كانت قد استيقظت للتو من نومها، تعلم انها استيقظت و هي بحالة سيئة، كانت تعيش في عقلها تلك الغربة عن الواقع مجدداً؟ كأنها لا تستطيع استيعاب ان هي تقف هنا في الواقع ام انه جزء من حلم ما! و الأسوء رافق ذلك الشعور الشديد الغثيان و الصداع، و ذلك الخمول لم يغادرها! كان اليوم إجازة هذا يعني أنها لن تذهب للعمل، مما يعني أنها ستكون وحدها، مع ذلك ابتلعت ريقها و قوت نفسها لتقف على قدميها، شعرت بالثقل مع ذلك حملت نفسها للمطبخ لتصنع الفطور، وعدت نفسها انها ستقضي اليوم كله في الحياكة في الخارج بين الطبيعة! كانت فاقدة للشغف بعض الشئ و لكنه كان أفضل من وحدتها هذه! سمعت صوت خرخشة الباب التفتت ناحيته و قالت بعتاب و هي ترى خياله و الشمس كانت خلفه تغطي ملامحه:" هل عدت اخيراً؟"
ابتسم و هو قد فهم عتابها، اقترب منها بلطف، موجهاً زهور الخزامى لها، ابتسمت برقة، و ببطئ حاول يضمها فوجدها تضمه هي الأخرى بشوق
"لم تفارقيني " قال بابتسامة خفيفة
"أنت ايضاً" قالت بسعادة و هي تعلم انه كان بتجنب ذكر الشوق فهي كانت تتحسس من هذه الكلمة و لم تتخطاها بعد ، ابعدها عنه بلطف و قال ممازحاً:" هل زاد وزنكِ؟"
نظرت لبطنها و هي تمسك به و قالت:" يبدو ان ابنتك تحب الطعام جداً وهي اليوم تشتهي حساء البطاطا "
"هل أنتِ بخير؟" سألها بعد فترة بجدية
وجد وجهها متجهماً فقالت بهدوء:" استيقظت صباحاً بمزاج معكر و أغلب ما فيني كان سببه أعراض الحمل و لكني أفضل حالاً الآن، كنت سأقضي يومي بالحياكة و حملت هم البقاء لوحدي بصراحة و لكن أعتقد ان هناك تغيير للخطط"
"اتفق لنأخذ فطورنا نذهب للتل القريب كتغيير للمزاج كما ان جولة على الأقدام ستكون مفيدة لنا" قال بلطف
"و لكن والتر انت تبدو متعباً" قالت و هي تمسك بوجهه و هي تراقب الهالات تحت عينيه
"سآخذ قيلولتي هناك " قال بابتسامة و أكمل:" سأخبركِ كل شئ عن الصفقة"
ابتسمت له و قالت:" جيد يمكنك ان تأخذ قيلولتك حتى أعد الفطور و أجهز بقية متطلبات الرحلة"
وجدته يبتسم لها قبلها على رأسها بخفه و غادر ليأخذ قسطاً من الراحة حتى تنهي الفطور.

نظرت حولها و علمت انها اتخذت القرار الصحيح حينما أعطت والتر فرصة و تزوجته، فهي فهمت ان هذه المشاركة في علاقتهم، حملهم هموم بعضهم ساعدها كثيراً لتتخطى الكثير مما تعاني منه، كانت مدركة أنه لم يكن سهلاً ابداً، عانيا كثيراً ولكنه مضى و حملها جاء ليشغلها عن همومها قليلاً فهي القت كل تعبها على الحمل و هذا ساعدها لتتناسى الكثير مما كانت تشعر به، كانت الأمومة تصبرها و تساعدها فشعورها بالمخلوق الذي يتكون بداخلها و الذي أصرت أنه فتاة جعل قلبها ينبض ببعض الحياة و مد لها الأمل و حبها لوالتر و حياتها مع أصدقاء و أهالي القرية كانت بالنسبة لها تسلية كبيرة، أما ويلامينا و التي افتقدت حسها مؤخراً بسبب ثقل حملها لم تتركها بل تطفلت عليها لم تكن تتركها حتى تتأكد أنها بخير، كانت تسليتها هي رسائل جيزيل و التي تحكي لها فيها عن مغامرات اخيها ابنه و الذي انشغل ليجعله وريثاً مناسباً لآل دالتون بالرغم من حداثة سنه، اما ايميليا كانت قد وضعت حملها بطفل ذكر يشبه والده سموه رايلي، اما فتيات المشغل و السيدة ساني كما هن لم تكن تستطيع تفويت رفقتهن، فهي قد عاودت للعمل هناك و بقي ذلك الشغف موجود، و كانت تستمتع كثيراً بذلك بالرغم من تعبها، اما جودي و جورج سمعت من زوجة أخيها انهما تطلقا بالرغم من ان جورج في فترة ما حاول ان يعيد العلاقة ولكنه فشل في ذلك اما هي حاولوا أهلها حبسها عن الشرب و لكن كان ذلك صعب جداً فهي كانت مدمنة، اما جويل هامبل فقد ماتت جدتها بعد شهران من زفاف باندورا، لم تعتذر يوماً من باندورا ولكن بقيت العلاقة رسمية في حدود الاحترام، و اخيراً اللورد بارينقهام بعد ٦ شهور من المحاكمة تم البت اخيراً في قضيته، هو لم يعدم لأنه في نظرهم فاقد للأهلية و لكن تم احالته في مستشفى للأمراض النفسية للمجرمين في احدى الجزر الإنجليزية. و لكنها بالنسبة لها كانت عدالة كافية المهم انه كان بعيداً عنها.

مرت سنة منذ زفافها بين الحلو و المر، خرجت من تلك الذكريات و قد كانت اخيراً فرغت من الفطور، رتبت كل شئ في سلة و في السلة الأخرى حملت عدة حياكتها، التفتت لتوقظ والتر الذي غفى على الأريكة في غرفة المعيشة !
"والتر" قالت برقة
تحرك و همهم بتعب:"انني مستيقظ"
ابتسمت و هي تنظر له، تعلم انه متعب و لكن بدى انه لا يريد تفويت قضاء بعض الوقت معها، فقد تحرك بتعب بعد دقائق
"اذهب لتغسل وجهك" قالت و هي تعود لتنهي ترتيب السلال
خلال عشر دقائق كان مستعد تماماً هما بالخروج، دفء الصيف ساعدهما كثيراً للإسترخاء، فصباحات الاجازات كانت دائماً هادئة و ناعمة تترك فيهم شعور داخلي بالسلام، فقد اعتادوا ان يقطعوا ذاك الممر بصمت لا يكلم أحدهم الآخر انما يغيبون في الطبيعة كلاهما في عالمه، و هذا تحديداً ما فعلاه حتى وصلا لغايتهما، وضعت السلة فوجدته يهم بالفرش و التوضيب و هي جهزت الطعام، كان هذا الهدوء و السلام بالرغم من كل شئ مثالي، هي تعلم انها لم تحلم يوماً بشئ كهذا و لكن هذا كان يفوق أحلامها حتى! جلسا يتناولان الطعام و هما يتبادلان أطراف الحديث، تعلم انها غابت فيه لوهلة و هي تسمع لخطط عمله، في قلبها تمنت ان لا تفتقد ابداً مثل هذه الجلسات، في المستقبل عندما يصبحان في السبعين او ربما في الثمانين تريد ان تقوم بمثل هذه النشاطات معه، كان هذه لحظة إدراكها استوعبت أنها تستطيع ان تفكر بالمستقبل و تتطلع له، كان شعور الأمل ذاك لذيذ دغدغ روحها، فأشرق وجهها معه.

———————————
تمت بحمدلله في ٩/٥/٢٠٢٣

باندورا في الريفWhere stories live. Discover now