أثر الحب على الروح

416 24 13
                                    


الحب يوصل النفس إلى كمالها ويظهر المواهب الكامنة المحيرة..إنه يُلهم القوى المدركة..ويقوي مشاعر الإرادة والعزيمة..وإذا ما تسامى في العلى صنع الكرامات وخوارق العادات..إنه يُطهر الروح من الأخلاط والشوائب.
فالحب بعبارة أخرى..يُصفي..إنه يمحو الصفات الرذيلة الناشئة من الأنانية أو من البرود وانعدام الحرارة.
كالبخل..والتقتير..والجبن..والكسل..والتكبر..والعجب.
إنه يزيل الحقد..والحسد..وإن قيل إن الحرمان والإخفاق في الحب يمكن أن يخلقا بدورهما الحقد والعقد.

أثر الحب على الروح إعمار وبناء..وعلى الجسم تذويب..وتخريب.
إن أثره في الجسم عكس تأثيره في الروح..فهو في الجسم باعث على خرابه واصفراره ونحوله وسقمه واختلال هامته وأعصابه..وغير ذلك من صور الهدم والتخريب.
ولكنه في الروح ليس كذلك..بحسب موضوع الحب.
وما يريده المحب منه..فإذا تجاوزنا آثار الحب الاجتماعية.
فإنه من حيث آثاره الروحية الفردية تكميلي..لأنه يولد القوة والرقة والصفاء والاتحاد والهمة..ويقضي على الضعف والجبن والكراهية والتفرق والبلادة.
ويُنقي الروح والشوائب التي هي ( الدنس..بتعبير القرآن )
ويُزيل الغش ويجعل العيار خالصاً.

كما قلنا في البحث السابق إن للقلب الدور المركزي في صدور الأفعال كافة..وهذا الدور مرتبط بالشيء المحبوب الذي تعلق القلب به..ولهذا إذا صلح القلب صلح الإنسان بصلاح أعماله واستقامتها.
ومن هنا نعرف معنى كلام الإمام الصادق عليه السلام.
( وهل الدين إلا الحب )

ونقترب من جواب الإمام الباقر عليه السلام لسائل سأله إذا كان فيه خير أم لا..فقال عليه السلام له..
( إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك...)

 وسيكون من نتائج هذا الفهم وضوح أحد معاني الآية الكريمة:

﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ﴾

فالحب بدوره المركزي أضحى أحد أهم مميزات الإسلام. والتركيز على الحب ودوره في حياة الإنسان ومصيره ليس أمراً هامشياً أو عبثياً..لأن الإسلام أراد إصلاح الإنسان من خلال إصلاح مركز وجوده ومعدنه..هذا الإصلاح يتحقق عندما يتعلق القلب بالكمال الحقيقي الذي تعشقه الفطرة الإنسانية وتميل إليه.

فقلب الإنسان بحسب الفطرة التي فُطر عليها لا يمكن أن يتعلق بالنقص أو بما يُسبب له الضرر.
بل ولا يُمكن أن يتعلق بالكمال المحدود والفاني..ففي أعماق كل إنسان فطرة ينبثق منها هذا الحب..وهي لا تريد ولا تطلب سوى الكمال المطلق اللامتناهي.
وقد أرسل الله تعالى الأنبياء إلى الناس..ليس لأجل وضع الفطرة فيهم أو إنشائها في بواطنهم.
بل من أجل هدايتهم إلى ما تصبو إليه هذه الفطرة الكامنة فيهم.
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

( فبعث فيهم رسله..وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته..ويُذكروهم منسي نعمته..ويحتجوا عليهم بالتبليغ..ويُثيروا لهم دفائن العقول )

بعبارة أخرى بُعثوا ليدلوهم على المصداق الواقعي للكمال الذي ينشدونه..وهو الحق جل وعلا..حتى إذا سيطرت محبته على القلب زالت كل التعلقات الأخرى وعلى رأسها حب الدنيا على قاعدة.
( عظُم الخالق في أنفسهم فصغُر ما دونه في أعينهم )

 فيزول الانجذاب والتعلق بالكمال الزائل الفاني..ولا تتعلق قلوبهم إلا بما يرتبط بمحبوبهم.

يتبع

?خشعت الاصوات للرحمن ?حيث تعيش القصص. اكتشف الآن