الفصل الثالث

34.8K 557 44
                                    

ذئاب لا تغفر

الفصل الثالث :

في دار رعاية المسنين ،،،

حدقت تهاني بسقفية الغرفة ، وأمعنت النظر فيها بدقة غريبة .. فلون الطلاء ذكرها بحالها وهي قابعة في ذاك المشفى النفسي بعد أن إنهـــارت أمام مكتبها المحترق بأطفالها الصغار ..
كان شعوراً قاسياً للغاية .. أن تفقد كل شيء في لحظة واحدة ، أن تتدمر عائلتها ويتخلى عنها زوجها .. وتتحول من أم مكلومة فقدت فلذات كبدها إلى مجرمة مدانة ومهددة بالعقاب الوخيم على جرائم لم ترتكبها ..
لم يستطع عقلها تحمل كل تلك الصدمات دفعة واحدة ، فإنهـــار ، وإنهارت معه .. فواقعها أسوأ بكثير من أن تعيشه بكامل قواها العقلية ..
وها هي اليوم تستعيد جزءاً بعد الأخر من ذلك الماضي المرير ..
أغمضت عينيها لتترك لعبراتها الفرصة للإنهمــــار لتغرق وجنتيها ووسادتها ..
شهقت بصوتٍ مكتوم وهي تردد :
-خدوا مني كل حاجة ، ورموني .. حرقوا قلبي وحرقوني .. آآآآآه .. آآآآآه

تعالت شهقاتها المصحوبة بالعويل وهي تبكي بحرقة .. فإنتبهت لصوتها المشرفة المتواجدة بالخـــارج ، فولجت إلى الغرفة ، ونظرت إليها بإشفاق ، ثم تحركت نحوها ، ووقفت أمـــام الفراش ، ورمقتها بنظرات ساخطة ، وهي تردفت بضيق :
-خلاص يا تهاني ، مش كل يوم الموال ده !

أولتها تهاني ظهرها بعد أن نظرت لها شزراً ، ثم أكملت نحيبها بصوت مكتوم ، فزفرت المشرفة بإنزعاج ، ولوت فمها للجانب ، وتابعت بإمتعاض :
-خلاص براحتك ، أنا غرضي مصلحتك ، هاتفضلي تنكدي على نفسك ، ومحدش هاينفعك بحاجة

لم تجبها تهاني بل ظل يتردد صوت أنينها المختنق ..
نفخت المشرفة مجدداً ، ورمقتها بنظرات غير مبالية ، ثم تراجعت مبتعدة عنها وهي تحدثها ببرود قائلة :
-على العموم أنا بأفكرك إن ميعاد الأكل بعد نص ساعة ، لو مجتيش أنا هابعتهولك هنا

صرت تهاني على أسنانها من الضيق ، وتشبثت بوسادتها ، وحدثت نفسها بتشنج وهي تذرف دموعها بـ :
-خدوا كل حاجة مني وسابولي العلقم والمُر اطفحه لوحدي .. آآآآآه !!

.................................

في منزل أوس بمنطقة المعادي ،،،،

إزدادت إرتجافة تقى وهي تقف بمفردها في منتصف الصالة الواسعة بمنزل ذلك الهمجي الذي أجبرها على المجيء معه إلى منزله ..
كانت تلوم نفسها لألاف المرات لخنوعها له ، ثم تحاول تبرير موافقتها على مطالبه المجحفة بأن الوضع مؤقت وأنه لم يكن أمامها أي بديل أخــر ..
كانت نظراتها زائغة ، وقلبها ينبض بقوة بين ضلوعها ، أنفاسها لاهثة رغم إنتظام تنفسها .. فكل شيء من حولها بوحي بخطر محدق بها ..

راقبها أوس بنظرات متشفية متلذذاً برؤيتها ذليلة خاضعة له ..
ورغم تعابير وجهه الجامدة إلا أن عينيه كانت توحيان بشر دفين ..

ذئاب لا تغفر 2- لمنال سالم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن