6-خفايا وأسرار

16.5K 722 530
                                    

إذا ركبت القطار الخطأ حاول أن تنزل في أول محطة ، لأنه كلما زادت المسافة زادت تكلفة العودة.

- فيودور دوستويفسكي

•••••

"لقد حدث ما كنت متخوّفة منه؛ آيدن فقد قدرته على المشي"

اخترقت تلك الكلمات العنيفة مسامعَ هانا الضعيفة فلم تجد نفسها إلّا وهي تعود إلى الخلفِ مُحاولةً التّصدي لما أدركتهُ من حقيقة، لكن وسط تلك المعركة الدّنيئة فشلت الثّائرة العنيدة وهُزمت نتيجةً لهمساتِ روحها البريئة، روحها التي تلاطمت فيها الأفكار السّقيمة تماماً كما تتلاطم أمواج البحر المخيفة..

-طائر الأحلامِ أضحى مقيّدا، لقد حُكِم عليه بالبقاءِ مُحاصراً. هو لن يتمكّن من الإعتماد على نفسه بعد الآن ولن يتمكّن من تحقيق أحلامه التي رسمها في صفحاتِ رأسهِ من زمان، هو لن يتمكّن من الرّكض في بقاعِ الأرض كما رغب ولن ينجح في بلوغِ أعلى القمم...
طائر الأحلامِ أضحى عاجزاً مقعدا، في ثنايا قفصهِ مُعلّقاً.

ترددت تلك العبارة الآثمة في رأسها فتعالت رغباتُ قلبها الجامحة، رغبات أغرتها كي تُظهر ضعفها أمام الجميع لكنّها حافظت على هيئتها الصامتة وأمضت دقائقاً خانقة في التّحديق بتلك الطبيبة السّاكنة...

أجل... لقد حدّقت بها بشكٍّ باطن ظنّاً منها أنّ الكلام الذي سمعتهُ كان عبارة عن وهمٍ بائسٍ، وهم عمل خيالها على صبّهِ في مسامعها بصوتٍ مزج بين المرئية وانعادامها وبين الواقعية وما يترنّح في أزقّةِ خيالها..

"آنسة هانا..أعلم أنّ الأمر أصعب من أن تتقبليه لكن عليكِ أن تكوني قوية..وجب علينا الاتّحاد كي نُخبر آيدن بالحقيقة"

اخترق ذلك الكلام المُؤذي مسامع هانا بطريقةٍ مفاجئة فابتلعت ريقها بصعوبة ثم مسحت على شعرها معلّقةً:

"أنا جاهزة...سأدخل معكِ لنُخبر آيدن بكل شيء لكنّني بحاجةٍ إلى بعض الوقت."

أنهت كلامها لتمشي في أرجاء الرّواق دون أن تتركَ فرصةَ التّعليقِ للطّبيبة، ثم عندما وصلت إلى نهايةِ الممر اقتحمت حمّام السيّدات ووقفت أمام المرآة تتأمّل انعكاسها عليها بانكسار...

لقد تأمّلتهُ بنظراتٍ بدت أغرب من الغرابة بحدّ ذاتها ثم دون أن تشعر بنفسها غابت عن واقعها وراحت تتذكُر آيدن الذي كان يحوم حولها بحماسةِ طفلٍ صغيرٍ في يومٍ مضى...

أجل تلك الهجين تذكّرتهُ هو وأحلامه ثم تذكّرت طفولتها معه لتتوقّف حافلة الذّكريات في محطّة جهلِ الحقيقة. أين تخلّت القوة عن هانا فلم تجد نفسها إلّا وهي تبكي بقهر، تبكي ابن عمّها الوحيد وتبكي مستقبله غير المضمون..

تنفّست تلك الثائرة الحزينة باضطراب ووضعت يدها موضع قلبها دلالةً على الألم ثم مسحت دموعها مردّدة بأمل:

The thug's hybrid✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن