الفصل الأول

1.3K 57 52
                                    

وفي النهاية..
أدركت بأنها لم تكن سوى لعبة غميضة..

**

ثم؟..
ثم إنني أشعر بالملل وهو يطغى ليقتل كل النشوة بداخلي..
أليس من المفترض بأن ننزل ونعلو لننتشي!..
إنني أجد نفسي أغرق وأغوص إلى ما لانهاية..
لكن لحظة.. ماهي النشوة أصلا؟..

بل الأجدر بأن أسأل.. من أين أتت ولماذا هي مهمة كأهمية الأنفاس!..
أنتيجة تزاوج الأقطاب مهم لهذه الدرجة؟..
أهو شيء من البقاء؟..
ولهذا الحياد أشبه بالموت!..
بل ربما هو الموت ذاته!..

أصبحت الأفكار تجوب عقلي ذهابا وإيابا وترسو على شاطئ دماغي كمن يحفر في الأعماق لإيجاد الكنز..
كان كنزي المُراد إجابة..
إجابة لسؤال إلى متى؟..
وكان شيء بداخلي يصرخ باكيا بأنني لا أريد أن يكون إلى الأبد..
الموت الأخير أرحم من هاته اللعنة التي لا أجد لها مسمى..

أنظر إلى ذلك البيانو المركون في زاوية الغرفة، أرفع يدي اليسرى، أو بالأحرى يدي الوحيدة التي تبقت وأضعها على المفاتيح لأبدأ بتحريك أصابعي فوقها من اليسار إلى اليمين لتصدر صوتا مزعجا.. صوتا عشوائيا لا معنى له..

أرفع يدي وأنظر لأصابعي لأجدها قد تلوثت بالغبار..
كانت آخر مرة عزفت عليه قبل ثلاثة سنوات من الآن..
قبل أن أفقد يدي وأفقد معها كل شغفي في هاته الحياة..
الأمر محزن.. لكنه قانون الكارما..
كما تدين تدان.. أو لنوضحه أكثر، ما تزرعه تحصده..
إنه ذلك النظام اللولبي.. حيث يسير الكون بشكل لولبي ونتبعه نحن دون نهاية..

أنفخ على أصبعي السبابة والوسطى لأبعد الغبار ثم أمسح ما تبقى منه بإبهامي..
أخذت جاكيتي ووقفت عند المرآة أتأمل وجهي الذي أصبحت ملامح التعب بادية عليه..
نظرت لعيناي ثم وضعت يدي على المرآة لأشعر بحرقة فيهما وغصة تقف في حلقي..
- تبا لك.. ألن تبكي؟.. ألن تبوح بأحاسيسك!!..

أضرب بيدي على المرآة بعدما تسربت تلك الذكرى اللعينة عقلي مجددا..

فلاش باك..
قرية برقة، نابلس، فلسطين ٢٠١٧
كان في تلك العائلة ستة أفراد..
عجوز طاعن في السن يجلس على كرسي متحرك، امرأتين في نهاية الأربعينات أو بداية الخمسينات، شابة وشاب في بداية العشرينات وطفلة في الرابعة عشر أو الخامسة عشر من عمرها كانت الوحيدة المختلفة عنهم ولا تشبههم، إذ أنها كانت مصابة بالتريزوميا (متلازمة داون).

كانت العائلة كلها تقف بثبات وتثقبنا بنظرات تملؤها القوة، الجرأة والتحدي، وكأن أعينهم تنطق بالحق ولا تخشى ما قد يكون بعد ذلك، لدرجة أنني أصبحت أرتعش بداخلي خوفا وأتحاشى لقاء أعينهم!..

إقترب أحد الجنود من الفتاة الصغيرة وسحبها من يدها بعيدا عن عائلتها لتُوْقع دبها الأبيض الصغير وتبدأ بالبكاء صارخة.. - اتركني روح عند ماما..

تحت ظلال الياسمينWhere stories live. Discover now