الفصل الرابع

59 6 0
                                    

دخلت و أنا صامتة و جلست دون أن أسلم مصدومة مما يحدث بي. المصائب وراء بعضها تحل بي. عندما رأت عمتي ذلك قالت
" ايه يا دانا يا حبيبتي مش هتسلمي على عمك و هيثم ؟! و مال وشك اصفر كده ليه !"

" اهلا " خرجت مني على مضض لعمي و هيثم. ثم ظللت صامتة حتى لا أسبق الأحداث. فقطع عمي ذلك الصمت قائلا بلهجته الخبيثة

" احنا عايزين نحافظ عليكي يا دانا و أكيد أي حد هيطمع فيكي بنت جميلة لوحدها و معاها جزء كبير من الأملاك دي. بس احنا مش عايزين حد غريب يجي يشاركنا في ملكنا و محدش هيحافظ عليكي غيرنا. عشان كده قررت انتي و هيثم تتجوزوا و يبقى زيتنا في دقيقنا و اهو ابن عمك و بيحبك و هيصونك و أكيد سعد الله يرحمه كان هيوافق."

لأول مرة امتلك الشجاعة فقمت من مكاني و قلت بمنتهي العصبية و الحنق و بصوت عالٍ
" أنا مش قادرة أصدق انت ازاي كده !! مش مكفيك اللي عملته في بابا و ماما و أنور و اللي خدته من نصيبنا في المحل و البيت و الفلوس و الاراضي كمان عايز تجوزني ابنك عشان تاخد الورث كله! بابا الله يرحمه لو كان موجود عمره ما كان هيوافق عالجوازة دي. انا مبحبش هيثم. هيثم انسان مريض و عمري ما هتجوزه حتى لو كان اخر راجل في الدنيا دي كلها."

انتفض هيثم من مكانه و كان يريد اقتلاع رأسي من مكانها.ورأيت الشر و الغضب في عيني عمي و قبل ان تتفوه عمتي بكلمة أشار لها بأن تصمت و أخذ يتحدث هو. كان يتكلم بمنتهى الهدوء و الدهاء

" انتي معاكي حق أنا كان المفروض مسبش سعد الفترة الاخيرة لأن اعداؤه زادوا و كان لازم أأمنه و اتوقع الغدر بس دي غلطتي اني معرفتش احميه منهم. و ربنا يسامحني بقى. بس جوازك من هيثم مش حاجة تقولي فيها اه او لا ده قرار أنا خدته متنسيش اني وليّ أمرك دلوقتي و هحميكي و لو من نفسك و مش هكرر نفس غلطتي مع أبوكي."

ثم قام و أشار لهيثم حتى يذهب معه و ودعا عمتي و ابنتيها و ذهبا.
جريت لغرفتي أنا و يارا و أغلقت الباب و انفجرت في البكاء. دخلت يارا حتى تهدئ من روعي و حزني. لم تكن الوحيدة التي تستعجب من ردة فعلي. فأخذت تسألني لمَ قلت ذلك. رويت لها كل ما فعله هيثم معي و لكن لم أخبرها عن قتل عمي لأبي و أنور لأنها لن تصدقني و لن يصدقني أحد و كيف يصدقني أحد و أنا ليس معي دليل واحد !

تفهمت شعوري و وعدتني أنها ستخبر عمتي حتى تقنع عمي بالعدول عن ذلك القرار. و بالفعل هذا ما حدث و حاولت عمتي معه مرات عديدة و لكن كل محاولاتها باءت بالفشل و كل يوم يمر يُقربني من الزواج من هيثم.

لن استطيع أن أعيش مع أحد مثل هيثم. إما اقتله أو انتحر. ماذا أفعل يا ربي ؟ إلى أين أذهب ؟ اصبحت لا أنام الا من بكائي و لكن هذا المرة لم يكن على أسرتي بل على نفسي و ما يحدث لي و على شعوري بالعجز. لا يوجد شيء بيدي لأفعله.

و بالفعل مرت الأيام و جاء فستان زفافي. الفستان الذي تحلم كل فتاة باليوم الذي سترتديه فيه و بجانبها الشخص الذي امتلك قلبها و ظلت تنتظره و رفضت أي شاب غيره. و لكن هذا الفستان كان كبدلة الاعدام بالنسبة لي. فأنا كأي فتاة ظللت أحلم بهذا اليوم و أحاول اتخيل شكل من سيكمل معي بقية عمري و يشاركني حياتي و كل شيء و في النهاية أجد نفسي مرغومة على شخص و أيّ شخص انه مريض نفسي رفضته كل فتاة تقدّم إليها.

كنت اتصور أن أمي ستكون معي في مثل هذا اليوم تساعدني على ارتداء الفستان و تزينني و تدعو لي بالسعادة مع زوجي. و يأتي أبي يسلمني لزوجي و الدموع في عينيه دموع يختلجها الفرح و الحزن. و أخي بجانبي يخبرني " لو ضايقك في يوم قوليلي " و حولي جميع صديقاتي نرقص و نغني و نضحك و يكون هذا اليوم أسعد يومٍ في حياتي مهما مرت بي الأعوام لا أنساه.

و لكن عندما فتحت عيني على الواقع الذي اعيشه وجدت عمتي و بناتها يساعدنني على ارتدائه و تأتي الكوافيرة تزينني و إلخ إلخ مما تفعله العرائس في ذلك اليوم حتى تبدو كحور الجنة و تأسر زوجها في قفص حبها و تجعله يعلم كم هي جميلة و غالية و مهما زاد عدد النساء التي يعرفها أو يراها لا يضاهين زوجته في جمالها.

انه لشيء مثير للشفقة فأنا لا أشعر بأيٌ من ذلك لا أشعر إلا بالحزن و الكراهية. و لكم أريد أن أشوه شكلي و أجعل كل ما هو جميل فيه قبيح. أريد أن أجعل هيثم يندم على التفكير في الزواج مني و أن أجعله أتعس انسان في العالم مثلما فعل بي. لقد جرح مشاعري و حوّل الفتاة داخلي ذات الأحلام الوردية و الآمال و المليئة بالمشاعر لأرملة.

لم أعد قادرة على البكاء و التهبت عيناي من كثرة البكاء و الدموع التي زرفتها. كان على وجهب تعبير اللامبالاة. ظللت هكذا لا أتفوه بكلمة حتى جاء هيثم حتى يصطحبني معه في السيارة و نذهب للقاعة المقام فيها زفافنا أو جنازتي حتى أكون صادقة. جاء في منتهى الثقة و ظل يحدق بي كما يفعل أي عريس يرى زوجته في فستان الزفاف كأنه يقول لي كم أنتي جميلة. و لكنني أردت أن اصفعه أشعر بأن نظراته مريبة و مريضة و غير مريحة فقلت له
" ممكن متبصليش تاني ابدًا."
ظن أنني أقول ذلك بدافع الخجل و ليس الاشمئزاز
" و ازاي يبقى معايا قمر زي ده و مبصلوش "
فأطلقت نفسًا يعبر عن الغضب و قلت له بعصبية
" و مالوش لازمة الكلام الممحون ده فوق يا موهوم ده انا متجوزاك غصب و لو بايدي هسيب البلد دي كلها و اطفش منك."
جز على أسنانه ثم سحبني من يدي بشدة حتى نذهب للسيارة و عندما جلسنا فيها
قلت له بنبرة غاضبة
" إياك تمسكني كده تاني. انت فاهم ! "
و لكنه لم يرد عليّ. كنت أعلم أنني على وشك أن القى حتفي فتلك السيارة التي تقودنا للزفاف ما هي الا سيارة تكريم انسان بالنسبة لي تقودني نحو مقبرتي التي سأُدفن فيها شئت أم أبيت. ظلت تسير و تسير و أنا أنظر من النافذة نفس منظر السماء حالكة السواد تتقطعه النجوم البيضاء الصغيرة الذي رأيته و أنا عائدة من المصيف و الذي أراه الآن و أنا معكما.

الصعود للقاعWhere stories live. Discover now