.
.
.
❊ بَــــلَا مَــــلْـــــجَـــــأ ❊ ︙الْـفَـصْـلُ الأوَّل︙
.
.
.
الدَّهْرُ صَحْرَاءٌ قَاحِلَةٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، مَلِيئَةٌ بِالرِّمَالِ الْمُتَحَرِّكَةِ الَّتِي تَبْتَلِعُ كُلَّ مَا هُوَ جَمِيلٌ ، كُلُّ لَحْظَةٍ مِنْهُ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ صِرَاعٌ عَصِيبٌ مَعَ الزَّمَنِ الْفَانِي ، مَعَ الْأَلَمِ ، شُعُورِ الْحَسْرَةِ وَ الْفَرَاغِ ، فَقَطْ ظَلَامٌ وَ وَحْشَةٌ.
لَوْحَةٌ فَنِّيَةٌ ضَخْمَةٌ ، تُرْسَمُ بِأَلْوَانٍ بَاهِتَةٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ ، وَ كُلُّ لَحْظَةٍ هِيَ ضَرْبَةٌ فَنِّيَةٌ جَدِيدَةٌ ، تُضِيفُ شَيْئًا جَدِيدًا إِلَى هَذِهِ اللَّوْحَةِ الْكَئِيبَةِ الَّتِي تَشُوبُهَا الْعَدِيدُ مِنَ الْآثَارِ وَ الْمُخَلَّفَاتِ الْأَلِيمَةِ.
لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعِيدَ إِلَى اللَّوْحَةِ مَا فُقِدَ مِنْهَا وَ لَوْ عُدْتُ بِمُنْجِزِهَا ، فَالدَّهْرُ يُشْبِهُ الْمُوسِيقَى الَّتِي تُعْزَفُ بِبُطْءٍ وَ حُزْنٍ ، وَ كُلُّ نَغْمَةٍ تُشِيرُ إِلَى الزَّمَنِ الَّذِي فَقَدْتُهُ دُونَ رَغْبَتِي.
أُصَارِعُ بِأَنْفَاسٍ ثَقِيلَةٍ بَعْدَ أَنْ أَخَذَنِي السَّهْوُ إِلَى دَقَائِقَ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٍ ، جَلَسْتُ شَارِدَةً بِعُيُونٍ تَائِهَةٍ فِي فَضَاءٍ بَعِيدٍ ، كَأَنَّنِي أَتَأَمَّلُ غُيُومًا بَيْضَاءَ تَطْفُو عَلَى سَمَاءٍ أَزْرَقَ زَاهٍ.
سَلَبَ أَنْظَارِي مَلْمَسُ يَدَيَّ الرَّقِيقَتَانِ كَأَجْنِحَةِ فَرَاشَةٍ ذَابِلَةٍ أَهْلَكَهَا الْجِدُّ ، مَوْضُوعَةٌ عَلَى فَخْذِي تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنَ الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ لِتَعُودَ إِلَى حَرَكَتِهَا الطَّبِيعِيَّةِ.
لَمْ أَكُنْ أُدْرِكُ حَقِيقَةَ مَا يَدُورُ حَوْلِي ، فَقَدِ انْفَصَلْتُ عَنِ الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ فَجْأَةً ، غَارِقَةٌ فِي بَحْرٍ مِنَ الْأَفْكَارِ ، هَادِئَةٌ كَبُحَيْرَةٍ صَافِيَةٍ ، أَتَحَسَّسُ ثَوْبِي بِكَفِّ يَدِي ، كَأَنَّنِي أُلَامِسُ مُخْمَلًا نَاعِمًا فِي حُلْمٍ بَعِيدٍ.
خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي الْمُتَوَاضِعِ ، كَطَائِرٍ أَلِيمٍ يَبْحَثُ عَنْ غُصْنٍ لِيُحَطَّ عَلَيْهِ. لَمْ أَكُنْ أُدْرِكُ بَعْدُ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ ، فَبَصِيصُ الْأَمَلِ كَانَ ضَعِيفًا.
ضَوْءٌ خَافِتٌ يُحَاوِلُ اخْتِرَاقَ عَتْمَةٍ شَدِيدَةٍ ، قَهْرٌ عَظِيمٌ يُحَاصِرُ قَلْبِي ، مُشَابِهًا لِسَحَابَةٍ ظَلْمَاءَ تُغَطِّي السَّمَاءَ. أَغْلَقْتُ الْبَابَ بِيَدٍ رَتِيبَةٍ ، كَتَوْدِيعٍ لِحَيَاةٍ لَرُبَّمَا كُنْتُ أَحْلَمُ بِهَا.
YOU ARE READING
𝗛𝗼𝗺𝗲𝗹𝗲𝘀𝘀
Romanceفَتَاةٌ بِلا مَأْوًى ، فِي مَدِينَةٍ لَا تُجِيدُ الْعَطَاءَ وَ لَا تَنْتَظِرُ أَحَدًا ، مَاضٍ يُلَاحِقُهَا كَظِلٍّ ثَقِيلٍ ، وَ مُسْتَقْبَلٌ يَمْضِي بِدُونِ الْتِفَاتٍ. فَهَلْ يَكْفِي قَلْبٌ صَادِقٌ لِيَصْمُدَ وَسْطَ هَذَا الْجَفَافِ؟ رَجُلٌ لَا يُش...
