7 والاخيرررر

119 4 0
                                    

نظر إلى الجدول الذي كنت أرسمه لتنظيم وقتي وقال ساخرا: هذه الخطط التي ترسمها على الورق، عندما تنام آتي أنا وأغير الأرقام والكتابات فلا تستفيد منها، تذهب إلى ميعاد مع صديق فأفتعل أي شيء كي أجعله يتأخر ويضيع منك الوقت وينتقل إليّ؛ أما هذه الأجهزة الإلكترونية التي تستخدمونها لتنظيم الوقت فهي أجمل شيء بالنسبة لي، يمكنني العبث بها بسهولة مطلقة، إجابتي على سؤالك كما قلتها لك هذا الصباح في بيت الرعب: لا يمكن أبدا القضاء على الكرونوثيف بيد إنسان مسلوب العمر.

رجعت خطوة للخلف ورفعت سيف العجوز في وجهه وقلت: حتى لو كان معي هذا؟ امتقع وجه الكرونوثيف وبدا عليه الارتباك قليلا، هويت بالسيف عليه؛ لكنه صد ضربتي بسيفه والتقى السيفان في جزء من الثانية ثم اختفى بعدها. لم أجد أي أثر له بعد ذلك؛ لكن أثر خبطته على سيف العجوز ظلت موجودة. وهذا يعني أن سيفه أقوى من سيف الزمن. هذا الكرونوثيف صعب حقا، ولا أعرف هل سيعود إلى بيت الرعب وهل سيتوقف عن مطاردتي أم لا.

الآن أنا سأنام فقد أصبح الوقت متأخرا، في الغد سيكون على أن أفتح بيت الرعب لأول مرة منذ أن أغلقه المدير الأسبوع الماضي، وسيكون هناك الكثير من الزوار. أغمض عيني وبجواري سيف الزمن يحرسني.

* * *

في اليوم التالي فاجأني حارس مدينة الملاهي عندما منعني من الدخول، وقال لي إن المدير فصلني! قلت له: كيف ولماذا؟ فتذكرت أني رحلت بالأمس دون أن أغلق لعبة بيت الرعب، وقال الحارس: إن المدير مر فوجد باب النفق مفتوحا ولا أحد بجوار اللعبة، فأصدر أمرا بطردي، وقام بتعيين شاب آخر مكاني.

استعطفت الحارس وقلت سأدخل كي أعتذر للمدير فرفض، وقال: إنه غير موجود. لم يكن هناك أمامي إلا أن أقطع تذكرة مثل أي زائر للمدينة، أول مرة أقطع فيها تذكرة لمدينة ملاه في حياتي؛ ولكني لم آت لألعب.. أنا هنا لكي أعرف هل رحل الكرونوثيف من بيت الرعب أم لا.

لم يكن من الممكن أن أدخل ومعي السيف طبعا؛ لكني أخذت معي من المكتبة بصورة عشوائية كتابا أقرأ فيه حتى لا تضيع مني ثانية واحدة فيأخذها الكرونوثيف سارق الوقت. وقد كان هذا الكتاب مصدر سخرية الجميع، فليس من المعتاد أن يقف المرء في طابور في انتظار لعبة بيت الرعب وفي يده كتاب عن الإدارة الذاتية وتنظيم الوقت! لكني لم أبال بالتعليقات الساخرة التي كنت أسمعها بين الحين والآخر. وقفت مع الزوار في الطابور منتظرا دوري لأركب القطار، بينما عامل اللعبة الجديد يتحدث مع رجل سقط منه هاتفه داخل النفق.

ابتسمت وأنا أتذكر نفسي في مثل هذا الموقف عندما كنت أساعد الزوار الذين فقدوا أشياءهم. وأخذت أتابع القلق الذي ارتسم على وجه الرجل الذي ربما سرق منه هاتفه المحمول أو ضاع، وكيف سيكون رعبه عندما يعرف كم فقد من الدقائق والساعات والأيام التي سرقها منه كرونوثيف.

جاء دوري لركوب القطار وكان معي مجموعة أطفال يبدو أنهم من مدرسة واحدة إذ كانوا جميعا يرتدون نفس الزي. والعجيب أنهم كانوا يشبهون بعضهم أيضا؛ حتى أني شككت في أنهم جميعا إخوة أو أقارب. ركبنا القطار ودخلنا النفق. لم يكن هناك أي شيء غريب، كل الألعاب كما هي. ولكني لم أر أي واحد من العفاريت، ولم أر الكرونوثيف. اقترب القطار من نهاية النفق فشعرت بارتياح. لقد رحل الجميع وأصبح بيت الرعب نظيفا. صحيح أني فقدت وظيفتي؛ لكن الكرونوثيف لن يطاردني أو يحاول قتلي. لعله رحل إلى مدينة ملاه أخرى.

وقبل النهاية بقليل توقف القطار وأظلم المكان تماما. لم يكن معي مصباحي الكهربائي ولا أي وسيلة للإضاءة، وخمنت أن الأطفال سيصيبهم الرعب من توقف القطار فقمت من مكاني محاولا تهدئتهم وقبل أن أقول شيئا رأيت الكرونوثيف واقفا يضحك وبيده سيفه يحركه يمينا وشمالا في حركة استعراضية. نزلت من القطار وتوجهت نحوه وقلت: إذا أردت أن تقتلني وأنا أعزل، فلا تفعل هذا أمام الأطفال على الأقل، هذا طلبي الأخير؛ ألست كرونوثيف طيب وتحقق لقتلاك طلباتهم الأخيرة؟

فجأة توقفت ابتسامة الكرونوثيف التي كنت أراها بصعوبة في الظلام وخيل إلي أنه أصيب بالرعب. لأول مرة أرى شيطانا في الظلام في بيت الرعب وهو مرعوب! لاشك أن ما يخيفه هو أمر خطير جدا، وأنا أولى بالخوف منه. ارتجفت لخوفه واستدرت خلفي لأجد كل الأطفال الذين معي في القطار قد قاموا وأخرج كل واحد منهم قوسا وسهما وأعده في وضع الانطلاق. أشار إليّ أحدهم أن أتحرك بعيدا عن شيطان الوقت، ثم انطلقت السهام كلها في لحظة واحدة لتخترق جسد الكرونوثيف.

عاد الأطفال إلى أماكنهم في القطار واقتربت أنا من الكرونوثيف الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يهذي بكلمات غير مترابطة: "السهم.. الوقت كالسهم وليس كالسيف.. السهم أسرع من السيف". التقطت السيف الذي كان قد سقط منه وغرزته في موضع القلب، وقلت: ولكن السيف أقوى من السهم. توقف الكرونوثيف عن الكلام وتحول جسده إلى شعلة من نار لم تلبث قليلا حتى تحولت إلى رماد.

عدت إلى مكاني في القطار دون أن أتبادل أي كلمة مع الأطفال الذين عرفت حقيقتهم الآن. وتحرك القطار مرة أخرى خارجا من بيت الرعب. نزلت من القطار ورآني بائع الكشك فاقترب مني وسألني عما حدث ولماذا تركت العمل ولماذا عدت لركوب اللعبة، ولماذا أحمل في يدي كتابا عن إدارة الذات؟ لم يستمع لإجابتي ولكنه قال إني غريب فعلا، ثم عاد إلى الكشك الذي امتلأ بالزبائن من جديد بعد أن عادت الحركة إلى بيت الرعب.

* * *

بجوار صور العلماء في غرفتي علقت سيف الزمن الذي أهداه لي العجوز، واشتريت مجسما لقوس وسهم. الآن اكتملت المجموعة، صور علماء يبحثون في فيزياء الزمن، وسيف يشير إلى قوة الزمن، وسهم يذكرني بسرعته. الآن وبعد أن جاءني الرد من إحدى الشركات التي كنت قدمت فيها أوراقي للبحث عن عمل، سأذهب لاستلام عملي في مختبر فيزياء جديد؛ ولكني لن أنسى أبدا ما تعلمته في تلك الفترة التي قضيتها حارسا لبيت الرعب. ستظل آثارها في غرفتي وفي داخل وجداني وفي أعماق أعماقي إلى آخر لحظة في العمر

بيت الرعبWhere stories live. Discover now