4

93 6 0
                                    

بدأ التنين الصغير بالكلام. هل يمكن أن يتكلم تنين؟ وهل يوجد أصلا تنين في الحقيقة؟ وما هذا المكان المرعب الذي أنا فيه؟ لم أفهم ما قاله لأني لم أسمعه جيدا، وجدت نفسي أقول أشياء مثل "أريد أن أخرج من هنا، دعوني أذهب، لا تؤذوني.." وهو يرد عليّ وأنا لا أفهم. كل ما أريده هو أن يفسحوا لي الطريق كي أخرج من هنا.

أشار الدب إلى التنين لكي يسكت واقترب هو مني وبدأ يتكلم. هذا أفضل قليلا، أن تتكلم مع دب هو أمر أيسر قليلا من الحديث مع كائن خرافي. قال الدب: لا تخف. تمنيت أن أفعل كما يقول، ولكن كان ذلك مستحيلا في هذه الظروف.

أحضروا لي كرسيا لا أعرف من أين، ووجدت نفسي أسقط عليه دون أن أشعر. جلسوا حولي كلهم في حلقة كبيرة؛ بينما طارت الخفافيش من موقعها السابق لتحط في مكان آخر أمامي. الدب هو الوحيد الذي ظل واقفا. نظرت إليه مستفهما عما يدور هنا فقال: طبعا أنت مندهش لما تراه، ولكننا نعرف أنك ستتغلب على دهشتك وخوفك، سأشرح لك كل شيء، نحن مجموعة من الكائنات التي لا يعرفها البشر، وكل ما لا تعرفونه فهو بالنسبة لكم عفريت أو جني أو نحو ذلك، لنقل إننا من العفاريت المسالمة التي تتصور في أشكال مختلفة، كنا نعيش في هذا المكان قبل إنشاء مدينة الملاهي ثم رحلنا في أصقاع الأرض، بعد مئات السنين من الدوران هنا وهناك اكتشفنا أن راحتنا لن تكون إلا في هذا المكان، فعدنا مرة أخرى لكي نموت هنا، فقد كبرنا كلنا واقترب أجلنا، عدنا فوجدنا الحي قد امتلأ بالبشر ولم يعد لنا مكان نعيش فيه، قضينا سنة كاملة ندرس المنطقة حتى اهتدينا إلى أن أنسب مكان لنا هو هذا النفق الذي تسمونه بيت الرعب، قررنا أن نقيم فيه ما تبقى لنا من العمر؛ فهنا يمكن أن نختفي وسط الألعاب، ولن يشك فينا أحد، وأيضا سنساعد في تسلية زوار النفق ببعض الخدع والألعاب، كان كل شيء على ما يرام حتى جاء هو.

كان يريدني أن أسأله بالطبع "من هو"؛ ولكني لم أستطع أن أفتح فمي من الرهبة؛ فتكفل التنين بالإجابة عن السؤال المفترض: هناك في كل مكان الجيد والسيء، وفي جنسنا كان هو أسوأ المخلوقات على الإطلاق. قال الدب مؤَمّنا على كلامه: نعم هو كالمجرمين في عالمكم، كأشد المجرمين شرا وأكثرهم خبثا.. إنه الكرونوثيف. أو بِلُغَتكم سارق الوقت، الكرونوثيف هو مخلوق مثلنا لكنه يحيا عمرا أطول إذا سرق عمر الآخرين، وله في ذلك حِيَل كثيرة كلها محرمة علينا، ولا نقترب منها؛ بينما هو لا يتورع عن التهام الأعمار طوال الوقت وخاصة أعمار البشر.

سألت بفضول بعد أن هدأ خوفي منهم قليلا: وكيف يسرق أعمار البشر؟ يقتلهم وهم صغار مثلا؟

قال التنين شارحاً: لا، هو لا يقتل، ليس لأنه لا يقدر على ذلك؛ ولكن لأن الموت هو ضياع الوقت، هو يسرق الأوقات من الأحياء، يتغذى على كل ثانية يمصها من أي إنسان، إذا نظرت في ساعتك ورأيتها تشير للخامسة وبعد قليل نظرت إليها فوجدتها في السادسة وقلت لنفسك إن الوقت يمر بسرعة، أو إذا اختلط عليك الأمر ولم تعرف هل اليوم هو الثلاثاء أم الأربعاء ووجدت أنه الأربعاء، فاعلم أن الكرونوثيف قد سرق منك ساعة أو يوما!.

قال الدب: كل الأوقات الضائعة تذهب إلى كرونوثيف، لا يوجد شيء يضيع في الحقيقة، ما يضيع يمكن أن تجده مرة أخرى إذا بحثت عنه، المشكلة في الأوقات المسروقة التي التهمها كرونوثيف، هذه لن تعود. ولا يوجد مكان أفضل من مدينة ملاه كي يقيم فيها الكرونوثيف، هنا تسهل سرقة أوقات الآخرين الذين جاءوا بأقدامهم ليستمعوا بوقتهم، معظمهم لا يلاحظ أن وقته يسرق منه، ولا يميز بين أن يستمتع هو بالوقت وبين أن يستمتع به الكرونوثيف الذي يحب أوقات الشباب وصغار السن بشكل خاص.

قال التنين: وقد جاء هذا الكرونوثيف إلى بيت الرعب واتخذه مقرا له، في البداية لم نتكلم معه، وتظاهرنا بأنه غير موجود، طوال اليوم هو يدور في مدينة الملاهي يتغذى على الأوقات المسروقة ثم يعود في المساء لبيت الرعب؛ لكنه لم يكن ينام مثلنا، كان يتسلى بإزعاجنا ومضايقتنا، وفي الأيام الأخيرة أخبرنا أنه أعجب بهذا المكان وبخيراته الكثيرة من الأوقات التي لا تجد من يلتهمها، وطلب منا أن نعمل معه في سرقة الأوقات لحسابه أو يطردنا من هنا!.

قال الدب وهو يجلس مهموما: لا داعي لهذا الكلام، نحن لن نسرق كما يريد الكرونوثيف، وهذا الإنسان لن يستطيع أن يساعدنا بشيء، لم يكن ينبغي أن نتحدث إليه يا تنين، هو عاجز مثلنا؛ بل ربما أكثر منا، دعوه يذهب.

نظر إليّ الجميع نظرة استجداء لكي أقول إني سأساعدهم، ونظرت أنا إليهم نفس النظرة كي يتركوني أذهب في سلام قبل أن يأتي هذا الكرونوثيف أو أفقد وعيي من الرعب في هذا المكان المخيف والمخلوقات الغريبة التي تجلس حولي.

بيت الرعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن