علي بن أبي طالب والخندق

40 5 3
                                    


لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامري في معركة الخندق (الأحزاب) منادياً: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المسلمين، فقال الإمام عليّ(عليه السلام): أنا له يا رسول الله، فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله): إنّه عمرو، فسكت، فكرّر عمرو النداء ثانية، وثالثة، والإمام عليّ(عليه السلام) يقول: أنا له يا رسول الله، والرسول(صلى الله عليه وآله) يجيبه: إنّه عمرو، فيسكت، وفي كلّ ذلك يقوم عليّ(عليه السلام) فيأمره النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالثبات، انتظاراً لقيام غيره من المسلمين، ولكنّهم كانوا كأنّ على رؤوسهم الطير من شدّة الرعب.

وطال نداء عمرو بطلب المبارزة، وتتابع قيام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة، قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): يا علي، امضِ لشأنك، ودعا له، ثمّ قال: «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(۱).

فسعى الإمام عليّ(عليه السلام) نحو عمرو حتّى انتهى إليه، فقال له: يا عمرو، إنّك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلّا قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل، قال(عليه السلام): إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأن تسلم لربّ العالمين.

قال: يا بن أخي أخّر هذا عنّي، فقال(عليه السلام): أما أنّها خير لك لو أخذتها. ثمّ قال(عليه السلام): ها هنا أُخرى، قال: وما هي؟ قال(عليه السلام): ترجع من حيث أتيت، قال: لا تتحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبداً، فقال(عليه السلام): فها هنا أُخرى، قال: وما هي؟ قال(عليه السلام): أُبارزك وتبارزني.

فضحك عمرو وقال: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك نديماً لي، فقال(عليه السلام): وأنا كذلك، ولكنّي أُحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحقّ.

فحمى عمرو، ونزل عن فرسه، وضرب وجهه حتّى نفر، وأقبل على أمير المؤمنين(عليه السلام) مسلتاً سيفه، وبدره بضربة، فنشب السيف في ترس الإمام(عليه السلام)، فضربه أمير المؤمنين(عليه السلام).

قال جابر الأنصاري(قدس سره): وتجاولا، وثارت بينهما فترة، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ولا سمعت لهما صوتاً، ثمّ سمعنا التكبير، فعلمنا أنّ عليّاً(عليه السلام) قد قتله، وسرّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) سروراً عظيماً لمّا سمع صوت أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتكبير، وكبّر وسجد لله تعالى شكراً، وانكشف الغبار، وعبر أصحاب عمرو الخندق، وانهزم عكرمة بن أبي جهل وباقي المشركين، فكانوا كما قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً}

ولمّا قتله الإمام عليّ(عليه السلام) احتزّ رأسه، وأقبل نحو النبيّ(صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلّل، فألقى الرأس بين يدي النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فقبّل النبيّ رأس عليّ ووجهه، وقال له عمر بن الخطّاب: هلّا سلبته درعه، فما لأحد درع مثلها؟

فقال: إنّي استحييت أن أكشف سوأت ابن عمّي. وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا: ﴿وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ـ بعليّ ـ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾.

وذكر أنّ عمرواً قال في المعركة أبياتاً، هي:

ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ وقف الشجاع موقف القرن المناجز
وكذاك إنّي لم أزل متترّعاً قبل الهزاهز
إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فأجابه عليّ(عليه السلام):

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ** وصيرة والصدق منجي كلّ فائز

إنّي لأرجو أن أُقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز

وقال صاحب مستدرك الصحيحين: «لما قتل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه، فقالت:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله
لكن قاتله من لا يعاب به
بكيته ماأقام الروح في جسدي
وكان يُدعى قديما بيضة البلد

ترجمان الحُبWhere stories live. Discover now