الـــفـــصــــل الـــــرابــــــع

14.5K 355 6
                                    

وفي وسط ذكرياته وشروده وهو يتحسس بكفيه فرسه الابيض ، كانت هناك عينن تتابعه بشغفاً شديد ، تتطلع الي تلك المداعبات بينه وبين ذلك الفرس وصهيله الذي لا يدل الا علي شوقه لصاحبه ،كل هذا كانت تره وهي لا ترغب في شئ سوا ان تركض اليهم لتلعب معهما وفقط ،فبعمرها هذا لا يقتصر تفكيرها سوا علي اللعب واللهو ... فمن يري عينيهاا المشاغبه يبتسم رغماً عنه ... وكيف لا يبتسم وهو يري نظرة أعين طفله تتطلع الي كل ماحولهاا وكأنهاا ستستكشف شيئاً خطيراً سيحدث ، ومع كل نظرة من عينيهاا كان يراقبها وهو يبتسم دون ان يشعر حتي انه ظن بأن تلك الطفله قد خرجت من عالم الرسوم المتحركه التي احيانا تسيطر علينا فتضحكنا حتي تدمع عيننا وكأننا كنا نبكي لا نضحك 

ليلتف اليها رغما عنه وهي تبسبس لذلك الفرس وكأنهاا تري قطه ماثله امامها وليسا فرساً عربياً اصيل ... فتتلاقي اعينه الحازمه بأعينها المشابغه التي لا يكون بصاحتها سوا غيرهاا (ريم ) فتركض بعيدا عن تلك البوابه التي تشاهد من خلال اعمدتهاا الواسعه تلك الأحصنه بألوانها الجميله ..... فيضحك هو بشده حتي يأتي ذلك السايس ليقول : تحب اخرج مرجان يا فارس به
ليتطلع اليه فارس قليلاا ليقول : لا ياعم سيد
لينظر له سيد ذلك الرجل الطيب باسماا ليقول : الي تؤمر بي يافارس بيه !
.................................................. ............
اما هي فكانت تستمع الي بنات عمها وهم يتحدثون عن ذلك الحفل الذي سيُقام بعد غدا ،ذلك الحفل الذي اصبح حديثهم يومياً من يوم ان بدأت التجهيزات وأتوا اصحاب المزرعه الذين لا ينظرون لهم هؤلاء الفلاحون البُسطاء سوا بأنهم أناس قد خرجوا من احد المسلسلات
لتركض اليهاا نور (الوسطي ) قائله : هما معاهم فلوس كتير اوي كده يا أبله هنا ، ديه الحفله ديه اكيد هتكلفهم فلوس كتير اووووي
لتأتي سلمي (الكبري) خلفها : يابنتي انتي مشوفتيش العربيات بتاعتهم ، انا عمري ماشوفت عربيه في البلد هنا زي كده ، هما بيشتغلوا ايه يا ابله هنا عشان يبقي معاهم كل الفلوس ديه
لتضحك هنا قائله : هي فين كمان ريم عشان تيجي تحكيلي علي الي شافته ، مفضلش غيرها
لتأتي اليهم ريم راكضه بعدما أتت من الخارج لتقول بمشاغبتها الطفوليه : انا شوفته ، انا شوفته ... وتخرج لسانهاا لأختهاا التي تكبرها بعامين قائله : وانتي مشوفتهوش يا نور!
لتضحك هنا ثانية علي تلك الطفله قائله : وشوفتي ايه بقي يا أنسه ريم
ريم بطفوله وهي تجلس علي طرف الفراش وتخلع حذائها الصغير : شوفت صاحب المزرعه ، ده مش شكل خالص الراجل ابو شنب كبير ، ده شبه الامير الي اتجوز سندريلا في الكرتون ، لاء وأحلي كمان انا عايزه لما أكبر اتجوز واحد زيه ويكون معه حصان ابيض عشان نلعب انا وهو سوا مع الحصان
لينظروا لهاا الفتيات بتعجب ... حتي يضحكون علي طريقه حديثهاا ، لتقول سلمي : لاء وكمان عايزه تتجوزي يا مفعوصه ده انتي لسا عندك 6 سنين !
لتقترب منها نور بمشاغبه قائله : انتي بتكدبي ياريم ، اصلاا الراجل صاحب المزرعه ده اكيد عجوز وعنده شنب ابيض
لتضع ريم برأسها علي الوساده بتعب من أثر الركض قائله : انا مش كدابه علي فكره يانور ، عشان ابله هنا قالتلي الكدب حرام .. ومش هحكيلك اي حاجه تاني بقي ومش هقولك علي اي حاجه ولا هديكي من التوت الي جيبته ولا المانجه كمان
وتخرج من كلتا جيبيها ، بعض التوت وأحد حبات المانجه لتلوح بهما بأيدها الصغيره في وجه أختهاا لكي تغيظهاا
لتبتسم هنا علي مشاغبتهما ، وتقول سلمي : يلا يا أبله هنا سمعيلي سورة تبارك !
لتسيرمن أمام أعيننا صورة من أجمل ماتري العين ، بشعاع الحياه الذي لا يتكمل سوا بتلك البساطه ، فتصبح البسمه مرسومه علي وجوهنا ونحن نتخيل هذه الصوره المرسومه أمام مرمي ابصارنا ، ولنا في بساطه حياتنا حياة
.................................................. ...............
اما تلك الاسره التي اجتمعت الأن من اجل وجبة العشاء ، كان الحديث هو سيد مجلسهم ، فقد أقتربت تلك اللحظه التي ستُزف فيها ذلك العروس التي تعطي لحياتهم السعاده بسبب مشاغباتهاا ومرحهاا الذي سيفتقروه بعد يومين عند رحيلهاا الي بلداً بعيداً ستعيش فيها بكنف زوجهاا
لتتطلع الي عمتها وهي تقول : عمتو انتي بعتي كل كروت الدعوه للناس الي أيدتك اسمئهم وطلبت منك تعزميهم
لتنظر لها أمال بغيظ قائله : ديه عاشر مره تسأليني السؤال ده يانيره واقولك ، اني خليت منصور يبعتلهم دعاوي الفرح علي العناوين الي اديتهاني
لتضحك نيره قائله : شايف عمتو يافارس ، وهي بتتكلم تحس انهاا مش أمال هانم خالص سيدة المجتمع الراقي
لينظر اليهما فارس قائلا : المهم انتي مبسوطه يانيره
نيره بفرحة عروس : اووي اوووي يافارس ، متعرفش انا اد ايه سعيده
وقبل ان تكمل حديثهاا .. صمتت من الخجل
لتقول عمتها بدعابه : متكملي يا استاذه نيره ، ولا اتكثفتي دلوقتي
لتنظر نيره لعمتهاا بطفوله قائله : كده ياعمتو بتحرجيني قدام فارس
فارس : ربنا يسعدك ياحببتي! ...
نيره بحب وهي تنهض من علي كرسيها لكي تحتضنه وتقبله : ويخليك ليا احلي وأحن اخ في الدنيا !
ليقف فارس بدوره ويضمها اليه بحب وهو يربط علي شعرهاا بحنان
لتسقط دموع امال وهي تراهم هكذا ، حتي يقتربوا منها الأثنان ويحتضنوها !
.................................................. .................
ووسط شروداً قد غاب معه النوم ، ظلت تتقلب في فراشها وهي تبكي بمرارة كلما تذكرت حديث عمهاا وهو يتحدث مع زوجته بأمر زواجهاا .. لتضع يديهاا النحيله علي أذنيها بدموع صامته لعلها تخفي صوت هذا الخوف وهو يذكرهاا بأن عمها يرغب بأن يزوجها لمن سيدفع له مالا أكثر ، لتنهض من فراشها بألم وتسير بخطوات بطيئه لتضع ذلك الوشاح علي كتفيها وترتدي حجابهاا ومعطفها البسيط وتخرج من البيت بأطراف أصابعها حتي لا يستيقظ أحداً ويسألها ماذا بها فكيف ستقول ، هل ستقول لقد سمعت بأن حياتي ليست ملكاً ليِ....لتصبح بين يديك انت فقط ايها العم الذي اصبحت اعيش معه لكي احتمي بكنفه من مرارة الأيام وقسوة البشر .....ولكن القسوه ها هي اتت من اقرب الناس اليِ.... فتخرج وهي لا تعلم اين ستأخذها قدميها ، لتسير بشرود حتي تقف أمام تلك البحيره الصغيره وتجلس في مكانها الذي لا تعرف غيره ، وتبكي وسط الظلام ونسمات الرياح الهادئه !
