الفصل الثالث عشر

Start from the beginning
                                    

و كأن القصر اختلف !! ....
بدا منيفا ... ضخما و مخيفا أكثر ........ ربما لأنهما يقفان امامه و لا يعلمان ماذا سيحدث خلال دقائق ...
و ربما لأنها أصبحت تمتلك ما تخاف عليه .... بعكس المرة السابقة التي كانت فيها فاقدة الروح و لا يهمها شيء .....
الليلة عادت فيها تيماء الى دار الرافعية ... و يقف قاصي بجوارها أمام الجميع .....
نظرت اليه تلتمس بعض القوة ... و كأنما قرأ الطلب في عينيها , فابتسم لها ابتسامة لم تطل الى عينيه و قال بخفوت شرس
( أنا معك للنهاية .......... )
ابتسمت له بضعف و هي ترى خوفه عليها في عينيه .... فهمست
( و أنا كذلك .......... )
حين دخل قاصي للقاعة الضخمة .... تتبعه تيماء ناظرة حولها بحذر , كانت هناك حالة من التوتر في المكان ....
تستطيع استشعار ذلك ... حتى الآن لا تعرف السبب الذي جعل جدها يأمرها بالمجيء على وجه السرعة ...
و كان قلبها منقبضا لما قد يحدث ....
فقالت بخفوت هامس
( قاصي ......... أظن أنه من الأفضل أن تنتظرني هنا و أنا سأذهب للبحث عن جدي .... حتى الآن أنا لا أعرف السبب الذي يريدني لأجله ..... دعني أسمع منه أولا ..... )
التفت اليها قاصي و قد بدت ملامحه مخيفة و عينيه حادتي النظرات وهو يقول بخفوت
( مستحيل ..........هل جننتِ ؟!! ..... )
الا أنها أمسكت بذراعه و هي تلاحظ تحفز جسده بوضوح ملتفتا اليها بكليته فهمست مترجية
( قاصي أرجوك افهمني ..... جدي يردني بشيء هام و صوته كان مخيفا , أنا لا أريد جرحه قبل أن أعرف السبب الذي يريد رؤيتي لأجله .... هذا الرجل أنا مدينة له على الرغم من كل شيء ..... كل ما أطلبه منك هو عدة دقائق فقط لا غيرها ...... و مع أي اشارة خطر سأصرخ منادية اسمك كما كنت أفعل دائما ... )
الآن لامست نقطة ضعفه و هذا ما رأته في عينيه بوضوح .... فعقد حاجبيه بألم , الا أنها ابتسمت له و همست مكررة
( فقط عدة دقائق ...... انتظرني هنا و لا تتكلم مع أحد .... )
ابتسم قاصي رغم عنه وهو ينظر اليها بعينين لم يصلهما المرح ... و قال بصوتٍ أجش
( سمعا و طاعة .... أمي ....... )
اتسعت ابتسامتها حتى ظهرت غمازتيها عميقتين ... و نظر كل منهما الى عيني الآخر ...
الشفاة تبتسم .... أما الأعين فتحوي الخوف على الآخر ......
أبعدت تيماء يدها عن ذراعه ببطىء و كأنها تسلخ نفسها عن جزءٍ حي من جسدها و همست باختناق
( فقط عدة دقائق .......... )
انزلقت يدها على ذراعه حتى وصلت الى معصمه ... و رسغه ... فقبض عليها بكفه قبل أن تهرب بها ....
سمعت صوت قرقعة مفاصل أصابعها الهشة , الا أنها لم تبالي بالألم ... فقد كانت تعرف أي حالٍ يعانيه الآن ...
جذبت كفها من يده اخيرا برفق ... حتى امتثل و تركها على مضض , فسارعت تستدير عنه قبل أن تضعف و تترجاه مجددا أن يهرب بها من هنا ....
و حثت خطاها على الجري دون هدى ... تاركة اياه ينظر في اثرها بعينين تحترقان و صدرٍ يخفق بعنف ...
.................................................. .................................................. ......................
صعدت تيماء السلالم جريا حتى وصلت الى الباب الضخم لجناح جدها ....
فوقفت أمامه تلهث و يدها على صدرها الخافق .... تحاول تهدئة رعبها ....
الرعب يتحول الى ذعر من مصير لا يعلمه الا الله ...
الا أنها تماسكت في النهاية .... و أخذت نفسا عميقا مرتجفا , لكن و قبل أن تطرق الباب , سمعت صوت فريد يقول من خلفها بدهشة
( تيماء !! ........ متى وصلتِ ؟!! .... )
استدارت تيماء من مكانها مندفعة و هي تنظر اليه عند بداية الممر يقترب منها ...
فقالت بقلق
( مرحبا فريد ..... هل كنت تعلم بقدومي ؟!! ..... )
وصل اليها فريد و قال بحيرة
( نعم ..... الجميع ينتظرك , لكن لم نعلم بوصولك ...... )
رمشت تيماء بعينيها و هي تهمس و قد تضاعف قلقها
( لماذا ينتظرني الجميع ؟!! ...... )
عقد فريد حاجبيه و قال بغموض
( الم يخبرك جدك عن سبب قدومك ؟!! ........... )
ابتلعت تيماء ريقها و همست باعياء
( لا ..... لم يخبرني بعد , ما الأمر ؟؟ ..... أرجوك أخبرني .... )
تنهد فريد وهو ينظر أرضا يضع يداه في خصره بتوتر .... ثم لم يلبث أن قالت بهدوء ناظرا اليها
( يريدك أن تعجلي في الإختيار ...... اختيار زوجا لكِ .... )
اتسعت عينا تيماء بذهول .... و هي غير مستوعبة لما نطقه فريد للتو ..... و حين رأت علامات الجدية على وجهه هتفت همسا
( و هل هذا وقته ؟!!! ...... لديكم حالة وفاة هنا و جدي لا يزال يفكر في الأمر و يطلبني على وجه السرعة كي أسرع به ؟!!!!! ..... )
قال فريد بصوت خفيض
( هناك ما جد في الأمر يا تيماء ........ )
عقدت حاجبيها و صمتت تنظر اليه ... يبدو قلقا غير راضيا .... فقالت بتوتر و أعصابها تكاد أن تنهار
( ماذا ؟!!! ....... ما الجديد ؟!! ...... )
مط فريد شفتيه بتوتر , ثم نظر الى عينيها قائلا
( جدك سيخبرك حين تدخلين اليه .....لكنني سأنصحك بمن تختارين ..... اختاري زاهر .... لو تأزم الأمر كثيرا فاختاري زاهر ابن عمك حاليا ..... )
اتسعت عيناها أكثر و أكثر .... و فغرت شفتيها ....
