الفصل الثاني: من بيننا الفارغ حقًا؟!

699 89 49
                                    

كانت تقف على السطح و هى تحتضن نفسها بقوة و أطرافها قد نافست القطب فى برودتها و أصبحت شفتيها شاحبة و وجهها يحاكي شحوب الأموات، كانت أطرافها تفتش الحقيبة و كأنها سارق سرق مجوهراتها، تبحث أناملها عن علبة الدواء خاصتها، وجدتها و قد زفرت زفيرها المكبوت برئتيها و أخذت منها برشامة صغيرة، و ما كادت أن تضعها مكانها أمسكها فريد بقوة منها و عيونه تكاد تخرج من وجهه، و أمسك وجهها بقوة يريدها أن تبثق البرشامة، ليقول بغضب: تفيها من بوقك، طلعيها من بوقك يا تالين.

كانت يده و بالرغم من إرتعاش روحه تشتد على فمها تريد فتحه لتخرج الحبة منها، لتحاول إبعاده بوهن و لكنه لم يفعل، لتبعده عنها بأخر قوة تملكها، لتسقط على الأرض و تبتلع الحبة و تأخذ أنفاسها المسلوبة بطريقة طبيعية، أما هو فنظر للعلبة التى على الأرض، و لم يفهم منها شيئًا ليرفعها أمام تالين و يقول بإتهام: للدرجة دي مش متحملة إنتقاد، للدرجة دي ضعيفة و متعلقة بشخصية خيالية و مهووسة بيها، للدرجة دي وصل بيكِ اليأس و اللاوعي لأنك تنتحري، للدرجة دي ضعيفة، للدرجة دي إنتِ فاضية و حياتك مفيهاش معنى غير يوتجين بتاعك، اللي لما إتمنعتِ عنه جريتِ زي العيال الصغيرة تبكي و مش بس كدا و كمان هتنتحري. دي العيال أحسن منك.

كان يقول كلماته و قلبه يبكي كيف لها أن تنهي حياتها و تذهب عنه؟!، كيف لها أن تتخلى عن حياتها لهذا السبب؟!، كيف لها أن تقبل أن تبتعد عنه؟!، كيف له هو أن يعيش و هي بعيدة عنه. و لكنه هو من أختار أن يواجهها و إن كانت حقيقة إنهاء حياتها التى نسجها مؤلمة فما سينزل على مسامعه الآن سيكون قاتل و بحق. ليتحمل ما سيقع على مسامعه، فالذي منزله كالزجاج لا يزقل الناس بالحجارة

لتقول هى ببكاء: خلصت، خصلت إتهاماتك، خلصت نقدك، أنا حاولت أتجنبك و أتجنب ردي عليك، بس مادام أنت مصر يبقى تتحمل، دا مش دواء إنتحار دا دواء إكتئاب، إكتئاب يا فريد، أيوه أنا مريضة إكتئاب، مريضة و المرض مش عيب علشان أداريه، المرض النفسي مش عيب، لكن المجتمع خلاه عيب و خلاني أنا و اللي زي نتعالج منه فى السر، علشان متقولوش مجنونة، دا أنتم حللتم اللي بيتعاطى مخدرات لحد ما بقى الموضوع عادي، و لكن أنا اللي بتعالج مش عادي، أتربى عندي خوف أنه لا لازم مروحش هناك ولا حتى أفكر و إلا الناس هتقول عليا مجنونة، و لو روحت مينفعش أقول للناس تقول عليا مجنونة، و أنا مالي و مال الناس، و الناس أصلًا مالها و مالي، ليه تركز معايا و ليه تفضل باصة فى حياتي، ليه أعمل حساب للناس، ليه أعمل حساب لتراب، دا فيه ناس بتخاف تعمل الغلط علشان متتكلمش عليها و إن هتعمل يبقى و هي مستخبية علشان متتكلمش عليها و نسيوا أن فيه ربنا اللي شايف و اللي هيدين و يعاقب فى الآخرة، فضلوا تراب على ربنا!، أنا مش مكسوفة من إني مريضة بعدين الناس دي اللي خلتني مريضة، عيلتي كانوا أول سكينة أطعن بيها، كان عندي بوادر إكتئاب دا مرض طبيعي بيجي زي الأنفلونزا أو البرد، كانت أمي تقول ليا و إنتِ ناقصك إيه علشان تكتئبِ؟!، كان ناقصني حضنها و أنها تبقى متفاهمة مع مرضي، أبويا اللي على طول ينتقض فيا و مفضل أخواتي عليا، و أخواتي اللي على طول حاطيني فى الهامش و كأني مش موجودة، قولت أبعد يمكن أرتاح و أغير شوية هواء و أبدأ من جديد، لكن زاد، زاد لما حسيت إني لوحدي و كأنهم خلصوا من حمل و كأن أوضتي كانت لوكاندة و كنت أنا اللي مأجراها، قولت أسأل عليهم و أزورهم و أقعد معاهم و أركن أفكاري السوداوية دي على جنب ممكن أكون ظلماهم، روحت هناك، تخيل كانوا عاملين إيه فى أوضتي.

ما تبتغيه الأنفس (مكتملة)Where stories live. Discover now