اما هو فلم يكن بمنامه شئ مختلف عنهاا ، ليفيق بفزع وهو يتذكر صوت الرصاص والدماء !
فينهض من علي فراشه الوثير ، بعد أن أمسح بكفيه حبات العرق المتناثره علي وجهه ، ليقف قليلا أمام شرفة مزرعته ليتأمل ذلك السواد القاتم وكأنه يري ماضيه فيه
حتي تأخده قدميه بدون هدي لذلك المكان أيضا ، ليلمح في الظلام الذي لا ينيره سوا ضوء القمر الساطع طيف خيالهاا ،حتي تأتي ريح عاليه ليطير وشاحها من علي كتفيهاا
ليأتي به الرياح اليه ، وكأن الريح تبعث له بشيئا ، ممن سيكون جزءً منه
ليظل بصره عالقاً علي ذلك الوشاح قليلا ، حتي يلتف ليتطلع اليها ثانية وسط الرياح التي قد زاد نسيمهاا ليجدها تسير بخطوات سريعه بين الأشجار!
.................................................. .................
وفي وسط دموع من الفرح ، كانت السعاده تملئ وجهها وهي تري هدية أمها التي قد أوصت بأن تكون لأبنتها من بعدها حين تتزوج
لتقول نيره بدموع : ديه من ماما ياعمتو!
امال بحب : روقيه الله يرحمها وصت أن علبة مجوهراتها متكونش لحد غيرك ، وبرضوه فارس وصت ليه بكده بس أنا بصراحه مكنتش راضيه ولا حبه جوازته من أيناس عشان كده حسيت ان مش ايناس الي لازم تاخدهاا
لتبتسم نيره لعمتهاا وهي تحتضنها : كان نفسي بابا وماما يكونوا وسطنا ، بس ربنا عوضنا بيكي انتي ياعمتو
أمال بدموع : وعوضني بيكوا ، انتوا برضوه ياحببتي ، اسعد يوم في حياتي بجد لما اشوف ولادك انتي وفارس ويقولولي ياآنه امال ... لتصمت امال قليلا لتقول ثانيه : لاء آنه ايه ، ده انا كده هكبر ممكن يدلعوني ويقولولي يا لولو
لتضحك نيره وسط دموعها قائله : ده انتي هتكوني احلي آنه في الدنيا ، هو حد يلاقي آنه بالجمال ده
لتضمها أمال الي حضنها ثانية بعد أن مسحت دموعها قائله : مافيش عروسه بتعيط يوم فرحها ، امسحي دموعك
لتبتسم نيره لعمتها .. .. وكأنها تريد أن تبعث لهاا حبا قد كبري ليصبح يمتلكهاا من اجلها هي وفقط !
.................................................. ..............
بدأت أصوات الحفل تتعالا ، وبدء المدعوين بالحضور ، وكل امرأه تتشبث في ذراع رجلا سواء أكان زوجها او كغير ، صورة من صور المجتمع الراقي قد ظهرت أمام أعين هؤلاء البسطاء ، ليروا عالماً ليس بعالمهم ... لتتأمل العين كل هذا بغرابه وكأن الحقيقه اصبحت فيلماً ثنمائيا ماثل أمامهم ، فيتركوا لأعينهم حق المتابعه ...
وكما كانت نظرات هؤلاء الفلاحين ، كنت نظرت الفتيات هكذا
لتأتي ريم بجانب اخواتها قائله : هما الناس دول واقفين ليه يحرسوا البوابه ، مش المفروض ده فرح وكل الناس تدخل ، اشمعنا فرح أبن عمي حسن كل الناس كانت بتدخله
لتضحك سلمي علي أختها قائله : ده أبن عم حسن ، أسكتي بقي خلينا نتفرج !
لتسير ريم بخطوات بطيئه أمام ذلك الحارس ، وتظل تتابع ببصرهاا هؤلاء الناس بشغف طفله ... حتي تتلاهي بعقلها بينهم وتسرح بأحلام طفله تتخيل عروساً مع فارسها بحصانه الأبيض ، والورود تتناثر من خلفهم .. فتبتسم بحلمها الطفولي ... وبدون أن تشعر كانت تسير وسط أقدام المدعوين دون أن يراها أحد بسبب ضئلة حجمهاا
.................................................. .................
اما هي ماكان عليها سوا ان تمسك بأحد كتبها لتراجع بعض محاضراتها بتركيز شديد هاربه من كل ما يحاوطها ، حتي تسمع عمها يصرخ في وجه زوجته قائلا : فين البنات ياهانم !
زينب بأرتباك : خرجوا يلعبوا قدام البيت يا صالح
صالح بحده : أنا مشوفتش حد وأنا راجع من بره
زينب بخوف : انا هطلع أدور عليهم ، وهجيبهم حالا
صالح بحده : انا رايح عند منصور ، وراجع .. عارفه لو رجعت وملقتش البنات ، هيكون طلاقك النهارده سامعه
زينب بدموع : سامعه !
لتدخل زينب سريعا علي هنا قائله : البنات راحوا المزرعه عشان يتفرجوا علي الحفله ، هعمل ايه انا دلوقتي ياهنا
لتقف هنا من مكانهاا وتأخذ بحجابهاا وترتدي معطفها قائله : خليكي انتي هنا لأحسن عمي يرجع من تاني وميلاقيش ، انا هروح أدور عليهم وهجيبهم
زينب بخوف :بس انتي متعرفش طريق المزرعه ياهنا
لتسير هنا من أمامها قائله : لاء روحت مره مع ريم ، وهي ورتهاني !
لتجلس زينب علي أحد الأرائك قائله : ربنا يستر وترجعوا قبل ما صالح يرجع
.................................................. .............
اما تلك الطفله ، كانت تتابع بأعينها السوداء الصغيره هؤلاء الرجال والسيدات بملابسهم التي تداعب الوانها أعينها ، وتسمع ضحكاتهم خلف تلك الشجره، داخل المزرعه التي حلمت دوماً بأن تدخلها بدون أن يراها حارسها ذات الشارب الضخم
لتظل تجول بنظرهاا بينهم ، حتي يراها أحدهم
فتقف أمامه بخوف ، وتسقط دموعها
هشام بمرح : وانتي بقي ياحلوه تبع مين العروسه ولا العريس
لتتأمل ريم ملامحه الرجوليه قائله بخوف : انا جيت مع نور وسلمي
ليهبط هشام لمستواها قائلا : ومين نور وسلمي دول بقي !
ريم : اخواتي !
ثم تبدء دموعها تتساقط بغزاره ، ليقربها هشام منه قائلا : طيب خلاص متعيطيش ، انتي شكلك من ولاد الفلاحين الي هنا
لتنظر اليه ريم وهي تحرك رأسها بالأيجاب
هشام بحنان : طيب تعالي معايا !
اما هي وقفت تنظر للفتيات بعتاب قائله : يعني أيه متعرفوش راحت فين ، مش المفروض ياسلمي تخلي بالك منها
سلمي بدموع : كانت واقفه بتتفرج معانا ، وفجأه مليقنهاش
لتربط هنا علي كتفيها بحنان : طيب خلي بالك من نور ، وانا هحاول ادخل المزرعه ادور عليها
لتلقي بنظره علي هؤلاء الأشخاص الماثلين أمامها وهي لا تعلم كيف ستمر من أمامهم لتقول بصوت هامس : هعمل ايه أنا دلوقتي يـــاربي !
فتسير بقدميها أمامهم ، لينظر لها أحدهما بجسده الضخم قائلاً : خير يا أنسه ، انتي معزومه هنا
ليقترب منه صديقه وهو يضحك ليقول بسخريه : معزومه مين أنت مش شايف لبسها ، ديه أكيد واحده من الفلاحين ... اتفضلي بعيد من هنا ياشاطره
لتنظر اليهم بصمت ... حتي تجد فجأه !!!

عشان محدش يتوه تاني مني ... هنبه هنا برضوه (هنا الي في المقدمه غير هنا الي معانا دلوقتي تماما .. وتقريبا باين من المقدمه اني هحكي عن ماضي .. علي العموم .. المقدمه هتفهموها بعدين .. بس دلوقتي خليكوا معايا في الفصول . وحياة الابطال .. وزي ماقولتلك المقدمه هتتفهم بعدين .. وممكن الشاطر فيكم هو الي يقدر يفهم من الاول ..

يتبع

رياح الالم ونسمات الحب - للكاتبه المبدعه سهام صادقWhere stories live. Discover now