الفصل الثامن: كيف تصلح ما ليس له وجود؟!، و غلطة كلفتنا الكثير!

282 46 21
                                    

مر شهر على تلك الحفلة، أو عليٰ القول على تلك الفضيحة التى و للحق حققت ضجة كبيرة و كانت أرض خصبة لحديث الإعلام، و عكس ما توقع فريد أنه قد يخسر كل شئ، لم يخسر شيئًا، بالعكس فقد أشتهرت جريدة الكلاون أكثر و أكثر، نعم ظل محتفظ بهذا الأسم و لم يغيره بعد أن أشتهر، بالعكس فهو يعتقد أن هذا الأسم هو هويتها، لم يكن بباله كل هذا فكان يريدها جريدة ترفيهية و ليست سياسية أو لها علاقة بعالم الأعمال المظلم و لكن كان للقدر رأي آخر و كان له أن يسير مع التيار لكي ينقذها، فحاول عمه غلقها و لكن فريد كان حاسب حساب هذه اللحظة، فهو لا يتحرك بعشوائية، إنتقامه هذا كان من تخطيط خمس سنوات، خمس سنوات يعطيه فرصة و لكنه لم يغتنمها، ليسقط عمه بقوة على الصخر لينكسر ظهره.

كانت هذه الخطوة مقدرة لها الحدوث، إن لم تكن له، فهى ليجتمع مع حبيبة تالين، و كما توقع تمامًا، عندما تقدم لخطبتها، أستقبله أبيها بالترحاب كجندي عائد من حرب تحرير من إحتلال ألتهم البلاد و تركها خرابًا، ليكون الخلاص على يده، و مع أول كلماته وافق أبيها، و أخيرًا حلمه أصبح حقيقة، و لكن لم يشعر بتلك السعادة العارمة، فهو قد ألتقط ألمها، يعلم أنها فرحة و أن فرحتها تضاهي فرحته و أكثر، لكنها لم تستشعر خوف أبيها، لم تسمع كلمات مثل: "الرأي رأي العروسة"، أو "أحنا لازم نسأل عليك الأول"، لم تستشعر غيرة الأباء التى تظهر عندما يشعر بتهديد سلب حبيبته الصغيرة من بين أحضانه، حتى بعدما هو رحل يقسم أنه لم يأتي لغرفتها ليلًا يمسد على شعرها يستعجب الوقت الذى يجري بسرعة الضوء كعداء أوليمبي متمرس، يرثي حاله و كيف هو ليس بقادر على التخلي عنها، فلايزال لهما ما يحكى و ما يقصوه لبعضهما و ما يجربونه، يسب ذلك الرجل الغريب الذى هو مزمع على سلبه أميرته الصغرى، من يتصيد أخطاء لكي يفسد تلك الزيجة، كعادل إمام فى فيلم عريس فى جهة أمنية، كم تكره هذا الفيلم الذى يشعرها بنقصها من جهة الأهل الحاضرين الغائبين و الموتى الأحياء. ليقسم لنفسه بأنه سيبدد هذا الحزن بكل ما يملك، و لكن مسكين من يقدر أن يسكن آلالام الأهل فهى آلام غائرة لا يفلح معها أى مسكن.

أما هذا الشهر فقد مر على عصفوري الكناريا الجميلان إسلام و أسماء كأنه شهر عسل جميل، فظل يسمعها من الشعر و الأغاني ما أحلاها و ما أجملها، ليغوص أكثر فى غسل عينيها و لتغوص هى أيضًا فى حبه الذى تعاظم و تضخم بقلبها أكثر و أكثر، فهو كالعوض الذى أتى ليبدد و يمحي و يجبر كل نواقصها و كل خدوشها و تمزقاتها، كلمة حب قليلة جدًا على ما يشعران به، و لكن هذا الحب على وشك عش الفراخ الصغير و ما أقصده هو سيهدم عش تغريد و صعيب قبل البناء حتى، قأوقات يكون الحب مهلك للبعض حتى لو لم تكن أنت المعنيٰ به. لذا حذار أن يكون حبك القاتل المتسلسل برواية أحدهم.

مر هذا الشهر على تغريد و صهيب كأنه أختبار، تختبره هل هو أهل بأن تعطيه قلبها، و تسلمه كيانها و حبها و جوارحها، و الإجابة كانت نعم، ساذجة إن ظنت بأنه لا يدري، بالعكس هو يدري و كان مستعد لذلك، و لكنه تظاهر بأنه لا يعرف حتى يطمئنها بأنها ساجيته هكذا، لا يقصد خداعها بالمرة و لكنه يطمئنها، و عندما أخيرًا تفوهت بكلمته المنتظرة ود لو يعتصرها بأحضانه، و لكنه قال بفرحة عارمة: نفسي والله أخدت فى حضني، أخبيكِ فى قلبي يا مؤلمة قلبي و مؤرقة ليالي عينيٰ، و لكن هصبر و أستنى و أحضنك لما تبقى مراتي ساعتها دقات قلبي اللي هتبقى تحت أذنك هى اللي هتقولك هى عانت و حست فى بعدك قد إيه، لأن المعاناة تُسمع من اللي عانى و ليس من اللي رأى و إنتهى الأمر، و قلبي عانى كتير فى حبك يا تغريد.

أما هى فكانت تسمع تلك الكلمات و قلبها يعصف و يهدر بقفصها الصدري بقوة، يود لو يحطمه ليذهب هو و يحتضنه و يحتضن قلبه و يمسد عليه مطمئنًا إياه بأن معاناته و عذابه قد أنتهوا للآن، لتسمعه يقول مرة آخرى: هاتي رقم والدك أخد ميعاد منه يا تغريد.

لتسمع تلك الجملة لتوأد فرحتها بمهدخا لتقول له بتوجس: ليه يا صهيب بلاش.

ليقول لها بتعجب: بلاش يعني إيه، يعني إنتِ مش بتحبيني؟!.

لتقول هى بسرعة تنفي ظنونه تلك: لا بالعكس بحبك، بس بلاش يا صهيب، بلاش هما مش هيوافقوا، مش هيقبلوا بكدا.

ليقول هو بترقب: ليه يا تغريد؟.

رفضت بأن تجيب فكيف ستصيغها، كيف ستقول ببساطة أنهم لن يوافقوا لأنه ليس إسلام!، فقد قالوها لها صريحة: إما إسلام و إما لا.

بحق الله هى لا تحب إسلام و هو الآخر لا يحبها، لماذا يدمران حياة أربع أشخاص، يكسروا فرحة أربع أشخاص و كأن وأدهم لفرحة إبنتهم لا يكفي!.

لتستفيق من أفكارها على صوته الحاني يقول: قولي يا تغريد متخبيش و متسكتيش.

لتقول هى بألم: لأنك ببساطة مش هما اللي عايزينه، مش إنت اللي بيتمنوه. يا صهيب بلاش، أنا عارفة إنك بتحاول تصلح اللي بيني و بين أهلي و بتحاول تدي لعلاقتنا فرصة، أنا بقولك مكنش فيه علاقة علشان تتصلح، إزاى تصلح حاجة ملهاش وجود!، بالعكس بمحاولتك دي إنت بتكسر علاقتنا اللي هى النور بتاعي، مش هقدر أتخلى عن النور دا يا صهيب، بلاش يا صهيب بلاش. هنخسر بعض بلاش.

ليقول بعند: متقلقيش يا تغريد، أكيد أهلك مش كدا، أكيد مش هيجوا على بنتهم و فرحتها كدا يا تغريد، حاولي مش هنخسر حاجة.

لتقول بحدة: لا هما كدا أنت متعرفش حاجة، أنت معاشرتهمش زي، متعرفش تفكيرهم قدي، و أيوه هيجوا على بنتهم و فرحتها ما دي عادتهم من الأساس!، و أيوه هنخسر، هنخسر بعض، انا معنديش إستعداد أخسرك يا صهيب، مش عايزة أرجوك بلاش يا صهيب. لو إنت عايز تخسرني يبقى تكلمهم، أفتكر إني بقولك بلاش يا صهيب، متهدش اللي بينا علشان حاجة مش موجودة لا كانت ولا هتكون. متكسرنيش بأنك تكلمهم يا صهيب.

هز رأسه لها بصمت و لكن قد عقد عزمه على فعلها، و لكن ما سيحدث تاليًا سيجنيان ثماره وحدهما، ليته هو فقط من سيجنيه وحده و لكن هما فقط من سيجنيان، و الأكثر ستكون هى، تسرع واحد كلفهم الكثير، ليتذكر هذا اليوم و هذه اللحظات كل ليلة لتنزل دموع الندم ساخنة على وجه تحرق قلبه و تسلخ روحه بقسوة كجزار نُزِعت من قلبه الرحمة، لنراه واقف أمام قبر لا حول له ولا قوة يبكي فقط، فقط يبكي و البكاء هو ما أصبح قادر عليه بعد أن غيرت تلك اللحظات مصائر الكل فى لحظة واحدة لم يعلموا ما قد أصابهم، ثلاثة يحملان نفسهم ذنب ما حصل لتلك المسكينة، و إثنان قضت عليهم تلك الحادثة و ظلوا يتقاذفون اللوم عليهم ككرة قدم بين أرجل اللاعبين، و لكنها لا تدخل فى مرمى أى خصم منهم، و قد حرصوا بأن لا تفعل من الأساس!، و إثنان أخران قد أكلهم الندم من نوع آخر كنار فى الهشيم، من ظن بأن الخروج من تحت جناح و طوع عمه و التحرر منه كالخلاص، كان خلاص مؤقت وهمي وأد حبه و وأد كل ما كان بينه و بين معشوقته، لتكون قصتهم طي النسيان، فقد كان خلاصًا لنفسه و هلاكًا لحبه، لا يعلم حقًا على من يعلق اللوم، و هل هنالك لوم بالأمر؟!، بل هناك ضغف و بغضاء و إحساس بنقص تغذى و كبر و أشتد عوده ليمسك بنصل حاد يقتل حبهم و يقتلع قلوبهم و يمزقها و يبتلعها فى مشهد مرعب، كوحش كاسر انقض على فريسته بعد جوع طويل، ليصير الوصال هو ما تبتغيه الأنفس.

#ما_تبتغيه_الأنفس
#بقلمي_مريم_يوسف_ذكي

ما تبتغيه الأنفس (مكتملة)Where stories live. Discover now