الفصل 28: جنازة في القلب

2.5K 194 290
                                    

"سيخبركِ رمادي أين كنتُ أحترق!"

...

قصر القيصر (لشبونة) - البرتغال / عام 2065.

لو لم يكن النُّور الذي غمر الأرجاء هذا الصباح شديد الوضوح، لأقسم الكون أن الشمس صرفت نظرها عن القصر، لكن هذا لا يعني أنها أشرقت ما وراء شغاف القلوب الملتاعة هنا!

لم يكن رحيل بينيت و أليكس الأول من نوعه، فالأرض وحدها تعرف كم إحتظنت من قبيلهم، لكنهما لم تكونا الميتتان اللتان يسهل طيُّهما في سِفرِ الراحلين بكل ببساطة!

نعم الكل يتجالدون للإقتناع بما حدث، غير أنهم يتمزقون بألف طريقة خلف صدورهم الصابرة، و كلٌّ منهم يحتكمُ لصمته متشبثا بنية الثأر.

لم يستطع باولو تجاوز إختطاف آش التي ملأت حياته بهجةً إفتقدها، و عبثا حاول زاندر تخطي ذكريات تدريبه لأليكس في الملاكمة... حتى باتت تكاد تنافس المدربة فاليريا، و لا تزحزح زوربا من غرفة شقيقته بينيت، و لا جفت دموعه كذلك!

تشاركا أحلاما حفرت بأعماقه، و مع موتها نخرته تلك الأحلام حتى العظم، لا سيما حلم العودة إلى رحاب سويسرا، حيث يمكن مداعبة الأبقار، بدل رقص الأنامل فوق مفاتيح الحاسوب و تقطيع الحطب بدل تلقيم الأسلحة!

الأقسى أنه سيعود وحيدا ليرعى فراغ تلك المساحات الخضراء دونها!

لمست نيس قفازات أليكس للمرة...! اللعنة! إنها لا تدري كم من مرة خطت بأناملها فوق جلدها البارد، كفوف الإسكتلندية الثائرة ليست هنا لتمنحها معنى، لكن... إسم أليكس يكفي، و ذكرى وجودها هنا في هذه الحلبة يكفي!

-إنه يكفي... أليس كذلك؟

همست لنفسها بصوت واضح، حتى تفاجأت بيد ترتاح على كتفها مربتة في رفق، هذه أذيال الفجر، و هناك شيء من النور يتسلل عبر نوافذ القاعة الرياضية، لكن... ظلام الحزن كان شديدا... يسربل ملامح الرجل الذي أطل من العدم قائلا بلطف:

-هل تريدين أن تبكي على كتفي؟

حسنا، إنها تراه بوضوح الآن، و تكتشف أيضا أنها تذرف دموعا لا تلائم برودها المعهود، أزاحت يد جوني عن كتفها مردفة تنهمكُ في تجفيف تلك الدموع بعيدا عن عينيه الحشريتين:

-أنا لا أبكي!

أردف ساخرًا و هو يلاحق عينيها الهاربتين:

-سُحقا! لماذا أنجبت فرنسا كاذبةً مثلكِ؟

أفلتت القفازين و إنقضت عليه تحيط عنقه بيديها النحيلتين، و تحاصره إلى الجدار معقبة:

-لو لم تكن حليفنا... لقطعتُ لسانك!

-إقطعيه!

حدقت فيه ذاهلةً، فتابع بجنون:

-بكل الأحوال... أنا أفقدُ قدرتي على الكلام أمام فتنتكِ!

البحث عن شياطين|Looking For Demonsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن