الفصل السابع

31.9K 477 11
                                    

ذئاب لا تغفر

الفصل السابع :

في دار رعـــاية المسنين ،،،

تجمع أعضـــاء الدار من المسنين والمسنات في الحديقة الغنـــاء الواسعة حول بعض الطاولات المرصوص عليها أطعمة صحية ، ووقفت على مقربة منهم مديرة الدار ، ونظرت إليهم بنظرات فخر وإعتزاز ، ثم أردفت بنبرة عالية تحمل الحماسة :
-ممكن أخد من وقتكم لحظات

إنتبه الجميع إلى صوتها الصادح ، فإبتسمت لهم بإمتنان ثم تابعت بثقة قائلة :
-النهاردة هينضم معانا للدار الدكتورة شروق وهتساعد الدكتورة رجاء في شغلها ، وأتمنى أنكم تتعاونوا معاها  الفترة دي

راقبت مديرة الدار الجميع بتمعن فوجدت نظرات إستهجان ونظرات إستحسان ، فتنحنحت بصوت خافت ، وأكلمت بصوت حماسي :
-أنا عارفة إنه مش من السهل الواحد يجرب حد جديد ، بس صدقوني دكتورة شروق خبرتها واسعة وهتستفيدوا من نصايحها وآآآ...

جلست تهاني بين الحاضرين ، وتنهدت في إحباط وهي تشيح بوجهها بعيداً عن مديرة الدار ، فحديثها الأخير أصابها باليأس ، فهي قد إعتادت التنفيس عما يكبت صدرها لتلك الطبيبة المهارة ، فكيف ستثق بسهولة بمن لا تعرفه ..
شبكت أصابع يدها معاً ، وظلت تفركهم بحركات عصبية ، ثم أصدرت أنيناً مكتوماً وهي تلوم نفسها قائلة :
-كله حاجة بتروح مني ، كل حاجة بتضيع .. ليه بياخدوا كل حاجة مني ؟ ليه ؟ ليه !!

أدمعت عينيها بشدة ، ولم تقاوم رغبتها في البكاء .. وإنتحبت أمـــام الحاضرين .. فقد مر ببالها ذكرى تسلل ناريمان إلى حياتها لتقتنص الفرصة وتسلب رغماً عنها كل شيء يخصها ..
لقد فقدت عائلتها بالكامل في غمضة عين ، وأصبحت مشردة مطرودة لم تعرف لها أي مأوى سوى بيت أختها القاسي ..
هي تذكر حب تقى - تلك الصغيرة نقية القلب - ومعاملتها الطيبة معها ، لكنها لم تكن إحدى إبنتيها الراحلتين لتغدق عليها بعاطفة الأم الغير متناهية أو حتى بحنو الخالة .. لقد كانت جافة المشاعر ، متحجرة القلب بسبب ما مرت به ..
وبعد فترة من العلاج أدرجت أنها وقعت أسيرة قوقعة الذكريات الآليمة التي دمرت علاقتها بمن تبقى لها ..

رأتها الطبيبة رجـــاء ، فأسرعت نحوها بخطواتها الرشيقة ، ثم جلست على المقعد الشاغر بجوارها ، وأسندت يدها على فخذها لتنتبه لها ، وبنبرة حانية تشدقت بـ :
-مالك يا مدام تهاني ؟ ليه بتعيطي ؟

رفعت تهاني وجهها الباكي للأعلى ، ونظرت لها بإستعطاف قائلة :
-كده تسيبني بعد ما إتعودت عليكي ؟

إبتسمت لها برقة ، ثم هتفت بجدية :
-ومين قالك إني هامشي

قطبت تهاني جبينها ، ورفعت حاجبها في تساؤل قائلة :
-أومال الدكتورة دي جاية ليه ؟

أجابتها الأخيرة دون تردد وبهدوء بـ :
-دي هتساعدني بس .. في حالات كتير موجودة وأنا مش قادرة عليها لوحدي وخصوصاً إن إستجابتهم للعلاج بتاخد وقت طويل ، وأنا محتاجة حد يكون عنده ضمير يساعدني وآآ..

ذئاب لا تغفر 2- لمنال سالم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن