« إذن أنت تقول أن هناك جثة قد دفنت تحت إحدى الأشجار بغابة الصفصاف خلف ميتم مهجور» رد دافي بشيء من التململ على سؤال من أمامه بالإيجاب للمرة الثالثة على التوالي
«و قد رأيت ذلك في حلمك ؟» سأل الطبيب ريكر
«لم يكن حلما لقد كان حقيقيا و واقعيا بشدة حتى يطلق عليه حلما،كانت ذكرى غريبة بعض الشيء، لم تكن ذكريات تخصني لكن بدا كما لو أنها لي،كما لو عشتها لكنني لم أفعل،بها الكثير من التفاصيل..»
«حتى أنني ما زلت أشعر ببرودته على أطراف أناملي..» تمتم بنبرة مرتجفة كتمتها كف يده التي تضغط على فمه لعلها تقاوم عصارة معدته التي بدأت تتصاعد نحو حلقه
حدق به ريكر بنظرة مبهمة لم يفهم مغزاها،بينما يعقد ذراعيه أمامه و هو يستريح في كرسي مكتبه، مرت بضع دقائق بنفس السكون الميت ،و حينها بدأ الندم يتسلل لدافيان و هو يتساءل لم كان على الطبيب ريكر أن يسمعه يصرخ مذعورا،و لم استجاب لدعوته إلى مكتبه للحديث عن الأمر كان يعلم أنه سيبدو مجنونا بعد أن يجيبه بصراحة،لكنه لم يستطع الكذب على شخص يحترمه كالطبيب إيفان كما أنه كان متأكدا أنه سيأخذ ما يقوله بجدية،حتى إن كان قد جن حقا فإيفان سيحرص أن يحيله لأفضل طبيب نفسي يعرفه ،لذلك تنفس ببطء محاولا الاسترخاء لكن أعصابه شدت ما إن تحدث الطبيب ريكر فجأة «هل كانت هذه المرة الأولى التي تراودك ذكرى كهذه؟»
زفر دافيان أنفاسه بذعر قبل أن يعيد نظرته نحو إيفان و يجيب بتردد «لا،إنها المرة الثالثة » توقف كما لو يستمع حروف إجابته قبل أن يكمل «أنا بالعادة شخص لا تراودني الأحلام أو بالأحرى أنسى أحلامي فور أن أستيقظ،لكن كانت هناك مرتين أستيقظ بها و أنا أتذكر كل تفاصيل حلمي حتى أنني مازت أتذكرهم للآن رغم مرور وقت طويل»
ضيق عينيه قبل أن يومئ بتفهم و يبدأ بتدوين شيء على الأوراق أمامه و ذلك زاد توتره فمن أمامه حقا يعتقد أن هنالك خطب بعقله هو أيضا يظن ذلك ليكون صريحا لذلك فهو أكثر قلقا،لقد تعافى أخيرا من قصور قلبه كيف يظهر مرض آخر بعقله كيف سيشفى الآن هل سيستبدلون عقله كما استبدلوا قلبه، كتم ضحكته بصعوبة حتى لا يزيد الأمر سوءا فكل مايحدث معه بدأ يصبح سخيفا و عبثيا فجأة
لم يبد على إيفان أنه قد لاحظ توتر من أمامه لأنه أكمل تسلسل إستجوابه «هل رأيت تلك الأحلام قبل أم بعد أن أجريت العملية » إستغرب دافيان للسؤال الذي لم يبد في موضعه لكنه أجاب على أية حال «أعتقد أنه قد كان في بداية هذه السنة،أي بعد العملية» همهم و بدأ يدون على أوراقه مرة أخرى، لكن هذه المرة استجمع دافي شجاعته ليسأله عما يدونه ليجيبه إيفان بنبرة هادئة «أحتاج لبعض الوقت قبل أن أجيبك،هناك بعض الأشياء التي علي التحقق منها قبل ذلك »
أكمل مطمئنا بعد أن لاحظ عدم ارتياح الفتى أمامه «لا تقلق،إنه ليس شيئا سيئا»
هز دافيان رأسه بتفهم رغم القلق الذي مازال ينتشر بداخله لكنه قرر تجاهله حتى يفهم ما يجري فلا فائدة من الإستغراق بالتفكير بأشياء لن يجد لها حلا،كما أن كل الفحوصات التي أجراها فور أن إستيقظ جعلته يشعر بالخمول و الكسل أكثر من العادة لذلك قرر أن يستأذن بالرحيل قبل أن يستوقفه صوت الطبيب ريكر«لا تتجاهل أخذ أدويتك»
قلب دافيان عينيه بملل فإيفان يصبح أكثر حدة مع تقدمه بالعمر هو حتى لا يريد أن يعرف كيف علم عن تجاوزه لأخذ أدويته،لكنه مع ذلك هز رأسه بإيجاب و لوح مودعا قبل أن يغلق الباب خلفه
فور رحيله بدأ الدكتور ريكر يبحث بجدية بين الأرقام المسجلة على هاتفه قبل أن يجد ضالته أخيرا و يضغط على الرقم لتمرين بضع صوان قبل أن يجيب صوت مبتهج خلف الهاتف «مرحبا سيد ريكر،كيف حالك ؟»
«أهلا سيد سميث أتمنى أنني لم أزعجك بيوم عطلتك» رد إيفان بينما يصلح وضعية جلوسه و يحاول ترتيب الأوراق أمامه
«ليس حقا،تعلم أن إتصالاتك دائما مرحب بها سيد ريكر»
«هذا شرف لي.....إتصلت بك لأسألك عن مدى تقدم بحثك أمازال مستمرا؟»
«بالطبع مازال مستمرا رغم بطء الأمر لكن بفضل دعمك و أفكارك مازال متماسكا»
«هذا جيد لأنني أحتاج لبعض من خبرتك » قال بينما يبعد الهاتف عن أذنيه عالما بما سيحصل بعد ذلك،عندما إنطلقت صرخة من الهاتف تسأل«هل تقصد أن هنالك مريض تراوده الذكريات بعد أن زرع له قلب جديد ؟»
«هذا ما أعتقده لذلك أحتاج لإجراء فحص نفسي و عقلي للمريض حتى أستطيع الجزم بالأمر ،فقط أعلمني متى تكون متاحا و سأرتب موعد المقابلة »
صدم ريكر عندما أجاب سميث بحماس «الآن!يمكننا الإلتقاء الآن» لكنه أجاب محاولا قمع حماس صديقه المفرط «لقد تم تسريح المريض من المستشفى منذ خمس دقائق فقط » ثم أكمل قبل أن تطول المحادثة أكثر مع صديقه المتحمس «دعنا نلتقي بعد يومين عند الساعة الخامسة بعد الزوال بمكتبك »
«الإثنين مع الخامسة بعد الزوال بمكتبي،حسنا سأنتظركما،لا تنس إرسال معلومات المريض عبر البريد الرقمي»
«جيد،أعتمد عليك وداعا » فصل الإتصال قبل أن يقف و يصلح تجاعيد مئزره بينما يخرج من الغرفة ليكمل أعماله لهذا اليوم
••••••••••••••
