الفصل الأول

218 13 0
                                    

مستلقية نائمة أكاد لا أشعر بشيء سوى سماع بعض الأصوات التي تبدو كهمهمة. لا أذكر شيء سوى أنني خلدت للنوم كعادتي. أريد أن استيقظ و لكنني عاجزة. هل العيب من مخي أم من جسدي ؟ هل مت ؟ أم هل ما زلت حية ؟ قد يكون هذا حلم و لكنني أريد أن استيقظ .

شعرت بأحد يهز رأسي كي استيقظ و بالفعل أفقت .ما هذا الضوء ! ان عيني تؤلمني من شدته فأضع يدي حاجبة عنها ذلك الضوء.

" أنا فين ؟ و انتم مين؟"

  " الحمدلله طلعت عايشة "

صدرت تلك الجملة من فتاة تبدو عليها السكينة بعد الفزع و كان بجانبها شاب و كلاهما جالسان على أرض الشارع بجانبي. كانت الفتاة ذات وجه يريح العين التي تنظر له ، ملامح بسيطة ، شعر متوسط الطول و كان الشاب بنفس تلك الملامح الهادئة و لكن بنمط ذكوري . شعرت أنهم أقارب أو أشقاء.
تبين لي أن ذلك الضوء الذي كاد أن يحرق عيني كان ضوء السيارة التي بتخمين مني تعود لهما . نظرت للسماء وجدت رداء الليل الحالك يسود المكان. ترى ماذا حدث ؟ عدت مرة أخرى لرشدي و قلت
" هو ايه اللي حصل؟ "

فقال لي ذلك الشاب الوسيم " احنا كنا سايقين عادي لقيناكي مرمية كده في الطريق."

الطريق كان يبدو أنه طريق سفر لا يوجد به سوى السيارات التي تسير بسرعات جنونية لا يوجد زرع و لا بشر مجرد طريق شبه صحراوي و العجيب انني عندما نظرت ليدي وجدت بها علامات الكبر كيف و كل ما أذكره انني عندما خلدت للنوم كنت شابة!

لا أدري ماذا يحدث. أيمكن أن يكون هذا حلم ؟ إن كان كذاك فليتني استيقظ بسرعة قبل أن أفقد ما تبقى من عقلي.

مرة أخرى توقظني تلك الشابة من غفوتي قائلة
" طب حضرتك اسمك ايه ؟ عنوانك ؟ أي حاجة نقدر نرجعك بها لبيتك. "

" اسمي دانا. مش فاكرة عنواني. مش فاكرة أي حاجة. أنا اصلا معرفش ايه جابني هنا ! "

فالتفت الشاب للفتاة و قال
" خلاص يا منة احنا ناخدها معانا في الطريق. كده كده طريقنا طويل ممكن تفتكر حاجة كده و لا كده متوتريهاش. "

" خلاص اللي انت شايفه يا أسامة. "

ساعدتني منة على القيام من مكاني و اخذت تسندني حتى وصلت للسيارة بسلام فركبت في المقاعد الخلفية و جلست منة بجانب أسامة. و بعدها أخذ أسامة يقود.

سمعت منة و هي تهمس لأسامة
" هنقول لبابا و ماما ايه لما يشوفوها ؟ "
" هنتصرف اكيد عقبال ما نوصل هتكون افتكرت أي حاجة. قدامنا طريق طويل جدًا فوق الخمس ساعات سفر. "

على الرغم من أنهم أشخاص غريبة عني إلا انني أحسست بالأمان ناحيتهم فلم اكترث إلى أين هم ذهابين بل ظللت جالسة مسترخية في مقعدي ناظرة من النافذة التي لم تُفتح لآخرها على السماء الحالكة السواد و لكن بضع النقاط البيضاء كانت تتقطع ذلك السواد.

أذكر ذلك الاحساس و أحس أنه مألوف جدا كأنني كنت راكبة بنفس المقعد أمس. و الرياح الناتجة من حركة السيارة تداعب وجهي و شعري. ظللت متأملة في السماء حتى بدأت اتذكر بعض التفاصيل.

آخر مرة رأيت ذلك المنظر عندما كنت عائدة مع أسرتي المكونة من أربع أفراد ؛ أمي ابتسام و أبي سعد و أخي أنور و أنا أصغرهم. كنا عائدين من المصيف سعداء مرتاحين نحمل معنا حقائبنا و ذكريات جميلة بالإضافة للتي تركناها في البيت.

على حد علمي كانت آخر مرة أشعر فيها بتلك السعادة الغامرة. كان أخي يقود بنا و أنا و أمي جالسين بالخلف. ظل أبي يحكي لنا قصصه في شبابه متجنبًا علاقاته الغرامية لكي لا يقود أمي للجنون و تفسد علينا جمال الرحلة.

أبي كان و ما زال أكثر شاب وسيم رأته عيني و كنت معجبة جدًا بشخصيته لدرجة أنني كنت أتمنى رجلاً مثله أو مثل أخي. كان أبي ذا جسم حسن البنيان لم يعتره الكِبر بعد و كانت عينيه تميل من الخضرة للرمادي حسب انفعالاته و شعره بني و حمدًا لله أن الله قد جعلني أنتج من الكروموزوم x القادم من أبي حاملاً تلك الصفات.

كانت حياتنا جميلة و عمل أبي ناجح لأنه كان يتاجر في المجوهرات و الذهب. و كانت أمي ربة منزل و فائقة الجمال لا شك أن أبي وقع في حبها من النظرة الأولى. كان شعرها طويل فائق النعومة لونه كستنائي و كانت بشرتها قمحية و عينيها عسليتين. ورث أنور عنها جمالها. فكانت الفتيات تتهافت عليه منذ الصغر و يفعلن ما بوسعهن و يتقربن مني حتى يكسبن قلبه. و لكنه كان عازبًا لم يقع في الحب مرة مثلي لدرجة أننا كنا نخطط كيف ستكون حياتنا المستقبلية بدون زواج.

و لكننا لم نكن نحيا في الجنة فكان هناك ما يخالج ذلك النعيم و السعادة و هو كراهية أهل أبي لنا خصوصًا عمي سلامة. كان يطلب من أبي الكثير و الكثير من الأموال و المجاملات و مع ذلك كان يرى أن ما يحياه أبي من نعيم كثيرًا عليه و لا يستحقه.

و لكنني لم أشعر أنني كنت اتذكر و أروى ما أفكر فيه بصوت عالٍ حتى سمعت منة تسألني
" طب و باباكي مكنش عارف ان اخوه بيكرهه ؟"
" أكيد كان حاسس بس هو كان بيحب اخواته جدا."

فقال أسامة " سيبيها تكمل يا منة عايزينها تفتكر. "

وبالفعل أخذت أكمل النظر للسماء و أنا اتذكر ذلك اليوم الذي عدنا فيه من المصيف. عدنا للبيت و أخذ كل شخص حقيبته يفرغها في غرفته و أوى جميعنا للنوم بعد سفر طويل و متعب.

و لكن لم نكن نعلم أن هذه سوف تكون المرة الأخيرة التي نخلد فيها للنوم بسلام. لم نكن نعلم ما يخبؤه لنا الصباح باستيقاظنا. و لكن حتى إذا كنا نعلم هل كنا سنهرب أم نواجه الأمر مرة أخرى ؟
و ما الفائدة من هذة الاسئلة اذا كان القضاء و القدر من صنع و تدبير الله.

الصعود للقاعDonde viven las historias. Descúbrelo ahora