لا تذهبي يا صوفيا

9 4 1
                                    

تطل الشمس من خلف ستار الأفق، معلنةً بداية يوم جديد،.في تلك الأثناء، وُجِدَت الورا تشق طريقها نحو لغز آخر مع العائلات الباقية، بينما تتجه صوفيا إلى منزل كاوري، الصرح الفخم الذي يمتزج فيه الهيبة بالجدية.

وقفت كاوري في استقبال صوفيا، شامخة كأنها تمثال يُجسد النظام والصرامة. كان تبادل التحية مزيجاً من الحماسة والثبات؛ فصوفيا بصوتها المتوثب، تتساءل إن كانت كاوري مستعدة لمغامرات يوم جديد، ليأتي رد كاوري، ببرودةٍ تليقُ بنبْرَة المتعقِلين: "نعم."

مع كل خطوة نحو المكتبة، تعلو طموحات صوفيا إلى السماء وتُصر على ضرورة مساعدة الورا في الكشف عن أسباب اختفاء الرضع. "ستساعديني، أليس كذلك، يا كاوري صديقتي العزيزة؟" - يكاد يسمع في صوتها دقات قلب يرقص على إيقاع الآمال العريضة.

وما إن وطئتا أرض المكتبة، أوى كلٌ إلى قسمه؛ صوفيا إلى أقدم كتب تاريخ المدينة، وكاوري إلى علم الطيور. هناك، في عالم الصفحات والأسرار، كانت البحثية تُجسد صدق القصد وعمق التفاني في سعيهما. الجدية ترافق كل نظرة، والتحليل يعقب كل حركة، حتى اخترق صرخة صوفيا الصمت العميق: "لقد وجدتها!" - صوتها زلزل أركان المكتبة كما الرعد يزلزل الصفاء السماوي.

كل الأعين تلتفت، وكاوري، حاملة وقارها كظل لا يفارقها، تقترب وتخفض صوت صوفيا في نصح محكم: "اصمتي يا صوفيا، هل نسيت أننا بين جدران المعرفة؟" كان الأسف يكسو وجه صوفيا التائهة في الحماس: "أسفة، ولكن انظري ماذا وجدت، خريطة تنبض بأنفاس التاريخ!"

تعملقت صرامة كاوري أكثر فأكثر بينما برودها يشق الدهشة: "حسنًا، وماذا نفعل بها؟" صوفيا، ما زالت بسمتها تعلو ويديها تتحرك بخفة: "لا أعلم." كانت الجدية تشع من نظرات كاوري، وبشيء من التهكم الصقيل تُشد صوفيا نحو بر الواقع: "كوني أكثر جدية، صوفيا."

و في البُعد حيث يمتزج الحقيقي بالخيال، والزمن يعصف بلا رحمة، وقفت صوفيا وكاوري تحت عباءة السماء المُتقلبة، تلفهما الأفق المُلبد بغيوم الأسرار. عندها بزغ ظلام المساء بأسطورةٍ ماثلة للعيان؛ امرأة عجوز كإيقاع العمر السرمدي، ناظرة إليهما نظرة تخترق جدار الصمت: "أعلم عن ماذا تبحثون..." صدى صوتها يهمس بقصة مكتبة ضائعة، مُغلقة بأغلال الأزمنة وأرواح ضُمحلت باللعنات.

صوفيا، بِعزمِ مُشتعل بنار الفضول، أمسكت بيد كاوري المُترددة، مُقدمة نحو خطوة قد تغير مسار القصة. لكن العجوز بتحذير يحمل برودة الموت: "توخوا الحذر، فالروح تحوم واللعنة تصول..." الحذر أو الفضول؛ ماذا سيحكم مصيرهما؟

انطلقت الرفيقتان من المكتبة، كاوري تُثبط عزيمة صوفيا بواقعية مُحكمة، "لا يجب أن نذهب، يا صوفيا." الكلمات اصطدمت بجدار إصرار صوفيا الغاضب: "لكننا يجب أن نعين الورا!" كانت ردها كالعاصفة التي لا يُمكن ترويضها. كاوري، بعيون تبرق ببرد الحقيقة، حذرت من الكارثة المحتملة... لكن صوفيا ، كالجُرم السماوي المتحدي للأفلاك، أعلنت عزمها بصرخة؛ تقرر مصيرها، "سأذهب بمفردي!"

صوفيا، وحيدة كالسهم المُرسل بقّوة في قلب الليل، سارت مُحتضنةً روح العزم لساعات على ألسُنة الوهم. بقالة على قارعة الطريق جلبت راحة لها، لكنها سرعان ما تذكرت أن النقود غير مُرافقة لهذه الرحلة. كموجة تراجعت لتُتابع السير في وهج ضباب لم يكن إلا بداية لثورة طقسٍ غير مستقر.

صوفيا، صارعت شياطين الوهم بسلاسل من العقلانية. لكن فجأة، كشاهد من عصور فائتة، وجدت أمامها مكتبة، أم قصر؟ الباب، ثقيل كأسرار الكون، ينفض عنه الفتح. رجاء ودموع، تلك كانت لغة مفاتيح الأبواب. صوفيا، حشرجة نبضها صارت رجاءً عند رؤيتها لنافذة مُشرئبة تعلو الجدران. المُغامرة بتكلفة معطفها، الذي خانها في لحظة الأمل، تركته خلفها كشريط تذكاري لخوف لم يعد مُتسلطًا.

الداخل... أجنحة تُراقص نور الذهب، وصوت امرأة تُعلن نجاح الدخول. صوفيا، بقلبٍ يكتسيه الخوف والتحدي، أفصحت عن نيتها: حماية الورا والرضع. الصمت... ثم تلك الكلمات التي جمعتها وتلك الروح إلى صندوق الأحاجي. كتابٌ بجلدٍ يحتضن الزمان، أُعطي لصوفيا. الأوامر كانت واضحة: "افتحيه واكتشفي، ثم ارحلي."

لكن القدر لا يُصدر الأوامر دوماً. صوفيا، قررت الغوص أعمق في أعماق المجهول، حيث تتشكل الهيئات بأشكال الرعب وتُصبح الأنوار سراديب ظلمة. وهي تهرول نحو النجاة، كانت كاوري، كمن يتابع الصدى، تبحث عن صوت صوفيا المُفقودة. من بقالة إلى معطف مُهمل على جدار اليأس، ومن ثم إلى باب المكتبة، حيث النداء ملأ السماء: "صوفيا، أين أنتِ؟"

صوفيا، مُمددة على قاع النهاية، جروحها سجية لقصة نضالها. رفيقتها كاوري تستجيب للنداء المُلح، مُقدمةً دعامة السند. "لنذهب من هنا..." كان طلب صوفيا، وما بين ذراعيها كنز الألف عُمر. وككل الأحاجي، عليهما الآن فك رموز ما حدث وما سيحدث...

لكن هذا، أيها القارئ، هو ما يُبقيك في لهيب التشويق وحيرة الرواية...

إيردانوسWhere stories live. Discover now