الفصل الثالث

58 6 1
                                    

لم أقوَ على تحريك ساكن فظللت واقفة مكاني حتى عثرا عليّ. نظراتي لعمي كانت تحمل كراهية و حنق و كنت أريد أن انفجر فيه و لكن لا أعلم ماذا أوقفني عن ذلك. لماذا لا استطيع أن أعبر عما بداخلي ؟

ظلا يتكلمان و يحاولان مواساتي و التخفيف عني أمام الناس و لكن الله يعلم ما في قلوبهما. لم أتفوه بكلمة ردًا عليهما و لكن ذلك لم يوقفهما عن الكلام.

و بعد التحقيق مع الشرطة و فحص الاسعاف للجثث. عرض عمي أن يأخذني حتى أبيت عنده. أحسست أن قلبي خُلع من مكانه و كانت هذه أول كلمة اتفوه بها
" على جثتي "

فرمقني عمي ثم أشار لعمتي حتى تأخذني هي و اقضي بعض الوقت معها و مع ابنتيها. لم أكن أفضل صحبة أيٌ من أقارب والدي و لكن ابنتي عمتي أرحم و أهون على نفسي من ابن عمي هيثم.

هيثم كان شاب أكبر مني بعام واحد ذو ملامح تشبه عمي تجعل من ينظر له يشعر بعدم الراحة و الطمأنينة. كان يفوقني في الحجم و الجسد كان كالحائط و كان ذلك يُرعبني منه. و لكن كل ذلك لم يشكل  لي أي مشكلة إلا أنه كان يحبني. كان حبه لي مرضي أكثر منه مشاعر بريئة. اعترف لي بذلك من قبل و لكنني رفضته بذوق مبررة رفضي بأنني لا أراه سوى أخٍ لي.

جن جنونه و زاد تعلقه بي بعد رفضي إياه. و ظل يراقبني في كل مكان أذهب اليه كنت أراه في أي مكان أخرج فيه مع اصدقائي و كان يظل يحدق إلي لفترات و نظراته كانت مخيفة و مريبة. كنت أشعر بالغثيان عندما ألاحظه. كان أيضًا يأتي الي الجامعة التي ارتادها و كنت أراه و هو يراقبني هناك.

علمت بعدها أنه كان يعرف تحركاتي عن طريق اختراقه لحسابي في الفيسبوك. عندها بلغت أمي بكل هذا و بالفعل أخبرت أبي فطلب من عمي بألا يتعرضلي هيثم في أي مكان. و لكنني متأكدة بأنه ظل يراقبني حتى و إن لم أره. لأنه كان يريد أن يعرف من في حياتي جعلني لا أرضى به و لكنه كان غبي لا يعلم أن الحب أو الكره ليسا بيدنا و عدم حبي له لم يكن بسبب وجود أي أحد لأني لم أحب أحدًا من قبل.

أيًّا كان ذهبت مع عمتي لبيتها قابلت بنات عمتي : يارا و سُها. كلاهما كانا أكبر من أنور سنًا. كانت يارا نوعًا ما أقربلي كنت أشعر بشيءٌ من الراحة معها. فمكثت معها في غرفتها و ظلت سها و يارا يواسيانني حتى خلدت للنوم بأعجوبة.

في اليوم الآخر جاء عمي و معه المحامي حتى ينتهيان من أمور توزيع الميراث و على الرغم أن عمي حصل على أكبر حصة من الورث إلا أنه كان يطمع في المزيد. أعلم أنه سيحاول أن يأخذ ما أملك حتى يرضي نفسه الجشعة. فظللت منتظرة ما سيفعل بحذر.

مرت الأيام عند عمتي بسلام. كنت استيقظ مع يارا و سُها نحضّر الفطور. ثم يذهب كلٌ منا لكليته و عندما نعود هناك من تنظف و هناك من تساعد في تحضير الغداء. و في المساء عندما تتنتهي كلٌ منا من أشغالها نجلس في غرفة المعيشة نتسامر نحن الأربعة. حياة روتينية حتى و إن تخللها بعض الملل إلا أنها هادئة و هذا ما أريده.

قد يبدو من كلامي أنني تجاوزت موت أسرتي و لكن في الواقع هذا لم يحدث. لأنني كنت كل يوم و أنا عائدة لمنزل عمتي اذهب لبيتي القديم و أظل جالسة هناك أرى في كل ركن فيه ذكرى مع أخي أو أبي أو أمي. و كنت أتجول في كل غرفة و اذهب لغرفتي في النهاية و أظل أبكي فيها.

و عندما يحل الليل و أخلد للنوم في منزل عمتي أفتح البوم صور أسرتي و أظل أقلب فيه و كثيرًا ما كنت أنام من شدة البكاء و لكنني لم أكن أُشعر يارا بذلك فكنت أبكي بدون إحداث صوت.

مرت أيام و أسابيع على هذا النمط حتى مر قرابة شهر و نصف. استيقظت كعادتي من النوم وجدت عمي جالس مع عمتي و يتحدثان بصوت أشبه كالهمس. فعندما رآني عمي سلّم عليّ و وجدته يعطيني نقودًا قائلًا
" اتفضلي يا دانا ده نصيبك من مكسب المحل طول الشهر ده. "
لم أكن مطمئنة لعمي كيف يعطيني نصيبي في مكاسب عمل أبي بمنتهى السهولة على الرغم أنه قتل أخي و أبي من أجل ذلك.
قبل أن أمد يدي لاستلم منه نقودي قلت
" و ايه المقابل ؟"
نظر لي بدهشة
" ايه المقابل ؟! ده نصيبك يا دانا.حقك."
يبدو أنه لم يرني وقت الحادثة لأنني كنت أراقب كل ما يحدث من الأعلى. لذلك يحدثني بتلك السلاسة كالثعبان حتى يتمكن مني.
أخذت منه النقود و شكرته ثم تركته مع عمتي و دخلت الغرفة خبأت النقود بجانب نقودي و ظللت أفكر في الدافع الذي جعل عمي يفعل ذلك.

يا تُرى ماذا يخطط عنمي لي ؟ ظل ذلك السؤال يتردد في بالي لأيام حتى وجدت عمتي في يومٍ تنفرد بي و أخذت تسألني اذا كان هناك شخص أحبه أو مرتبطة بأحدٍ ما. و تدور و تدور معي بالكلام حتى تتأكد أن قلبي خالي.

و عندما أكدت لها ذلك ملأت وجهها ابتسامة غامرة من الأذن للأخرى. و ذلك جعلني اسألها لمَ كل هذا الاسئلة. لم تقل لي سوى
" هتعرفي بعدين."

و ياليتني مِت قبل أن أعرف. وجدت عمتي في اليوم التالي تحضر لي فستان أنيق ذو لون نبيتي. و جاءت بإحدى الكوافيرات للمنزل و جعلتها تصفف شعري و تزينني بالمكياج . كنت اتمنى أن يكون ما يدور في بالي وراء ذلك مجرد وهم. ظللت متماسكة حتى أرى إذا كان مثلما اتوقع أم لا.

رن جرس الباب و لكنني كنت في الغرفة حيث طُلِبَ مني ألا أخرج منها قبل أن يُنادى عليّ. سمعت صوت عمي و هو يكلم عمتي عندما دخل و ما لبثوا بضع دقائق حتى نادت عليّ عمتي. خرجت من الغرفة متوجهة ناحية الصالون و دقات قلبي كالفرس في السباق. و عندما دخلت وجدت عمي و ابنه هيثم.

كم تمنيت أن تنشق الأرض وقتها و تبتلعني. ليتني مِت قبل ذلك اليوم و المنظر. لن أوافق على زواجه مني إلا على جثتي. و لكن هل سأستطيع فعلاً التصدي لكل هؤلاء ؟

الصعود للقاعHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin