لا أمانع بتاتًا أن يجلس شخصٌ ما معي ، ولكن ما أحتاجه هو أن يبادر ولو بقليل في حديثهولكن هو لا ينطق بشيء ! فقط يتأمل و كأنني لوحةٌ ما...
و كل دقيقة يُؤشر على طبقي لآكل منه ، لا بأس سآكله ولكن أرجوك توقف عن النظر فهذا مُحرج!هل علي أن أطلب شوكة أخرى لأجله ؟ الأكل وحيده أمرٌ غريب أليس كذلك ؟ لكن ماذا لو كان لا يُريد ؟ رُبما علي شيءٌ على ذوقه ؟
" أنا بخير ، لا تشغلي بالك "
مستحيل...
هل...هل تقرأ الأفكار ؟توسعت عيناي قليلاً مُحدقه بِه ، بينما هو فقط كان ينظر لي باسِمًا بخفه...
أكلت حلواي بهدوء ، مُبعده بصري عنه قدر الإمكان ، وحينها أتى ذلك السؤال الذي لم أتوقعه
" هل كنتِ تنظرين إلي في الكافيتيريا ؟ "
تفاجئت قليلاً و كتبت على هاتفي في عجل
[ أنا آسفة , لم أقصد ! ]
" لماذا تعتذرين ؟ أنا الذي يجب عليه الاعتذار "
[ أنت ؟ لكن لماذا ]
قال ضاحكًا بخفه
" تعابير وجهك ، أوضحت لي كم كُنتِ منزعجة مِن أصدقائي ، لذلك أعتذر"إنهُ...لطيف... ، في الحقيقة هو صادق بخصوص انزعاجي ولكن علي التحكم في تعابيري كذلك ، لا أريد أن أكون بموقف كهذا مره أُخرى ، علي السيطرة بنفسي قليلاً.
" فلورانس... "
عجبًا ، انهُ ينادي اسمي بكل أريحيه و هدوء ، لو كنت بمكانه سيصعب علي ذلك...
" هل هذهِ سنتك الأولى ؟ "
[ نعم ! ]
" هل شكلتِ صداقات ؟ "
[ ليس...بعد ]
" إذًا...سأكون صديقك الأول "
قالها ببساطه ، ولكن رأيتُ كم هو صادق في ذلك ، شعرت بالبداية انهُ يشفق علي بسبب حالتي
لنوضح الأمر ، قيل لي قبل ثلاث سنوات تقريبًا ، انني تعرضت لحادث سيارة شنيع مع والداي ، توفيا بتلك اللحظه بينما أنا دخلت بغيبوبة لأسبوعين بعد إصابه قوية برأسي ونزيف حاد ، جراء تلك الضربة فقدت ذاكرتي...
لا أتذكر والداي جيدًا ، ولا أعرف غير اسمهما فقط ، أُمي سيلين ، و أبي ڤيكتور...
كُنت قد نسيت ذكرياتي و الأشياء الأكثر الأهمية لدى الانسان ، وهي الكلام ، اللغة ، الأحرف...لكن لم أنسى عزف البيانو ، وهذا أمرٌ عجيب !
أخذ الأمر سنة تقريبًا في إعادة التأهيل ، و عادت لي قدرة الكتابة و القراءة بشكلٍ أكثر من ممتاز ، و اجتزت مراحل عديدة صعبة ، واني شاكرة لجدي لوجوده معي في حياتي...
ولكن شيءٌ واحد فقط لم أقدر عليه بعد...
النطق بلساني...قال جدي انني قادرة على الكلام ، وانني كُنت اصلاً لا أتوقف عن الحديث ، وانني أملك صوتٌ جميل حين أغني ، ولكني لا أُصدق ذلك أبدًا...
هل لأنني لا أتذكر ذلك ، أم لأن النطق صعبٌ علي ؟...