الأوّل.

368 16 39
                                    

في فصلِ الشتاء والبرد القارس عادةً ما ينكمِشُ الجميعُ أسفل الأغطية في عناق الوسائد الناعِمة، وترتبِكُ الشوارع وتُقفَل المتاجِر ويهرع المارة لمنازلهم إحتماءً مِن المطر.

وعلى نقيضِ ذلك، إمتلأت شوارعُ المدينة بالسيّارات، والحركة تدُبُّ في كلّ مكانٍ إكتظّ بالمارة.. رغم دقّات الساعة التي تُعلِن عن تأخُّر الوقت.

رغم البرد الذي إبتلع (القاهِرة)، إلّا أن هُناك بُقعةٌ تنبِضُ بالحرارة في وسط الميدان.. مطعمٌ إيطاليّ! كالشُعلة التي تبثّ الدِفىء بِفؤاد كُلِّ مَن يتحازَى بها.

وقفَت إمرأةٌ تتأمّل زُجاجات العصائر ذات النكهات المُختلِفة وهي تصنعُ دوائرٍ بإصبعها على الطاولة في ملل، حتى أعطاها النادِل كأسها الذي حوى عصير الفواكه، ثُم سألها مُشيرًا على إحدى اللافتات خلفها:

- هل تُشاركين في ذلك؟

إلتفتت مُتتبعة إشارتهُ، وضيَّقَت عينيها لتّتضح الرؤية. قد كانت اللافتة تحمِلُ عُنوانًا لقيام مُسابقة عن الغزل، إفترّت شفتاها في إبتسامة إستهزاء قائلة:

- قد أفعل، لِمَ لا؟

- إذًا توجّهي يسارًا لتُسجّلي إسمكِ بجانب ساحة الرقص، لأن المُسابقة على وشك البدء!

حثّها النادل على الإسراع فشربت كأسها دُفعةً واحدة وذهبت والحماسُ يُرافِقُ خطواتها.

إنتهت من تسجيل إشتراكها وإنتظرت حتى صعد مُدير المطعم على بُقعةٍ إجتمع فيها الزبائن في ثُنائيّات ليرقصوا، بحوزته مُكبّر الصوت ليجذب إنتباه الجميع، تنحّوا جانبًا مُبتعدين عن الساحة مع بِدء حديثه:

- سيّداتي وسادتي.. أُرحِّبُ بِكُم في مطعمكم المتواضع! اليوم سنبدأ مُسابقتنا الشهريّة المُعتادة.. مُسابقة الغزل.. سيتمّ إختيار شاب وشابة عشوائيًا ليصعَدا على الساحة ويقومان بإلقاء العبارات الغزليّة على بعضِهما البعض.. مَن يربح هو مَن يجعل الطَرَف الآخر مُشتَّتًا ولا يجد شيئًا لقوله.
المُسابقة تهدُف للمُتعة لا أكثر..
هل أنتم جاهزون؟

سحَب قطعةً من الورق المُجمّع في عُلبةٍ زُجاجيّة لينطِق رقمها:

- المُشترِكة رقم سَبعة..

ثُم سَحَبَ ورقةً أُخرَى وهتف في حماسة:

- المُشترِك رقم اثنان وعشرون.. فلتصعدا الآن!

صعدت هي على المسرح وأخذت تنتظر صعود مُنافِسها، فظهر بعد ثوانٍ ليجلس على كُرسيه كما فعلَت... وإنجذبت عيناهُ لخاصتيها فأطال التحديق، لتتشكّل إبتسامةٌ على ثغره بعد أن وقعت عيناه على وجهها الحسن.. للمرّة الاولى على الاطلاق!

لم يرَ مثل عينيها العسليّة ما أسَرَت عينيه السوداء، لم يتمكّن مِن التوقُّف عن التحديق فيهما، فظهر شبح إبتسامة على شفتيها وهي ترفع يديها المُتشابِكة على الطاولة، في إستِعدادٍ واضح، بعد أن تمعّنت النظر إلى هيئته كاملةً.

قلب لا ينبض.Where stories live. Discover now