one shot 3

6.3K 179 38
                                    

"جندي رقم أربع وتسعون!" نادى الجندي بينما تندلع الحرب ويتقاذف الطرفان القنابل والطلقات النارية، لايأبه أحد بالآخر، كل مايهمهم هو الحرية...الحرية والنصر.
"لا وقت جندي ثمانية وثمانون، أطلق النار، هيا أقتله  انه متجه نحو جندي رقم ثمانية وستون!" صرخ من بعيد باختصار بينما يحاول التركيز على هدفه، وكأنه أسد ينتظر غزاله أن يقترب لينقض عليه.
"لا تأمرني جندي أربعة وتسعون، لقد مرت بالفعل سنة لعينة على تعرفنا وأجزم بأنها الأبشع على الاطلاق!" مازح الجندي ليوجه نحوه الآخر سلاحه بغضب بينما يسرد ماحفظه في المعسكر "إن عرقلك أحدهم عن خدمة الوطن، وإن كان حليفك، فلا تتردد في قتله وقتل نفسك بعده،فهذا مشرف أكثر من الاستماع إليه وتلقي رصاصة تمنح أعداءك شرف قتلكما أنتما الاثنان..هذا ماتعلمناه..جندي جونغ." بصق بحدة بينما يحمر الآخر خجلا ويستدير ليصوب على أحد الخونة ويقضي عليه، هو بالتأكيد لن يخاف، فليس للجنود قلب ليخافوا!
أليس هذا مايقوله الجميع؟!
لكن، وماأدراكم؟ من زرع هذه الفكرة في رؤوسكم؟ من قال بأنه لن يخاف من الموت! فلديه سبب ليعيش!
"جندي أوه، فلتأمل أن تمر هذه الحرب على خير، فأنا حقا أحتاج أن أحدثك." قال محاولا جعل نبرة صوته جدية لكنه فشل كالعادة في ذلك، فلكنته المرحة وملامحه الغير مبالية بمايجري،وبالطبع جملته الطويلة قد أعلنت فشله الذريع في أبسط الأشياء، فكيف له أن يكون جنديا؟!
"ذلك هناك."صاح مجددا باختصار موجز،بينما ينقل فوهة مسدسه إلى الأمام ويوجهها من فوق الصخرة التي يختبأ وراءها،ويطلق رصاصات متتالية لاتحصى نحو اللا مكان حد انتهاء مافي حوزته من رصاص،فهو يريد التأكد من خلاء تلك المنطقة.
"تبا!" شتم تحت أنفاسه بينما يزحف نحو الجندي ثمانية وثمانون، ويحاول أخذ عدة رصاصات منه.
"أعطني هذا، هيا." أمر بصرامة لينظر إليه الآخر مطولا ويقول "صدقني خذ ماتريد لاآبه طالما أنت راض." نطق بدون وعي منه ليغمض الآخر عيناه،لا مجال لمشاعره الآن.
"فقط أعطني تلك اللعنة ولاتترقب مني شيئا من الرضا على جندي خائن كمثلك." بصق بحدة بينما يجرح الآخر بكلامه المنبوذ، دائما مايفعل هذا ليخبأ مشاعره، دائما مايختبأ وراء قناع البرود واللامبالاة والحزم فقط ليكون ذلك الجندي المثالي.
ابتسم الآخر بوهن وانكسار ليقول محاولا التخفيف عن نفسه "على الأقل ولأول مرة قلت جملة بدون اختصارها."
"الرحمة! أعطني هذا وإلا قسما بشرفي وشرف هذا الوطن لقتلتك ورميتك لهؤلاء الخونة!"هدد بهيجان وغضب مكبوت لينظر إليه الآخر بحزن.
"لابأس معي،المهم أنني سأموت جنديا حاول التخفيف عن زميله ليستطيع الشعور بالنصر ولو قليلا." قال ببساطة وكل صدق ليندهش الآخر من مدى لطافته وحسن نواياه.
"ح..حسنا، هذا يكفي للآن، أراك لاحقا، حينما نحتفل بنصرنا." شجعه بينما يحاول الوقوف، لكن الآخر قد ضغط على معصمه جابرا إياه على البقاء، فإما أن يخبره بمايشعر الآن أو لاومطلقا.
"ف..فقط قليلا، انظر لاأحد يرانا هنا، نحن مختبآن،جندي أوه، لاأحد سيهاجمنا." ترجاه بعينان مطمأنة، هو حقا يريد منه البقاء، يريد أن ينسى ولو ليوم صوت الرصاص والقنابل ويعيش حياته كانسان عادي، فهو وبعد كل شيء، كان فقط سيؤدي مهلته العسكرية ويرحل، لكنه خير البقاء والعمل كجندي بعد ثالث لقاء له والجندي أوه.
"نحن لا نمزح هنا جندي ثمانية وثمانون، نحن نخدم وطننا ونفديه بأرواحنا، لاتنس، نحن هنا لنقاتل حتى آخر نفس!" تحدث بنبرة تملأها الوطنية، انه الجندي أربعة وتسعون بعد كل شيء، والجميع يعلم عن كم مدى اخلاصه لذلك البلد، فقد نشأ في عائلة تتكون من أب فريق أول (رتبة عسكرية برية) وأم أميرال (رتبة عليا في الجيش البحري) وأخ قائد لمعسكر المدينة.
لطالما كانت هذه العائلة مصدرا للفخر وعنوانا للوطنية!
"أجل، نحن هنا لنقاتل إلى آخر نفس، ولكن ماذا نفعل إن كان هناك مايشغل بالنا ويبقينا غير مركزين على خدمة الوطن وفقط؟ أظنه من الأجدر أن نتخلص من هذا الشيء ليصفى ذهننا ويصبح هدفنا خدمة الأرض والديار بحتا." حاول اقناعه بكلمات قد سبق وسمع المدربين في المعسكر يرشدونهم بها، يعلم بالتحديد نقطة ضعفه ووتره الحساس؛ القوانين والقواعد.
أغمض الآخر عيناه بسخط ومحاولة ناجحة في الحفاظ على هدوءه ثم فتحها وقال بتنهد واستسلام.
"هات مالديك جندي جونغ؟" بنرته كانت أشبه بالسؤال لتجعل بطلنا جونغ ان يبتسم بنصر، ولكن مالبث أن توتر سريعا لأنه تذكر فكرة الاعتراف، الاعتراف بمشاعره لكتلة الثلج أمامه!
هو مجنون، أعلم، ولكن ماذا عساني أفعل؟ فلايتفلب العقل مهما فعل أمام مشاعر القلب وشظاياه.
"ح-حسنا أنا..أنا أردت أن أقول لك، أنني..." قال ومن ثم مالبث أن صرخ ب"أحبك" ليغمض عيناه منتظرا إجابة، لكنه في المقابل كان قد سمع قنبلة تفجر ودبابة ترمي بفوجتها نيرانا في كل مكان، ليستنتج أن كل محاولاته باءت بالفشل.
"ماذا؟" صرخ بينما يضع كف يده خلف أذنه علامة على أنه لم يسمعه، ليدير الآخر عيناه بوهن وسخط.
"أنا أعني ماأقول حسنا؟ انظر نحن نعرف بعضنا لأكثر من عدة أشهر معدودة سيهون، ولطالما أردت إخبارك بهذا لكنني فقط كنت مترددا، والآن لاأعلم ان كنت سأخرج من هذا المكان حيا أم لا، لذلك أردت فقط اخبارك بهذا الأمر، ولايهمني ان كنت تفعل نفس الشيء تجاهي، فالمهم هو التخلص من هذا الهم على كاهلي قبل موتي." تحدث بسرعة ثم وقف ليخرج من جيبه شيئا، لكنه ماإن لبث أن وضع يده في جيب بنطاله العسكري، حتى توسعت عيناه واستنشق بحدة وألم.
"خلصني جندي جونغ، مالذي ستقوله؟!" تذمر الجندي أوه ليجيبه الآخر بصوت مهزوز ونبرة منكسرة.
"أنني قاتلت إلى آخر نفس."
ومن ثم وقع أرضا ليلتفت إليه وتتسع عيناه وتجحظ، ظهره مليء بالرصاص، لم يتوقع أو يلاحظ ذلك رؤية أنهم يتبادلون الرصاص منذ ساعات فمن الطبيعي سماع تلك الطلقات المتتالية، لكنه لم يخل قط بأن نهاية جونغ ان ستكون هكذا، على أيدي أعداءه.
لفه بسرعة بينما يضع يده أسفل عنقه ليراه يبتسم وينظر إليه، لا يعلم ماذا يفعل، فعدد الرصاصات كثير جدا ولايستطيع اخراجهم كلهم، وان فعل فكيف له أن يطهر جرحه في مكان يصعب فيه التنفس من كثرة الأوساخ وذرات الرمل المتطايرة مع نسمات الهواء؟!..
"جن-جندي جونغ، جندي جونغ لاتمت، جندي جونغ تحمل قليلا، قليلا فقط." ترجاه وتوسله بينما دموعه قد سبق وانهمرت، لطالما رحل كل من أحبهم، أخيه، أبيه وأمه، والآن زميله الذي كان يخطط للاعتراف له بعد نهاية هذه المعركة!
لا تلوموه على بروده أرجوكم، فقد فدت عائلته كاملة أرواحها في سبيل الوطن بلامبالاة، فعليه هو بدوره أن يكون جدارا باردا وصلبا ليفدي البلد بروحه أيضا بدون حسرة أو ندم!..
"ج-جندي أربعة وتسعون...ها..هاقد أفنيت بروحي مقابل اعتراف غبي...ولكنه يستحق..أليس كذلك؟...أ..أنظر إلي..لا ت..حزن،حسنا؟ وك-كل....ذلك الكعك بالأرز في...خيمتي، أعلم بأنك تحبه." قال بمزاح وفكاهة ثم قهقه بألم وبدأ بالسعال المتواصل.
"لا لا، هذه ليست النهاية، جونغ ان اللعنة ممنوع الموت هنا، مفهوم؟! من واجبك حماية وطنك! لا لاتمت، أنت تخالف القواعد، ابق عيناك مفتوحة هيا! جونغ ان اللعنة سأشتكي بك إلى القائد حين نعود وستقوم بخمس مائة لفة حول المعسكر وستندم." انهار باكيا بينما ينتفض الآخر بين يديه بسبب السعال.

Sekai OneShots حيث تعيش القصص. اكتشف الآن