كانت تهز رأسها بغباء و هي غير متفهمة فاقترب منها فريد خطوة و قال بجدية
( اسمعيني الآن جيدا ... اختيارك لزاهر سيمنحك الفرصة كي تتهربي من قانون جدك حاليا .... فزاهر سيرفضك ما أن تختاريه ..... )
عقدت تيماء حاجبيها و هتفت بغضب أنثوي
( يرفضني !!! ..... ذلك الجلف الفظ يرفضني أنا ؟!!! ...... و هل سيجد من هي أفضل مني ؟!! و هل هناك من ستقبل به من الأساس ؟!! ... )
هتف فريد همسا بقوة
( نعم سيرفضك يا غبية ..... زاهر ينوي الزواج بالفعل , الا أنه ينوي الزواج من اثنتين .... و لو تزوج بكِ فلن يستطيع حينها الجمع بينكما ..... )
هزت تيماء رأسها و هتفت همسا بشراسة
( المختل ينوي الزواج باثنتين و لا يريدني احداهما !!! ...... بالله عليكم لماذا اهملتم علاجه حتى الآن ؟!! .... كان من المفترض أن يدخل الى مصحٍ عقلي منذ زمن ..... )
زفر فريد و همس بجدية
( هو يريد الزواج و الحصول على أطفال ..... و يريد في نفس الوقت فتاة أخرى لا يمكنها أن تنجب ... لأنه يريدها منذ سنوات و قد سنحت له الفرصة أخيرا ..... )
كان العالم يدور من حول تيماء و يجعلها تبدو كطفلٍ غبي يقف في منتصف الطريق لحظة اضاءة اشارة المرور الخضراء .....
و قبل أن تسأل .... أجابها فريد ببطىء كي تستوعب
( يريد الزواج من مسك .... و لن يستطيع الجمع بينكما .... )
الكثير من المعلومات !!!!
بل الكثير من الجنون !!! ....
بل الكثير و الكثير من البلايا .. واحدة تلو الأخرى حتى أصبح اسم عائلة الرافعي مرتبطا بالنسبة لها بالبلايا القاتمة الكحلية ....
ما أن فغرت تيماء شفتيها و تكلمت حتى همست بغباء ذاهل
( الوغد عديم التقدير .... عديم التحضر و المتأخر عن البشرية كلها ..... السافل عدو المرأة .... )
همس فريد بقوة
( أفيقي يا تيماء ... ليس هذا وقت مناصرة قضايا المرأة ........ )
هزت تيماء رأسها بقوةٍ و هي ترفع يدها الى جبهتها محاولة استعادة اتزانها .... ثم أشارت بغباء الى باب الجناح و همست
( يجب ...... يجب أن أدخل ..... لا مفر ..... )
استدارت تيماء لتدخل الا أنها عادت و نظرت اليه و سألته بتوتر
( كيف حال سوار ؟؟ ........ )
ضاقت عينا فريد وهو ينظر اليها علمت أن هناك المزيد من الأخبار السيئة .... الا أن فريد قال بجمود
( سوار بخير .... لا تزال تحت تأثير الصدمة الا أنها لا تستسلم أبدا .... )
أومأت تيماء برأسها بعدم فهم .... ثم همست بخفوت شارد
( سأمر بها للإطمئنان عليها ما أن أخرج من جناح جدي ..... هذا إن خرجت أصلا ..... )
نظرت تيماء الى عيني فريد فابتسم لها متعاطفا ... الا أن عينيه كانتا رافضتين لما سيحدث ....
لكن تيماء أبعدت وجهها و شجعت نفسها و طرقت الباب ....
ثم دخلت حين سمعت صوت جدها يدعوها للدخول ...
دخلت تيماء الى ذلك الجناح .... الجناح الذي ودعت به جدها منذ أربعة أشهر و اكثر قليلا ....
كان متعبا ... مقسوم الظهر بعد وفاة سليم .....
بدت سنوات العمر على وجهه يومها و بدا غير قادرا على الإستقامة لوداعها ....
يومها قبلت يده و دموعها على وجنتيها ... تهمس له بأنها ستغادر مضطرة , فهي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الألم ... و امها تحتاج اليها ...
أما اليوم ....
فقد رأته كسليمان الرافعي الذي عرفته دائما ....
كان جالسا في كرسيه الضخم الوثير بجوار النافذة ..... ممسكا بعصاه كالعادة ...
مهيب الملامح ... صلب القسمات , .... عيناه كعيني صقر طاعن في السن الا انه لا زال صقرا جارحا ....
استطاعت بلمحة واحدة رؤية والدها يجلس بالقرب منه ....
فالتقت أعينهما للحظات ....
الوجع القديم .....
ذلك الوجع كلما التقت أعينهما .... ذلك الرجل الذي نبذها طفلة و ذبحها مراهقة ... و قتل أنوثتها و جعل منها شبح امرأة باهتة أسيرة لذكرى مريرة لم يرد بها سوى ايقاع أشد درجات الذل و الهوان ...
أبعدت تيماء عينيها عن عيني سالم الصارمتين .... و نظرت الى جدها تهمس بخفوت
( السلام عليكم يا جدي ....... لقد وصلت .... )
التفت سليمان الرافعي ينظر اليها و قد بدت تعابير وجهه صعبة القراءة ..... ثم مد كفه اليها , يدعوها أن تقترب منه و تقبلها ... قائلا بخشونة
( تعالي يا صغيرة ....... اقتربي ... )
حسنا انها تكره أن يدعوها جدها الى فعل ذلك , لكنها تغاضت عن امتعاضها و اقتربت منه تتجنب النظر الى والدها و جثت على ركبتيها أمامه تقبل كفه ثم رفعت وجهها الشاحب اليه ...
مد سليمان كفه الخشنة يلامس بها وجنتها الناعمة كوجنات الأطفال ثم قال بصرامة
( لماذا لم تخبرينا بساعة وصولك كي أرسل عبد الكريم اليكِ بالسيارة ؟!!! .... كيف وصلتِ وحدك ؟؟ .... )
ارتبكت تيماء بقوة و رمشت بعينيها قبل أن تقول بسرعة كي لا يطيل في هذا الحوار
( لا بأس جدي .... حين وصلت للمحطة وجدت احدى سيارات الأجرة الخاصة بالسفر أوصلتني الى هنا سريعا ..... لم أجد الوقت كي أهاتفك , دعك من هذا الأمر و أخبرني عن صحتك .... )
قال سليمان بهيبة و صلابة
( الصحة ملك لمانحها ..... أتركي صحتي الآن و استمعي الي جيدا ..... )
أخذت تيماء نفسا عميقا .... و رددت عدة آياتٍ في سرها كي تسيطر على الذعر بداخلها مستعدة للكارثة المحدقة بها ....
ثم قالت بخفوت و هي تختلس النظر الى عيني والدها الغاضبتين ....
( جدي .... هناك ما س ......... )
الا أن سليمان قاطعها ليقول بصرامة و غضب
( لقد تأخرتِ جدا فيما طلبته منكِ يا فتاة ..... تأخرتِ جدا ...... و الآن نحن في مزنق بسبب دلالك ..... كان عليكِ اختيار أحد أبناء أعمامك منذ أشهرٍ و الإنتهاء من الأمر سريعا ... الا أنك ماطلتِ و تهربتِ الى أن حدث ما حدث ...... )
عقدت تيماء حاجبيها و قالت بخفوت
( ما الجديد يا جدي ؟!! ..... هذا هو ما أنتظر سماعه منذ وقتٍ طويل ..... )
زفر جدها زفرة قوية قبل ان يقول بقوة
( عقدنا جلسة صلح كبيرة بين عائلتي الرافعي و الهلالي طلبا منهم لإنهاء الثأر ..... جلسة حضرها كبار البلدة و شيوخها ...... انتهى الأمر بعقد زواجين متبادلين .... شاب و فتاة من عائلتنا ... لشاب و فتاة من عائلتهم ....... و قد طلب يدك احد شباب عائلة الهلالي بعد أن رآكِ في حفل الزفاف مع سوار ..... )
تركت تيماء يد جدها ببطىء و هي تنظر اليه بوجهٍ باهت .... ميت .... ميت من شدة ما أطاح بها من هذه العائلة ....
بقت جاثية أمامه أرضا و كأنها ترجو العفو عن شيء لم ترتكبه ....
و ما أن وجدت صوتها أخيرا حتى قالت بصوتٍ لا حياة به ...
( امنحني الفرصة كي أفهم هذا يا جدي ..... في البداية كنت تصر على أن أتزوج من أحد أبناء أعمامي .... أما الآن فأنت مستعد لتزويجي لابن عائلة أخرى ايقافا للثأر ؟!!! ....... )
بدت عينا جدها غريبتين عليها و هما تنظران الى عدم استيعابها الذاهل .... الى أن قال أخيرا بصوتٍ أجش هادر القوة
( الذنب ذنبك ...... لقد تأخرتِ في الإختيار , و قد رآك احدهم هناك و انتهز الفرصة ما أن بدأ عرض الأمر في عائلة الهلالي ..... )
زفر جدها بغضب و كبت و هو ينظر من النافذة الى الليل القاتم الممتد أمامه ... ثم قال أخيرا بصوتٍ متعبا ... غاضبا و عنيفا
( لازلتِ بعيدة كل البعد عن مجتمعنا ... تجهلين أحكامنا و قوانيننا ...... تجهلين معنى الدم ... تجهلين معنى تجاهل الثأر .... تجهلين الحرب الطاحنة بداخل رجلا مثلي , تقتله الرغبة في الأخذ بثأر حفيده بينما الحكمة تأمره أن يتغاضى عن نار الدم الحارق بصدري ... و يعمل على الصلح صاغرا .... )
نظر سليمان الى وجه تيماء الذي كان يهتز باشارة نفي غير مفهومة ... ثم قال متابعا بقسوة
( أبناء أعمامك يريدون الثأر ... وحينها يضيعون واحدا تلو الآخر ما بين سجنٍ و قتل ....... )
فغرت تيماء شفتيها المرتجفتين و هي تنظر الى جدها بعينين مبللتين بدموع قهرٍ حارقة... ثم رفعت يدها الى صدرها اللاهث و همست بعدم تصديق
( و كان القرار أن أكون أنا الحل ؟!!! ...... أنا دون غيري ؟!!! ....... أنا التي لم أرى من هذه العائلة سوى النبذ طوال سنوات عمري !! ...... )
استدارت على ركبتيها و هي لا تزال جاثية أرضا تنظر الى وجه والدها القاسي و صرخت فجأة بعنف ...
( أنت ...... أنت ........ تجلس الآن صامتا ... بارد القلب و الشعور و أنت تقدمني بمنتهى البساطة كضحية لايقاف الثأر .... و تنتظر مني الموافقة بهدوء و طاعة ؟!!! ..... حتى الآن لازلت الرجل الأكثر فظاعة و قسوة في حياتي .... لم ترفع يوما اصبعا للدفاع عني , بل رفعت يدك لتقتلني .... و الآن تجلس صامتا !!! ...... )
نهض سالم من مكانه مهتاجا وهو يصرخ بعنف
( احترمي نفسك يا عديمة الحياء ....... أنت لازلتِ كما أنتِ ..... قذرة .... )
نهضت تيماء على قدميها و هي ترتجف من شدة الغضب لتصرخ بعنف أكبر
( أنا قذرة !!...... أنا قذرة !!!........ نعم أنا قذرة لأنني لم أجد أبا يتولى أمر تربيتي يوما , ..... أنت تخليت عني و فضلت اختي و جعلت منها ابنتك الوحيدة .... )
صرخ بها والدها وهو يرفع سبابته في وجهها هادرا
( أنا لم أتخلى عنكِ يوما ...... كنت تحيين مع امك حياة مترفة , لم ينقصكِ أبدا شيئا ..... كنتِ أعطيك مثل ما اعطي مسك تماما , لكن أنتِ وضيعة النفس منذ صغرك ..... لا ترين الا ما بيد غيرك و تنتقمين حين لا تحصلين عليه ...... انتقمتِ مني وواعدتِ خادما عندي و مرغتِ رأسي بالوحل ...... و تريدين مقارنتك بمسك !!! .... شتان ..... شتاااااااااان ..... )
كانت فاغرة فمها بينما الدموع تجري على وجهها الأحمر من شدة الغضب و هي غير مصدقة لما تسمع
حتى بعد كل هذه السنوات !!! .... لم يشعر ولو بذرة ذنب لتخليه عنها !! ... ذرة ... فقط ذرة لتجعلها تشعر بالآدمية في حياته ....
صرخت تيماء و هي تنشج بنحيبٍ قوي
( لم تمنحني ما تمنيته طوال حياتي ..... وجودك بجواري , لكان أهون لي أن تموت .... أن أدعو لك و أبكي على قبرك .... لا أن تنبذني و كأنني قطة مصابة بالجرب , تركلها بقدمك كلما اقتربت منك ..... أتتذكر كم مرة توسلت لك بها أن أقابلك .... أمكث معك ..... أو حتى أراك من آنٍ لأخر .....
و الآن تخبرني أنكِ أعطيني مثل ما أخذت مسك ؟؟؟ ..... مسك التي لا تزال تجلس على ركبتيك في سنها هذا !! .... )
صرخ بها سالم بقوة و قد انتفخت أوداجه و أحمرت العروق في عنقه من شدة الغضب
( أعطيتك ما استطعت اعطاءه ........ لم أستطع المزيد , لم أملك المزيد .... )
عضت تيماء على شفتيها المرتجفتين و هي تشهق بنحيبٍ عنيف .... ثم همست باعياء
( لم تستطع المزيد ؟!! ...... لم تستطع حتى رؤيتي ..... أخبرني فقط لمرة واحدة بحياتك , هل أحببتني يوما ؟؟ ...... هل فعلت ؟؟؟ ..... )
ساد صمت مروع بينهما .... كان سالم ينظر اليها بعينين غائمتين , فتح فمه ... الا أنه عاد ليغلقه و هو يبتلع غصة بحلقه ....
حينها فقط رفعت تيماء كفيها تغطي بهما وجهها و هي تبكي بعنف هاتفة من بين كفيها
( ياللهي !!! ......... )
أما سليمان فقد كان مخفض الوجه وهو يستند الى عصاه بكفيه و جبهته ... غير قادر على النظر اليهما ....
نبتة فاسدة .... ولديه ... عمران و سالم .... لذا فمن الطبيعي ان تكون براعمهما تحمل مرضا غير قابل للعلاج ....
.................................................. .................................................. .....................
كان قاصي ينظر الى أنحاء القاعة المهيبة ....
يداه في جيبي بنطاله وهو يراقب تلك الزوايا و الأركان بنظراتٍ غامضة .....
تلك الزوايا التي شهدت على الكثير من الظلم .... كان هو البطل بمعظمه ......
لم يقاسمه البطولة سوى شخص واحد ....
تيمائه ..... أرضه المهلكة ......
أقسم أن يعود و عاد .....
أقسم أن ينال الثأر لأمه .... لكن وجود تيماء أخره ..... و درعه كان سليم ....
و ماذا حدث الآن ؟ ......
مات سليم و خرج عمران .... و عادت الأيام لتجري بين تلك الجدران و الزوايا و كأن شيئا لم يكن .....
همس قاصي بصوتٍ خافت مخيف
( فلتجري الأيام حاليا ....... ... لا بأس .... )
خسر الكثير الا أنه ربح تيمائه .... و كان هذا الربح هو القوة التي ستمنحه الطاقة و الإنتظار ....
استدار يرفع وجهه الى حيث اختفت تيماء ... الا أنه رآى سوار تقف أمامه بباب القاعة ....
كانت تبدو كشبح ... فقد فقدت الكثير من وزنها و باتت شاحبة الوجه و هشة الجسد ....
لكن العينين العسليتين لم تفقدا ذرة من قوتهما الجبلية .... صلبتين و قاسيتين ....
اقترب قاصي منها و قال بصوت خافت
( سيدة سوار ......... هل أنت بخير ؟؟ ..... )
رفعت سوار ذقنها و نظرت الي قاصي طويلا قبل أن تقول بخفوت و دون مقدمات
( لماذا أحضرت تيماء الى هنا يا قاصي ؟؟ ...... )
ضيق قاصي عينيه و تحفزت عضلات جسده وهو يستشعر القلق لكنه قال بحذر
( إنها المرة الأخيرة ........ لن أحضرها الى هنا مجددا سيدة سوار ... )
قالت سوار بلهجة جليدية ...
( لن تكون الأخيرة يا قاصي .... الم تفهم بعد ؟ ...... إنها الآن تواجه نفس ما واجهته أمي منذ سنوات طويلة .... يريدون التنازل عن دم زوجي بها ...... )
أخرج قاصي يديه من جيبي بنطاله ببطىء .... وهو ينظر الى سوار بملامح أخذت تتجمد و تتشنج ...
و عينين تتسعان تدريجيا ... ثم نظر الى حيث اختفت تيماء فجأة .....
ووجد قدميه تتحركان ببطىءٍ دون ارادة منه ....
و أخذت خطواته تتسارع فجأة الى ان بدأ يعدو وهو يصعد السلالم كل درجتين معا مناديا بقوة و صرامة عنيفة هادرة ....
( تيماااااء ........تيماااااااااء .. )
وصل الى الرواق المؤدي الى جناح جده .... و هناك وجدها !!!
وقف قاصي مكانه لاهثا وهو ينظر اليها واقفة في الرواق ... مستندة بكتفها الى الحائط و تبكي كطفلة بوجهٍ متورم .... فغر شفتيه وهو يراها تنزلق على الحائط حتى جلست أرضا و اخذت تبكي و تبكي ....
حينها اندفع اليها و ما أن وصل حتى جثا بجوارها و امسك بكتفيها يهزها قليلا وهو يقول بخوف
( ماذا حدث يا تيماء ؟!! ..... ماذا فعلوا بكِ ؟؟؟ .... )
رفعت تيماء وجهها الأحمر اليه و نظرت اليه طويلا و هي تبكي بصمت , قبل أن ترفع يديها و تمسح بهما وجهها و همست باختناق
( يريدون تزويجي برجل ... لا أعرفه و يحملونني دما مستقبليا في عنقي إن لم أوافق و قالو كلاما غريبا لم أفهمه .....و أبي .... أبي لم يتحرك للنطق بكلمة و ما أن نطق حتى قال أنني قذرة و انني ..... )
كانت عينا قاصي تتوحشان مع كل كلمة تنطق بها ... على الرغم من انها كانت تهذي بكلماتٍ متبعثرة ...
و دون أن يرد عليها نهض و جذبها من ذراعيها بقوةٍ حتى أوقفها على قدميها ثم أمسك بكفها و جرها خلفه بقوة ....
اتسعت عينا تيماء و هي تنظر اليه مدركة بأنه يتجه عائدا بها الى جناح جدها .....
حاولت التشبث في الأرض بقدميها و هي تهمس بهلع
( انتظر يا قاصي .... انتظر الأمر لا يحتمل الآن ...... )
الا أنه كان في حالٍ من الهياج جعلته يبدو كالمجنون .... و يوشك على قتل أحدهم ....
وصل الى الباب المفتوح فأمسكت تيماء بإطاره و هي تهمس بتوسل مذعور
( لا تفعل الآن .... أرجوك ..... لا تفعل ..... )
الا أن قاصي جذبها بكل قوة و عنف حتى تركت اطار الباب و تعثرت فكادت أن تسقط أرضا الا أنها تماسكت وهو يجرها خلفه مجددا حتى وقف أمام جدها ووالدها ....
ساد صمت صادم بين أربعتهم ....
سليمان الرافعي ينظر الى قاصي بصدمةٍ عنيفة , لم تلبث أن تحولت الى غضب جارف وهو يرى كف قاصي الممسكة بيد تيماء دون حياء أو أدب ....
بينما كان سالم في حالة من الذهول ... عاجزا عن النطق أو التصديق .....
أما سليمان فكان أول من تمالك ذهوله و هدر بقوة
( اترك يدها يا ولد ..... كيف تتجرأ على التصرف بهذا الشكل الوقح ..... )
حاولت تيماء نزع يدها من كف قاصي بذعر , الا أنه لم يسمح لها بل شدد يده عليها بقوة عنيف وهو ينقل عينيه بين سليمان و سالم بنظراتٍ نارية قاتلة تتوهج بجنون
هجم عليه سالم صارخا بغضب
( ابعد يدك عن شرفي أيها القذر ...... الا تمتنع عن غدرك أبدا .... )
لكن سالم كان أوهن من أن ينتصر على قاصي الذي قبض على مقدمة قميصه دون أن يحرر كف تيماء و جذبه بعنف ليهمس بشراسة من بين أسنانه الشبيهة بأسنانِ قرشٍ جائع
( تيماء ليس قذرة ........ و الشيء الوحيد الذي يحميك من غضبي هو أنك والدها لحسن حظك و سوء حظها .....)
دفعه بقوةٍ فتعثر سالم للخلف حتى كاد أن يقع ... فهمست تيماء بارتياع
( ياللهي ....... ياللهي اجعل هذه الليلة تنتهي ....... )
الا أن صوت قاصي قصف كالرعد
( تريدون منها أن تكون تتزوج لإنهاء الثأر بين العائلتين ؟!! ...... بأي حق تحكمون ؟!! .... أي ضمير لديكم ؟!! ..... )
نهض سليمان من مكانه بعنف فارتج كرسيه من خلفه وهو يهدر بعنف
( اخرس يا ولد و أخرج من من هذا الدار حالا .... اترك كف حفيدتي قبل أن أفرغ اعيرة سلاحي كلها بصدرك .... )
صرخت تيماء بذعر , الا أن كف قاصي شدت على كفها بقوةٍ محطمة ....
و هدر متابعا
( كنت اتوقع هذا من الجميع الا منك يا ...... جدي ....... لكن لا تقلق لن أنطقها مجددا , لأنني لا أريدها .... ما أريده سأمد يدي و أختطفه بنفسي .... )
رفع كف تيماء أمام عيني سليمان و سالم الذاهلتين و تابع صارخا
( مثل كف تيماء التي أمسكها تلك في قبضتي ....... )
صمت قاصي للحظة يلتقط أنفاسه الهادرة ..... ثم لم يلبث أن صرخ بقوةٍ زلزلت ارجاء المكان
( يؤسفني أن افسد خطتكم ...... فلقد سبقتكم , لقد عقدت قراني على تيماء ظهر اليوم و انتهى الأمر ..... )
جلس سليمان على كرسيه ذاهلا .... بينما اتسعت عينا سالم و بهت وجهه تماما كمن فقد القدرة على استيعاب الموقف ....
أما تيماء فقد أخفضت وجهها و هي تتشبث بذراع قاصي و تختفي خلفها مرتجفة بصمت ......
قال سليمان اخيرا بصوتٍ مخيف
( هل هذا صحيح يا فتاة ؟!! ....... هل تزوجتهِ دون وليً ؟؟...... )
ظلت تيماء على صمتها ووجهها مطرق أرضا لعدة لحظات .... قبل أن ترفعه أخيرا لتنظر الى جدها بصمتٍ بائس ثم همست
( و من كان ولييِ يا جدي ؟؟ ...... لم يكن هناك سوى قاصي ...... دائما و أبدا .... )
انعقد حاجبي سليمان بشدة و قال بصوتٍ مهزوم خشن
( اخرجي من هنا ..... لا أريد أن أراكِ مجددا ....... )
هتف سالم بجنون
( كيف تخرج يا حاج سليمان ..... سأقتلها , سأقتلهما معا ......... )
لم تكن تعلم ان كان والدها لديه سلاح في تلك اللحظة ... الا أنها كانت تعرف بأنه صادق و أن السلاح لو كان بيده حاليا لقتلهما دون تفكير ...
لذا و دون تردد تركت ذراع قاصي و وقفت أمامه و هي تقول برعب
( اقتلنا معا اذن ..... لم أعد أهتم , لقد مررت بهذا الموقف من قبل .... على الأقل أنا الآن أدافع عن زوجي ... )
الا أن يد قاصي التي لا تزال ممسكة بكفها دون رحمة ... جذبتها للخلف حتى تعود و تحتمي خلفه ووقف في مواجهتهما ينظر اليهما بصمتٍ قاتل وهو يقول
( انتهت المقامرة بها ..... فلتبحثوا عن غيرها لقوانينكم ..... تيماء قدرت لي منذ البداية و أنا لن أتركها .... )
ساد صمت ثقيل عليهم و تهاوى رأس سليمان وهو يقول أخيرا
( عقد زواجك هذا باطل .......... )
ابتلعت تيماء غصة في حلقها و همست باختناق
( العقد الباطل يا جدي هو ما كنتم سترغماني عليه ..... لقد قطعت عليكم السبيل لاحتجازي و اجباري و أنت تعلم أنك كنت لتفعل ذلك ....... )
ظل سليمان مطرق الرأس غير قادرا على النطق .... بينما قال سالم بصوتٍ بشع النبرة
( اكبر خطأ ارتكبته في حياتي هو انجابك ..... منذ اليوم الأول و أنا أعرف بأنكِ ستكونين وصمة عارٍ لي ..... كنت تتمنين هذا منذ طفولتك .... متمردة و لا تعرفين الأخلاق , ترفضين كل قانون ..... و الآن تتزوجين من ذلك الحقير عديم الأصل ... و الذي لا جذور له ... و تغمرين نفسك في المستنقع معه لا لشيء الا لاذلالي ...... )
نظرت تيماء الى قاصي بهلع بعد أن نطق والدها بتلك الكلمات المسممة .... و كانت تعرف بأنه قد ضربه في مقتل ....
فرأت الألم يعصف بعينيه .... و القسوة تزداد في ملامحه , أما أصابعها فقد سُحِقت بين أصابعه الفاقدة للإحساس بشكلٍ مهدد بكارثة ...
حينها قالت أخيرا و بقوة تدافع عن زوجها بكل قلبها العاشق الأمومي
( هذا ما تتخيله أنت ..... الحقيقة أنك أصبحت خارج دائرة اهتماماتي منذ سنواتٍ عدة .... لقد تزوجت قاصي لأنه الرجل الوحيد الذي رعاني و اهتم بي .... و ليس بي فقط بل بمسك أيضا .... حتى أنت لم تستطع ابقائه بعيدا عنها في مرضها ..... صلته بنا أنت بدأتها لكنها تعمقت و غرست جذورا صارت اقوى من أن تستطيع اقتلاعها .... أنت منحت له الجذور التي لا يمتلكها يا أبي .... )
رفع سالم عينيه الى عيني قاصي و قال بصوتٍ شديد الخفوت
( أفعى ...... أفعى و ربيتها ببيتي فطالت و بثتني من سمها ..... )
أظلمت عينا قاصي بشدةٍ و التوى حلقه , الا أن تيماء كانت هي المشددة على قبضته هذه المرة .... ثم ربتت على ظهر كفه و همست
( أتركني للحظة فقط يا قاصي ..... فقط للحظة ..... )
نظر اليها قاصي بنظرةٍ فارغة و كأنه لا يراها .... حينها جذبت تيماء كفها برفق و اتجهت الى جدها ببطىء ... متعثرة فوق البساط الشرقي الثمين القديم ...
حذرة لأي حركة من والدها ... تعرف بأنها قد تكلفها حياتها و حياة قاصي .....
الا أنها كانت عازمة على أن تدافع للنهاية عن حبها ... لذا وصلت الى جدها و عادت تجثو أمامه ... تنظر اليه بصمت و قد ظهرت عليه الضربة الثانية بعد موت سليم ... فشعرت بوجعٍ بائس يعتصر قلبها ...
لكنها همست بصعوبة و تردد ...
( جدي لقد جئنا اليك بأرجلنا .... نعلم بأننا قد لا نخرج من هنا أحياء ... و مع ذلك جئنا , لسبب واحد فقط .... أنا لا أريد أن يكون عقد زواجي باطلا .... أرجوك أن تكون وليي ... لا تتخلى عني ... )
رفع سليمان وجهه اليها , ينظر الى عينيها بنظراتٍ فقدت للمحبة القديمة ... ثم قال أخيرا بصوتٍ جامد كالحجر
( أنتِ من تخليتِ عن عائلتك كلها لأجله ...... )
شعرت تيماء بأنه قد صفعها , الا أنها هتفت بحرارة
( الأمر أكبر من ذلك يا جدي .... كان هو عائلتي الوحيدة .... لا أستطيع أن أتزوج رجلا آخر بينما عمري كله الا قليلا قضيته و أنا أتمنى الزواج بقاصي ..... لقد اهتم بي في أكثر أيامي وحدة .... ليس من العدل أن تحكم بقتلاعه مني و زرعه في قلب مسك .. لمجرد أنني الارض التي ستأتي لأبي بالوريث .... هذا ليس عدلا ..... كيف لأخت أن ترى الرجل الذي ترغب في الزواج منه متزوجا من أختها ..... و هي تتزوج ابن عمٍ لها .. و تدور دائرة الحرمان و البغض بين أربعتنا ... و تبقى الأرض .... نحن أهم من الأرض يا جدي ...... قلوبنا أهم من الأرض و من عاداتٍ بالية منذ جدود الجدود .... أرجوك افهمني .... )
نظر جدها اليها طويلا ثم قال بهدوء
( هل انتهيتِ ؟؟ ............. )
زفرت تيماء بيأس و بقت جاثية مكانها أرضا ... مطرقة الرأس و كفيها على ركبتيها باستسلام ...
ثم همست بألم
( نعم انتهيت ........... )
نهض جدها واقفا أمامها , فرفعت وجهها تنظر اليه من مكانها أرضا ... تحاول السيطرة على ذعر ضربات قلبها بينما هو ينظر اليها من علو ثم قال بصوتٍ جاف خالي من المشاعر
( سأكون وليك ....... )
انتفضت تيماء مكانها و صرخ سالم غاضبا , الا ان سليمان رفع يده و هدر بقوةٍ فجأة
( كفى ......... )
الا أن تيماء أمسكت بطرف عبائته و همست بشكرٍ حار
( أشكرك ..... أشكرك يا جدي ..... )
لكنه عاد و قاطعها بنفس اللهجة الصارمة
( اصمتي ........... )
زلزلتها الكلمة و جعلتها تبتلع كلماتها المتبقية ... ناظرة اليه باستعطاف الا أنه نفض عبائته من بين أيديها بعنف ثم قال بصوتٍ جامد كالصخر
( لن أقبل أن تتزوج حفيدتي بلا ولي ..... لكن و بما أنكِ ستفعلين و تعارضين ما أردته لكِ من اسم و كرامة و مكانة ... ما أن يتم عقدك بشكل صحيح حتى تغادري هذه البلدة للأبد .... لا تعودي مطلقا .... )
بهتت ملامح تيماء على الرغم من ان هذا هو ما توقعته ... و أنها لن تخسر الكثير , أكثر مما لم تمتلكه من الاساس ....
لكن قسوة جدها كانت كصفعة على قلبها .....
ظلت على حالها تنظر بتلك النظرات الواهية , الى أن نظر اليها عدة لحظات ثم قال بصوتٍ خفيض
( هذا الولد يمتلك روحا مشوهة .... و سيؤلمك يوما ما , كوني مستعدة لذلك و لا تأتي الى هنا طلبا للمساعدة ....... )
ساد صمت طويل بينما انقبضت كفي قاصي الى جانبيه وهو ينظر الى سليمان الرافعي بنظراتٍ سوداء كسواد الليل خارج هذا الجناح ....
نهضت تيماء من مكانها ببطىء لتواجه وجه جدها الصارم ... فقالت بخفوت
( أعلم أنه يمتلك روحا مشوهة بسبب أحد أبناءك .... و أنا بدوري أملك روحا معطوبة بسبب الابن الآخر , لذا كل ما نطلبه هو الهرب بعيدا عما فعله بنا ولديك ...... )
نظر اليها جدها طويلا و ظنت أنها رأت الألم و الرجاء في عينيه الا تفعل ذلك فتخسر للأبد .....
الا أنه أبعد وجهه سريعا و قال بلهجةٍ آمرة
( سنعقد قرانك هنا سريعا ..... فلا أريد رؤيتك أكثر ........ اخرجي من هذه العائلة للأبد .... )
لو كانت سمعت تلك العبارة منذ عدة أشهر لكانت طارت فرحا .. هربا ... سعيا خلف أهدافها بعيدا عن كل ما يربطها بعائلة الرافعي ....
لكن الآن شعرت بألم يفوق قدرتها على التحمل .... كنصلِ خنجرٍ حاد ....
جدها .... سوار .... فريد .... حتى المحب دون سيطرة عرابي ..... أناس تعرفت عليهم , بكت و ضحكت كثيرا ... حتى شعرت بأنها فرد في عائلة حقيقة تتعاضد و تتشاجر و تعود لتتماسك مجددا ....
رفعت تيماء وجهها الشاحب و نظرت الى ظهر جدها الصلب و همست بخفوت
( أشكرك يا حاج سليمان على كل ما قدمته لي .... الآن و على مدى سنوات , لن أنسى معروفك أبدا .... وشيء أخير أريد اخبارك به .... لقد أحببتك جدا كوالد لي على الرغم من الفترة القصيرة التي تعارفنا بها ........ )
اختنق صوتها و أطرقت بوجهها بعيدا عنه و هي غير قادرة على كبح دموعها .... الا أن كفا قوية أطبقت على ذراعها جعلتها تلتفت الى قاصي رافعة وجهها الباكي اليه , فشدها الى صدره , متحديا أن يمنعه أحدهما .... و رحبت هي بتلك الأرض الرحبة التي أراحت وجنتها فوقها و أجشت ببكاء خافت , ...
تسلمه أمرها ... و حياتها .... و عمرها القادم كله .... ليكون عائلتها و تكون وطنه ..... ..
.................................................. .................................................. .....................
سافر قاصي و تيماء بالطائرة عودة الى المدينة .....
كانت تجلس بجواره و هي صامتة تماما ... شاحبة الوجه .... عيناها كبيرتين و اللون الفيروزي بهما عميق و داكن ... متنافر مع شحوب وجهها ....
كانت تنظر من نافذة الطائرة الى ذلك الفضاء الأسود الواسع الذي يسبحان به .... و كأنها رمت بنفسها الى المجهول تماما .....
كانت قد بدأت تهدأ و تسيطر على حالتها العاطفية التي انتابتها في بيت جدها ... شعور بالفقد غريب لم تحسب له حسابا ...
الا أن قاصي كان بجوارها ... و ما أن انتهى الأمر حتى جذبها من يدها و خرجا من البيت دون انتظار ....
كانت تتبعه لحياةٍ مجهولة لا تعرفها ... و كانت أكثر ارهاقا من أن تسأله عن وجهتهما ....
الآن و هما في الطائرة .... كانت تعلم بأنهما متجهان الى مدينته ....
أجلت السؤال طويلا .... و كأنها تخشى افساد المزيد من اليوم ....
ضحكت بخفوت و هي تنظر الى ساعة معصمها .... و تسائلت أي مزيد من اليوم ؟!! ......
إنهما الآن بعد منتصف الليل ..... بساعتين ...
كان يوما طويلا و صادما بأحداثه .......
انتفضت فجأة و هي تسمع صوته الخافت يهمس بالقرب من أذنها
( ما الذي يضحكك ؟!! ........... )
التفتت لترى وجهه قريبا جدا من وجهها ... عيناه تلمعان كالفهد الكاسر ... و ابتسامته مفترسة ...
ارتج قلبها و سارعت لابعاد نفسها و هي تتنحنح قليلا بحزم و صرامة ..... ثم قالت بخفوت متزن
( لا شيء ..... مجرد أفكار ....... )
برقت عينا قاصي و همس لها بخفوت
( أفكار وقحة على ما أظن ؟!! ............. )
اتسعت عينا تيماء بذهول و فغرت شفتيها , قبل أن تلتفت ناظرة من نافذة الطائرة و كأنها ترى شيئا ما بالفعل ....
الا أن قاصي لم يتركها .... بل همس لها بخفوت أكبر
( لم تجيبيني يا زمردة .......... )
ابتلعت تيماء ريقها و همست من بين أسنانها دون أن تنظر اليه
( الا تمتلك بعضا من الإحتشام ..... الناس من حولنا ..... )
ضحك قاصي باستياء و همس وهو يميل عليها أكثر و هي تبتعد عنه باصرار حتى التصقت جبهتها في زجاج النافذة ....
( تبا لوسائل المواصلات ..... لا يحصل بها المرء على أي قدر من الخصوصية .... )
حمدت الله على أن المرء لا يحصل بها على خصوصية و الا لكان تهور ذلك القاصي الذي يبدو ككائن جائع على استعدادٍ لالتهامها دون تباطؤ .....
اتسعت عيناها أكثر و ارتسم حاجبيها على شكل رقم ثمانية و هي تتخيل ما قد يحدث خلال ساعات و انتابتها نوبة من الرعب ....
ضحك قاصي مجددا و قال بخفوت متسليا
( ليس هناك مساحة أكبر لتبتعدي بها يا تيمائي ... الا اذا كنتِ تنوين القفز من الطائرة و الهرب مني .... )
زفرت تيماء بعصبية و عادت ببطىء الى مقعدها و هي متحفزة كقطة حذرة من أي هجوم ....
تنظر اليه بطرف عينيها وهو ينظر اليها نظراتٍ عميقة مذهبة للعقل ....
فقالت بخفوت متوتر
( توقف عن النظر الي بتلك الطريقة ..... )
ضحك قاصي عاليا .... فنظرت اليه متفاجئة و هي ترى تراجع رأسه للخلف ....
و كأنه يحتاج الى تلك الضحكة المنفعلة و التي أخرج بها الكثير من الكبت في صدره المتألم و يرفض أن يحرر ألمه أمامها حتى الآن ....
ما أن هدأت ضحكته التي لفتت اليهما معظم الرؤوس ... حتى نظر اليها و همس بصوتٍ أجش
( أجلس أمامك تأمريني .... أجلس بجوارك تأمريني .... أين أجلس اذن كي أتمكن من النظر اليكِ بحرية ؟!! .... )
أخفضت تيماء وجهها و هي تتلاعب بأصابعها مرتبكة .... بينما تابع قاصي بصوتٍ هامس أكثر
( ما رأيك أن تجلسي على ركبتًي حتى أنظر اليك بأريحية ....... )
زفرت تيماء بغضب و همست دون أن تنظر اليه
( أنت قليل الأدب .......... )
ارتفع حاجبي قاصي و سألها ببراءة
( قليل الأدب لأنني اقترحت أن تجلسي على ركبتي فقط ؟!! ...... ماذا لو ..... )
همست تيماء ملتفتة اليه بشراسة
( اصمت يا قاصي الحكيم فورا ...... أنت تتلاعب بأعصابي , أنا حزينة الآن ..... )
ظل قاصي مكانه ينظر اليها نافذا الى أعماقها ثم قال بهدوء
( حزينة أم خائفة ......... )
رفعت تيماء اليه و همست
( لست خائفة منك إن كان هذا ما تقصده ...... أنا لن أخاف منك يا قاصي , كما لم أكن أبدا من قبل ..... قد تؤلمني لكنني سأتحمل و لن أخاف .... مهما آلمتني سأعرف أنه جزء قليل من ألمك لذا سأشاركك به و لن أتراجع ..... )
ضاعت التسلية من وجهه تماما وهو يستمع الى كلماتها الهادئة الخافتة .... وبدا عاجزا عن الرد ...
ثم لم يلبث أن تراجع في مقعده وهو يغمض عينيه قائلا ببساطة
( أقترح عليكِ أن تنالي بعض الراحة .... فسوف تحتاجين اليها لاحقا ..... )
ارتفع حاجبي تيماء و هي تنظر اليه بخيبة أمل .... أهذا هو أقصى ما استطاع النطق به ؟!! .....
فقالت بفتور
( مجددا ؟!! .......... أنت على ما يبدو تنام أكثر مما تتنفس ...... )
لم يرد عليها قاصي و لم يفتح عينيه حتى .... فنظرت اليه طويلا تشبع عينيه من ملامحه الجذابة ....
هذا الرجل أصبح زوجها !!! .......
انتابتها رغبة مفاجئة في الصراخ فرحا من أعلى قمة جبل في العالم ......
الصراخ بعلو صوتها
" يا بشر .... لقد تزوجت قاصي الحكيم ..... لقد تزوجت قاصي الحكيم ..... "
ابتسمت برقة و هي تستند بذقنها حالمة الى قبضة يدها تتأمل جمال تلك الكلمات التي أعادتها الى سن الثامنة عشر من جديد ....
الى ان أعلنت الطائرة عن وصولها أخيرا ....
تسمرت تيماء مكانها و اتسعت عيناها , بينما فتح قاصي عينيه لينظر الي عينيها طويلا , ثم ابتسم ببطىء و همس بصوتٍ أجش
( لقد تحررنا أخيرا يا زمردة .......و أصبحتِ ملكا لي رسميا و جغرافيا .... و أتوق لأن أباشر بالدرس العملي ... )
ابتسمت تيماء بارتجاف و هي توميء براسها .... و همست بتوتر
( نعم ....... لقد تحررنا ........... )
.................................................. .................................................. .................
لم تكن متأكدة من وجتهما تماما ....
لكن مع كل طريق تعبره سيارة الأجرة ليلا في الشوارع الخالية من المارة تقريبا كان ينتابها الشك , الى أن تحول الشك الى يقين ....
انه يصطحبها الى شقته القديمة .... الا يزال يسكن بها ؟؟!! .....
ظلت تيماء على صمتها الكئيب وهو يدفع لسائق سيارة الأجرة بعد أن خرجت و نظرت الى البناية المظلمة الصامتة في هذه الساعات من الليل ....
ثم نظرت اليه وهو يهمس لها مبتسما ممسكا بكفها ...
( ليس من المعقول أن تكوني قد نسيتِ العنوان !!! ....... لقد تمكنتِ من الوصول الى هنا وحدك و أنتِ في الرابعة عشر من عمرك ....... )
بقت ملامح تيماء صامتة كئيبة و هي تصعد معه الى أن وقفت أمام باب الشقة ....
نفس الباب ..... و الذي فتحه قاصي فوقفت خلفه ثم همست فجأة في جوابٍ متأخر
( كيف أنساها ؟!! ..... كانت لي بها ذكرى أخيرة مريرة ...... )
توقف قاصي مكانه مستديرا اليها , يراقبها في الظلام , و بقى هكذا لعدة لحظات قبل أن يمد يده و يضيء الشقة ... فغزا الضوء الشاحب ملامحها الباهتة الحزينة ....
ثم قال أخيرا بجدية و دون أثرٍ للهزل
( و أنا أنوي تبديل كل ذكرى مريرة بأخرى سعيدة ....... )
رفعت تيماء عينيها الكسيرتين اليه و همست
( لماذا أحضرتني الى هنا يا قاصي ؟؟ ........ )
رد عليها قاصي بنبرةٍ قاسية قليلا
( أخبرتك عن السبب ......... )
الا أن تيماء همست بتوتر
( لا أريد هذا المكان ...... )
ثم استدارت تنوي الهرب , الا ان قاصي كان أسرع منها فقبض على ذراعها يمنعها من الهرب و لفها اليه بقوة ينظر اليها ببريقٍ خشن مخيف ...
الا أنه ما أن شعر بارتعاش جسدها حتى خفف من قبضته عليها قليلا و رقت عيناه ثم قال بجفاء خافت
( ألم تخبريني أنكِ ستتحملين ايلامي لكِ لأنه جزء من ألمي ؟!! .... و ستشاركيني به ؟!! .... )
رمى اليها التحدي بقسوة ... فابتلعت غصة حادة و همست برقة
( لكن هذه قسوة منك ........... )
اظلمت عيناه و جذبها اليه برفق حتى أخفضت رأسها و لامس وجهها صدره , فلامست شفتيه جبينها البارد
و همس على صفحتهٍ بلهيب أجش
( لا أملك غير هذا ....... هذا هو أنا , فلا تتراجعي الآن تيمائي ..... لن أسمح لكِ ... )
رفعت يدها تلامس قلبه الذي كان يضخ الدم بقوةٍ هادرة ارتجفت لها أصابعها ....
تستطيع استشعار ألمه .... ترى هل تملك القوة و الشجاعة فعلا لمجابهة هذا الألم ؟!! .....
رفعت وجهها اليه و همست بخفوت و بابتسامة رقيقة كنسيمٍ عليل في ليل صحراءٍ مقفرة
( دعنا ندخل ......... )
ابتعد قاصي عنها خطوة .... و أمسك بيدها وهو ينظر الى عينيها قبل أن يستدير و يجرها خلفه , مغلقا الباب ......
لقد غير الكثير من أثاث الشقة .....
لا يمكنها ان تنسى كل قطعة بها ..... تحفظ مكان كل قشة ....
لكنه غير الكثير ... و كأنه قد تخلص من معالمها القديمة ...........
همس قاصي اليها بصوتٍ خافت متوتر وهو يجذبها قليلا
( تعالي ............. )
تبعته بصمت بائس الى غرفة النوم .... حيث كان يقودها ......
كان الذعر يتلاعب بها أسوأ ألعابه و أشدها شراسة ... الا أنها سيطرت عليه بمهارة .......
لكن لا مفر الآن ... ستسير معه للنهاية ....
حين أضاء الغرفة لاحظت أنها قد تغيرت كذلك ....... غير من أثاثها و كأنه كان ينتظر قدومها
لقد ذهب السرير الفردي المعدني ... و حل محله سرير آخر عصري مزدوج أنيق ....
و غرفة جميلة ببساطتها .....
وقفت تيماء تجيل عينيها المرتبكتين في أنحاء المكان ... الى أن سقطت عيناها على نقطة محددة في الأرض لا تزال تتذكرها جيدا ... و ابتلعت ريقها بتشنج و هي تشرد الى عالم بعيد ....
تتبع قاصي نظراتها طويلا ثم همس بصوتٍ أجش
( لقد نظفت بقعة الدم بنفسي ....... دمك ....... )
تنهدت تيماء و هزت رأسها قليلا لتبعد تلك الصورة عن ذهنها ثم التفتت اليه و هي تفتعل ابتسامة مرتبكة
( ماذا نفعل الآن ؟!! ....... )
ارتفع حاجبي قاصي و برقت عيناه وهجم عليها الا أنها صرخت بقوة و هي تفر منه كغزالٍ رشيق الى نهاية الغرفة .... ووقفت مكانها تضحك بهيستيرية عصبية , حتى دمعت عيناها و هتفت
( لم أقصد الوقاحة النابعة من أعماق عقلك الملوث ..... قصدت أنني لا أمتلك ملابس و لم أحضر معي أي شيء ........ )
كان قاصي واقفا مكانه ينظر اليها بصمت ....
عيناه تتوهجان كمرجلين يغليان .... يتأكد من أنها هنا في شقته أخيرا بعد كل تلك السنوات ....
تجري و تقفز و تضحك ......
لا تزال قصيرة كقزم .... و غمازتيها تبدوان كغرزتي تطريزٍ رائع لوردتين على وجنتيها ....
و الشامة الوردية يتعمق لونها مع ضحكها ......
عيناها بلون الفيروز النقي .... و شفتيها ككرزٍ ناضج يتوسله كي يقتطفه بأسنانه ......
اقترب منها قاصي ببطىء ... فتراجعت بسرعة حتى ارتطم ظهرها بالنافذة من خلفها , فتوقف قاصي مكانه و همس بصوتٍ مختنق متحشرج
( لا تقفزي من النافذة ....... على الأقل الليلة كي لا تفسديها .... )
احمر وجهها بشدة و اختنقت أنفاسها المذعورة المضطربة .....
الا ان قاصي مد اليها يده و قال بخفوت كي لا يرعبها
( تعالي ......... لا تخافي مني ...... )
ظلت تيماء مكانها ناظرة الى يده طويلا قبل أن تقترب ببطىء و حذر .... الى أن وصلت اليه و وضعت يدها في كفه برفق فأطبق كفه عليها يستشعر نعومتها بتهمل ....
ثم تنهد وهو يسحبها معه الى حيث الدولاب .... و ما أن فتحه , حتى ترك يدها و انحنى ليخرج من شيئا ....
بدا شيئا ثقيلا كبيرا ....
اتسعت عينا تيماء تدريجيا و هي تراقبه .... الى أن تحولتا الى ذهولٍ تام ....
كانت حقيبة ملابسها التي تركتها هنا منذ سنوات !!!
رماها على السرير مفتوحة ......
فغرت تيماء شفتيها و هي تقترب من الحقيبة بصدمة
كانت الحقيبة على حالها .... تحتوى على ملابسها القديمة .......
و زجاجة عطره التي دستها بين ملابسها !!! ....
استدارت تيماء تنظر اليه بذهول و هي تهمس بصوتٍ أجش
( قاصي !!!! ........... )
كان قاصي ينظر اليها بصمت مكتفا ذراعيه .... عيناه بعيدتين و في نفس الوقت قريبتين , نافذتين الى أعمق أعماقها .....
و حين تكلم أخيرا قال بصوتٍ جاد خافت
( احتفظت بها لكِ لحين عودتك ....... كنت واثقا أنكِ ستعودين الى نفس المكان ذات يومٍ مهما ابتعد ..... )
لمعت الدموع في مقلتيها و هي تنظر اليها ... و لم تستطع النطق سوى باسمه فقط ....
فنشجت هامسة
( قاصي .......... )
اقترب منها قاصي حتى وصل اليها ..... ثم مد يده من خلفها و أخرج أحد أقمصة نومها الخاصة بالعرائس بلونٍ ناري .... و مد اليها وهو يهمس بنعومة
( ارتدي هذا ......... حلمت بكِ لسنواتٍ و ليالٍ و أنتِ ترتدينه لي ....... )
ابتلعت تيماء الخوف في حلقها و هي ترى ذلك القميص المريع !!!
كيف كان ذوقها منذ خمس سنوات ؟!! ......
كيف تخيلت أن ترتديه أمامه ؟!! ...... لقد كان مصمما ليظهر كل جزء بها !!!
أحمر اللون و قصير للغاية و شفاف أيضا !!!
ما فائدته ؟!! ..... ستكون بدونه أكثر احتشاما !!! ....
همست تيماء باعياء
( لم أعد في التاسعة عشر يا قاصي ....... لم يعد هذا يليق بي ..... )
همس قاصي في أذنها وهو يقربها من صدره و يداه تتلمسان خصرها ....
( لم يتغير بكِ شيء ...... أنتِ كما أنتِ كفاكهة ناضجة شهية ..... )
كان أطول منها بالكثير , حيث يضطر الى اخفاض رأسه كي ينظر اليها .... ثم لفها بذراعيه من خلفها حتى استراح ظهرها على صدره بنعومة .....
و همس برجاء أجش
( أريد رؤيتك به ..... لا تحرميني منذ ذلك الحلم المضني الذي طال كثيرا ..... )
أغمضت تيماء عينيها على نبضات قلبها المرعشة المذعورة ....
كان يتأرجح بها ببطىء وهما واقفين في مكانهما .... تيماء مغمضة عينيها أما قاصي فيحني وجهه أكثر حتى لامس أنفه وجنتها بنعومة .......... وهو يهمس بخفوت
( أخيرااااااااا ....... )

طائف في رحلة ابديةWhere stories live. Discover now