وقفت ريم تتأمل كل ما يدور حولها بأعينها الصغيره ، وهي لا تعلم لماذا كل هذا البكاء .. فنظرت الي نور التي تكبرها بعدة اعوام .. فرأت دموعها تهطل بغزاره في أحضان والدتها التي تتأمل زوجها الذي يحتضر .. فترقرقت الدموع في عينيها من تلك المشاهد التي لا تُنسي .. حتي خبئت اعينها بذراعيها وكأنها تُريد ان تقف هذا الشريط الذي يمر أمامها .. وتحركت ببطئ كي تقف امام والدها ليقول بأبتسامه أصبحت تلازمه
صالح : كان نفسي ياريم افوق قبل ما الاوان ما يفوت .. واعوضك عن كل حاجه .. كل ما اشوف عيونك واتأملك بقول ازاي انا كنت غبي وانا مش حاسس بالنعمه اللي معايا انتي واخواتك... افتكريني بأي حاجه حلوه مش وحشه .. ثم بدء يرتعش .. انا عايز اشوف سلمي وهنا هما ليه لسا مجوش عشان اشوفهم
فأقتربت منه ريم وهي تتحسس وجهه وشاربه بأيديها الصغيره ، ثم ركضت من امامه قائله : انا هروح اجيبلك سلمي من عند منصور ، وهروح لعمو ابراهيم واخليه يجيب هنا من عند فارس .. وهرجعلك علطول خليك صاحي اوعي تنام
فأبتسم صالح بمراره وهو يشاهد صغيرته البريئه ، حتي أمتد ببصره الي خارج الغرفه ورئي زينب قادمه اليه وهي تمسح دموعها في أكمام عبائتها كي لا تشعره بشئ
.................................................. ...............
لم يبقي علي عمليتها سوا خمسة ايام .. خمسة ايام وسيحدث ما اراده الله .. ولكن كلما نظرت نيره الي صورة طفلها الذي يشبه اخاها كما يحمل اسمه .. دمعت عيناها وهي تُقبل صورته وتحادثه قائله : وحشتيني اووي يافارس ، تفتكر هرجع تاني ليك واخدك في حضني .. وهسمعك وانت بتقول ياماما .. فترقرقت الدموع ثانية بعد ان مسحتها حتي تقطرت علي اناملها التي تمسك الصوره قائله : بابا بيقولي انك ابتديت تحبي .. وبقيت تقول بابا ..
ليدخل يوسف في تلك اللحظه وبيده بوكيه من الورد بألوانه المبهجه التي تعشقها هي قائلاً : الورد لاحلي ورده في الكون
ثم أقترب من جبينها فقبلها وهو يقول : احنا مش قولنا بدل ما نبكي ، نمسك المصحف ونقرء فيه ..
فأدمعت عين نيره وهي تنظر للمصحف الذي بجانبها : عندك حق ، بس وحشني فارس اووي قولت اتفرج علي صوره هو مينفعش تجيبه ليا يايوسف
فأبتسم يوسف وهو ينهض من جانبها حتي اشار بأصبعه علي الزجاج الذي يحيط غرفتها ، متأملاً ضحكت ابنه والمربيه الخاصه به تحمله وتشير بأصبعها الي والديه .. فيبتسم الصغير بقوة وكأنه قد شعر بأنفاس والدته التي خرجت من ذلك الزجاج اليه من كثرة شوقها ، فأدمعت عين يوسف عندما رئها تهرول اليه وتقف امام هذا الزجاج بأعينها الباكيه وتقبل يد الصغير التي وضعتها المربيه علي زجاج الغرفه حتي قالت نيره بأشتياق : وحشتيني اووي اووي ياحبيبي ، ماما بتحبك اووي ونفسها تخف عشان ترجعلك ..خليك طفل شاطر واسمع كلام بابا .. وقبل ان تكمل حديثها وتأتي بسيرة الموت
اقترب منها يوسف وحاوطها بذراعيه قائلاً : خلي عندك امل في ربنا كبير .. واوعي ثقتك فيه في يوم تقل
فأبتسمت نيره وهي تدفن وجهها في احضانه ، متأمله ابنها بأعين دامعه قائله برجاء: يــــــاربـــــ
.................................................. ................
ظلت تركض حتي سقطت علي ركبتيها الصغيره امام هنا التي هبطت هي وفارس من سيارتهما في ذلك الوقت حتي قالت بطفوله : بابا عايز يشوفك انتي وسلمي يا ابله هنا ، انا روحت لسلمي ومنصور قال هيجبها بسرعه ..
فهبطت هنا بتعب الي مستواها حتي رفعتها اليها واحتضنتها ببكاء قائله : انا جيت اه ياريم وهاجي معاكي ومش هسيبك ، ثم أنفضت التراب الذي يحاوط ملابسها .. فنظرت ريم الي بطنها الصغيره التي ظهرت فقالت بأبتسامه : انتي هتجيبي نونو يا ابله هنا زي سلمي ..
ثم تأملت فارس الذي يقف يتأمل ذلك المشهد حتي قالت : هيبقي حلو زي عمو فارس صح ، وخدي عين عمو فارس وادهاله عشان انا بحبها
فأبتسمت هنا من بين دموعها .. حتي أقترب منهما فارس ضاحكاً وهو يعبث بشعر تلك الطفله البريئه وانحني اليها كي يقبلها علي وجنتيها بحنان قائلا : لاء احنا عايزين النونو يبقي شبه ريم ..
فأبتسمت ريم وقد نست خوفها : هيبقي شبه ريم في كل حاجه .. بس كده هيبقي في اتنين ريم
فضحك فارس علي تعبير تلك الطفله وضمها اليه بقوه وبصوت حاني : ياريت يبقي شبهك في كل حاجه ياريم
.................................................. .............
نظرت سميه للطفله طويلاً وهي تحملها بين ذراعيها بعدما أستقلت بجواره السياره مغادرين المطار الذي ذهبوا منه وهم اثنان وعادوا وهم ثلاث .. فتأمل هشام شرودها قائلاً : متقلقيش انا هجبلها مُربيه تاخد بالها منها
فأبتسمت سميه بوهن : ومين قال انها سبب حزني ، ثم نظرت اليه بقوه حتي قالت : علاقتي بيها هتبقي غير علاقتي بيك .. هي هتبقي بنتي .. ام انت فعلاقتي بيك كزوج خلاص انتهت ولو هعيش معاك هعيش عشانها ثم تذكرت امر والديها : وعشانهم هما كمان
فنظر اليها هشام بخجل ، حتي قال وهو يلاعب اصابع تلك الشقراء الصغيره كما يبدو : اتعلقت بيكي اوووي
فأبتسمت سميه بحنان : يمكن تكون حاسه معايا بالامان ..لتبكي الطفله بين ذراعيها فأنحنت سميه بفمها لتقبلها قائله بطفوله : بتعيطي ليه دلوقتي ياحبيبت ماما ، خلاص قربنا نوصل بيتنا وهعملك كل اللي انتي عايزاه .. عايزاكي تبقي بنوته شاطره
فأبتسم هشام وهو يتأملها حتي قال بصوت هادئ قد سمعته هي : الحمدلله ان ربنا رزقني بالزوجه الطيبه
ثم تذكر شئ فقال : هنقول ازاي لوالدك ووالدتك حكاية ورد
.................................................. ................
نظر اليهم صالح طويلاً .. حتي تأملتهم عيناه وكأنها تودعهم
فوقفت عيناه علي تلك الزوجه التي تنظر اليه بألم فتذكر لحظة زواجهم لم يكون زواجه بها عن حب ولكن كان طمع في ميراثها .. حتي جاء اخاها واعلنها صراحة بأن اخته ليس لها شئ وان ما يبعثه لها هو اكراماً منه .. ثم نظر الي ابنته سلمي الواقفه ببطنها الممتلئه وتحمل طفله صغيره علي ايديها فأدمعت عيناه وهو يري كم جعل ابنته التي تجاوزت عامها السادس عشر منذ شهراً واحداً .. تحمل في ايديها طفله وفي احشائها طفلاً اخر من رجل يصغره بخمسة اعوام وكل هذا بسبب طمعه وحبه للمال .. حتي جاء بصره الي ابنة اخاه ولكن ما اراح قلبه ان الله قد عوضها بعيشة يتمنها الكثير ولكن مازال قلبه ينبض اسي وهو يراها واقفه تبكي عليه وعندما أتت وطلب منها السماح بكت وهي تدعوا له وان قلبها لم يحمل له كرهاً في يوم فمهما كان هو عمها الذي يعتبر اباها ... ثم وقع ببصره علي ابنته نور فأبتسم وهو يتذكر كم كانت تقول له دائما انها تكرهه ولا تتمناه اباً ولكن في الحقيقه اكتشف ان هذا الكرهه لم يكن سوا صياح بالحب ... فيقف ببصره علي تلك الصغيره التي سيتركها في عمرها السابع فيبتسم وهو يتذكر صوتها وهي تقرء علي رأسه بعض ايات القراءن التي قد أحفظتها ايها معلمتها ... فتهدأ الانفاس ويُثقل اللسان حتي يرفع هوعيناه لأعلي وكأنه يطلب من الله رحمته ويحاول ان يُلقي الشهاده ولكن قد رُبط اللسان وانتهت الدنيا وقد فات الاوان
.................................................. ...............
ارتمت في احضانه ، حتي ضمها اليه هو بحنان
مازن : كل ده عشان خاطر عم محمد ، ياريتك كنت جيت من زمان ياعم محمد
فأبتسمت ريهام وهي تهندم له رابطة عنقه وبصوت محب : انا بحبك اوووي يامازن ، انت طيب فعلا
فأبتسم اليها مازن أبتسامته الساحره حتي داعب انفها متأملاً بريق عيناها : انتي اللي غيرتيني يابنت فريد ، مكنتش بصدق اللي يقول الستات ليهم سحر خاص .. بس معاكي عرفت فعلا السحر
ثم اقترب منها أكثر كي يقبلها علي شفتيها .. لتنتهي قبلته قائلاً بأبتسامه: انتي فرحة مكنتش متخيل انها هتجيلي
فتشرد ريهام في ذلك الموقف الذي أحدث كل هذه المشاعر ، متأمله زوجها الحنون رغم معرفة البعض بصرامته.. حتي أبتسمت وهي تتذكر ماحدث منذ ساعه واحده
فلاش باك !!
ذهبت الي شركته التي لأول مره تردف اليها .. وظلت تتأمل هذا الصرح الضخم العملاق وهي تري اسم عائله زوجها يلمع (مجموعة الدمنهوري ) فوقفت بعد ان فتحت باب السياره المخصصه لها قبل ان يهبط السائق ويفتحها ، فأبتسمت للسائق وهي تخبره بأن الامر ليس ضروري لكل هذا الركض
فسارت بخطوات بطيئه وهي تصعد درجات سُلم الشركه حتي وقفت امام تلك البوابه الواقف بوجهتها حارسين فسمعت بكاء ذلك الرجل العجوز وهو يقول : طب خلوني ادخل للباشا .. ده انا عم محمد الساعي والباشا بيعزني ومش بيحب القهوه من ايد حد غيري
فنظر اليه الحارس قائلا بسخريه : بقالك اسبوع بتيجي ونقولك انك اتفصلت من الشركه .. انت مزهقتش
فتأملهم الراجل بحزن حتي قال : كده يامحمود يابني .. تشخط في عمك محمد ده العشره مش بتهون غير علي ولاد الحرام يابني
فتطلع اليه محمود بأقتضاب حتي اقترب منه : خد العشرة جنيه ديه وروح بيتك ياعم محمد .. انت كبرت خلاص والشركه استغنت عنك
فأقتربت ريهام منهم وهي تنظر الي ذلك الحارس حتي ابعدت يديه بتلك الورقه : يعني بدل ما تعامله كشحات وتهين فيه ساعده انه يدخل للباشا بتاعك ويرجع الشغل
فنظر اليها محمود .. حتي تكلم العجوز : قوليله يابنتي ، انا بس عايز ادخل للباشا هو بيعزني انا غبت بس شهر عشان كنت عيان رجعت لقيت نفسي مطرود .. وبقالي اسبوع بحاول اقابل البيه بتاعنا بس مبلحقش .. وقال كلمته هذه وهو يتأمل هؤلاء الحرس
فأبتسمت ريهام اليه وهي تتجاذب معه الحديث ببساطه ، مفسحة له الطريق كي يدخل معها .. حتي أقترب منها الحارس : حضرتك ممكن تدخلي اما هو لاء
فتسير وهي بجانبها العجوز دون ان تلتف الي صوته حتي يقول : يامدام ممنوع
لتعود هي اليه ثانية وبصوت يملئه السخريه : وممنوع ديه برضوه بتكون لصحاب الشركه ، نسيت اعرفك ان انا مدام صاحب الشركه هاا ادخل ولا هتمنعني
ليمتقع وجه الحارس .. حتي تقول هي بصوت جامد : هترحم هتلاقي اللي هيرحمك .. ياريت نفهمها
فتعود ريهام من شروده .. علي لمسات مازن الحنونه الي بطنها قائلا : امتا الشهور اللي فضله تعدي بسرعه
ثم تذكر والديه قائلا بحنين : تفتكري هلحق اربيه ولا هموت زيهم
لتقترب منه ريهام اكثر حتي تنظر الي وجهه فترفع قدميها لأعلي وهي تضحك بسبب فرق الطول بينهم ، ليضمها مازن اليه قائلا بحنان : طب قوليلي وانا انزلك شويه
فيطرق باب مكتبه ويدخل ذلك الساعي العجوز وهو يحمل اكواب العصير ناظراً الي ريهام : ربنا يباركلك في حياتك يابنتي ، وتعيشي ديما في سعاده !!
.................................................. ............
وقف فارس يضمها اليه بحنان قبل أن يودعها ويتركها بمفردها مع بنات عمها ، فرفعت بوجهها كي تتأمل ملامحه الحزينه وهي مشفقة عليه وبصوت هادئ : متقلقش يافارس، نيره هتعمل العمليه وهتبقي بخير ..خلي عندك امل في ربنا كبير
فأحتضنها فارس بأعين لامعه ، تترقرق فيها الدموع وبصوت حاني وهو يلمس وجهها بكفيه : ادعيلها ياهنا ، وخلي بالك من نفسك .. ثم نظر الي بطنها الممتلئه قليلاً فلمسها بأطراف اصابعه قائلاً بحب : هتصل بيكي كل يوم عشان أطمن عليكي
فأبتسمت هنا بوهن قائله : انا هفضل في بيت عمي الله يرحمه ، عشان طنط زينب ونور مش موافقين انهم يجيوا يقعدوا هنا في بيت المزرعه
ثم لاحت ابتسامه تدريجيه علي شفتيها وهي تتذكر ريم التي تعشق هذا المكان ، فتسمع صوت ابراهيم العالي وهو ينده عليها
ناظره الي فارس ، فيخرجوا سوياً كي يروا ما بها حتي وقفوا وهم لا يعرفون هل يخرجون من حزنهم بتلك الضحكه التي بعثتها الي قلوبهم هذه الطفله ام يلزموا الصمت .. ولكن قد خانهم المشهد وهم يرونها جالسه علي جزع تلك الشجره الضخمه التي تثمر النبق ، وتضم احد القطط اليها وتطعمها
فوقفت هنا اسفل الشجره وهي تتأمل حزنها الطفولي، ونظرت الي فارس الذي رفع اليها ذراعيه وهو يقول : مش هتسلمي علي عمو فارس قبل مايسافر ياريم .. ولا هتسبيني زعلان
فترقرت الدموع في عين ريم حتي قالت ببكاء : هو بابا مش هيرجع تاني ليه ياعمو فارس ، هو اللي بيروح عند ربنا مش بيرجع تاني صح
ففرت دمعه من عين فارس قد خانته ، فجذبها من فوق ذلك الجزع الضخم وظل يربط علي كتفيها بحنان حتي قال بصوت حاني : مش عايزه تركبي علي بندق .. ثم نظر الي ابراهيم بوجه باسم : بندق خلاص من دلوقتي بقي بتاع ريم وبس
فنظرت اليه ريم طويلا وكأنها تفكر في حجم هديته ، حتي انحنت وطبعت قبله علي أخد خديه قائله : طب نزلني بقي عشان اروح اقول لبندق انك بقيت بتاعي مش بتاع عمو فارس
فتطلعت هنا الي حديثهم حتي ابتسمت عندما رئت فرحت ابنة عمها الصغيره ... فأقتربت من فارس بعد ان انهي حواره مع ريم التي ركضت مُمسكه بيد ابراهيم .. ذاهبين الي ذلك الذي يسمي بندق كما سميته هي ... لتقول بعشق بعد ان امسكت بأحد كفيه ووضعتها علي بطنها : قول لبابا انه هيوحشنا اووي ...
فأبتسم فارس أبتسامة صغيره قائلا : قصدك قولي لبابا ، هتوحشيني يافرح
لترتسم علي شفتيها أبتسامة بسيطه ... علي اسم ابنتها التي طلبت منهما عمته بأن يسميها بهذا الاسم اذا كانت بنت كما تتمني
فيسير فارس ناحية سيارته بعدما تأمل ساعته ، واضعاً بقبله حانية علي جبينها وهو يودعها قبل ان يذهب الي اخته بعد ان سبقته عمته منذ يومان عندما علمت بمرضها الخبيث
.................................................. .................
وقف محمود يتأمل البيت الكبير الذي اعده لها ، ثم تأمل الحديقه الواسعه التي صممها من اجلها حتي امتد بأعينه الي تلك البحيره الموجوده علي امتار من منزلهم والتي قد احتل الجليد جزءً كبيراً منها .. فأبتسم وهو يستعد لقدومها الذي خططه مع محاميه الخاص بعد ان علم ببعض التطورات التي حدثت وكانت في صالحه ، فرفع بسيجارته كي يكمل تدخينها بأرتياح .. ثم ظفر دخانها بعشوائيه وهو يجلس علي كرسي مكتبه بأسترخاء قائلا بتنهد : فاضل اني أطلقك منه واتجوزك ياهنا ..
فيرن ذلك الهاتف الموضوع علي مكتبه حتي يقول ببرود : ايوه يامجدي ، انت لسا فاكر الموضوع اللي حكتهولي عن والد فارس وعلاقته بعمتك يابن خالي .. ان خلاص نسيته اصلها مش فارقه كانت بتحب ابو فارس الاول ولا ابويا مافي الاخر اتجوزتهم هما الاتنين ... ثم تنفس ببطئ وهو يعاود حديثه : المهم انك فهمتيني كل حاجه بدل ما انا كنت مش فاهم حاجه ... اكيد انا مقولتش لفارس بس امال هانم عرفت اني عرفت حقيقة الترابط الوثيق بين عيلتنا وعيلتهم اللي مكنتش صداقه بس ... ثم اصدر ضحكة عاليه وهو يُجاري ابن خاله واخوا حسام ايضاً : انا رجعت خلاص لحياتي في امريكا ، وحسام بخير متقلقش هو دلوقتي استقر في كندا ... وينهي مجدي معه الحديث بعد ان اطمئن بأن لا شئ من الماضي سيفتح ثانية فلولا تلك الجريده التي احتفظ بها والد محمود في خزنته التي لم يكن يعلم عنها شئ سوا في رحلة عودته الاخيره ... لكان ظل طيلة حياته يعلم بأن والدتها لم تموت بعد ان تركته وهو طفلا في الثالث عشر من عمره كما هو يظن ..
.................................................. ................
تأملت سميه والديها وهم فارحين بتلك الطفله الصغيره ،حتي اختها الهوجاء الطائشه فرحت بها مثلهم .. رغم حزنهم وضيقهم في البدايه عندما رئوها هي وهشام يحملوها ومعرفتهم بأنها أبنة هشام من زوجه اخري .. ولكن عندما اخبروهم بكذبتهم التي صنعوها سويا .. وهي بأن هشام تزوج من امها لفتره قصيره ثم هربت منه الي بلدها دون ان تعلمه بحملها .. وانه عندما علم بوجود طفله لديه كان ليلة زفافه ..فنظرت سميه بسخريه الي كل مايحدث بعدما تذكرت تلك الليله .. فكم كانت تشعر بالفرح عندما ضمها اليه واخبرها بأنه سعيداً لانها اصبحت زوجته .. ثم بدئوا يتذكروا الايام التي قضوها في الساحل وكم كان صارماً معها
فتفيق من شرودها علي صوت والدتها
ليلي : انتي دلوقتي بقيت ام ياحببتي .. الام هي اللي بتربي مش بتخلف وبس .. ثم تأملت الطفله الجميله وهي تقول : انا اديتها الرضعه بتاعتها ونامت ياعيني .. لتترقرق الدموع في عين ليلي : ياحببتي اتحرمتي من امك وانتي لسا بتفتحي عينك علي الدنيا
فينتبه هشام الي حديث ليلي بعد ان كان منهمك في الحديث مع والدها ، متأملاً نظرات سميه الشارده ..قائلا : بس انا واثق ان سميه هتعوضك عن كل حاجه وعمرها ما هتفرق بينها وبين ولادنا ان شاء الله
فتطلعت اليه سميه بحده .. حتي أبتسم حسن والدها وهو يقول بحالميه : انا عايز قريب ابقي جد تاني سامعين ياولاد ، عايز انا وليلي منلحقش نقول ياولد اسكت
فأقترب هشام من سميه واحتضنها بذراعيه وهو يلامس وجهها بأنامله قائلا : بس سميه عايزه تأجل موضوع الخلفه دلوقتي عشان دراستها
فتنظر اليها ليلي قائله : ليه ياسميه ، ده حتي انتي اجلتي مشروع تخرجك السنه ديه .. هتفضلي تأجلي في السنين لحد امتا .. هتيلي بس حفيد تاني وانا اللي هربي ياستي
فتضغط سميه علي شفيته بقوه غير شاعره بأنها تضغط ايضاًعلي كف هشام الذي تأوه من قبضتها حتي اقترب منها قائلا بخبث : هما اللي هيقدروا عليكي .. وكمان انا عايز بنت كمان تاني بس شبهك ياحياتي
.................................................. .................
جلست هنا شارده في ذلك المكان الذي احبته مُنذ أن أتت الي تلك البلده مع عمها عندما توفي والديها ...فتأملت النخيل وهو يترنح بهدوء مع نسمات الرياح الهادئه ، حتي اقتربت منها بعض الحمامات .. فأبتسمت بعد ان رئتهم يحيطونها بأصواتهم الهديليه ، فتذكرت الموعد المحدد الذي اتفق فيه فارس معاها كي يهاتفها ، فسارت ببطئ بعدما شعرت بحركة قد بدأت تسير داخل أحشائها ، فضحكت وهي تحادث طفلها
هنا بسعاده : هو ده بقي اللي سلمي قالت عليه ، هنبتدي لعب كوره اظاهر ... واكملت سيرها الي ان نظرت داخل المزرعه مناديه علي ابراهيم الذي لا اثر له ولكن باب المزرعه مفتوحاً فاتحة بسيطه للرؤيه فقط .. فحركته هنا قليلاً كي تستطيع الدخول بعد ان ظنت بأن ابراهيم قد ذهب ليجلب شئ
وأردفت للداخل وهي تعلم بأن تلك الخادمه ذات العام الخمسون ليست موجوده هذه الايام بسبب مرضها .. ورغم ان ضوء الشمس مازال موجوداً ولكن بخفوت شعرت برهبه شديده وهي تتأمل كل ماحولها .. لينغلق الباب فجأه من خلفها فتنكتم أنفاسها من الخوف والقلق قبل أن تلتف وتري هل هذا فعل الهواء اما ماذا ؟؟؟

يتبع بأذن الله
*********

رياح الالم ونسمات الحب - للكاتبه المبدعه سهام صادقWhere stories live. Discover now