الجزء الأول التصورات

36 2 0
                                    

الباب الأول مباحث الألفاظ



((مهم))

مشاهدة الفديوهات قبل القراءة


الحاجة إلى مباحث الألفاظ

(1) لا شك أن المنطقي لا يتعلق غرضه الأصلي إلا بنفس المعاني، ولكنه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ توصلا إلى المعاني، لأنه من الواضح أن التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالبا (2) إلا بتوسط لغة من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط فلا يتم التفاهم بها، فاحتاج المنطقي إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهة عامة ومن غير اختصاص بلغة من اللغات، إتماما للتفاهم، ليزن كلامه وكلام غيره بمقياس صحيح.
وقلنا: " من جهة عامة " لأن المنطق علم لا يختص بأهل لغة خاصة وإن كان قد يحتاج إلى البحث عما يختص باللغة التي يستعملها المنطقي فيما قل، كالبحث عن دلالة " لام التعريف " في لغة العرب على الاستغراق، وعن " كان " وأخواتها في أنها من الأدوات والحروف، وعن أدوات العموم والسلب... وما إلى ذلك. ولكنه قد يستغني عن إدخالها في المنطق اعتمادا على علوم اللغة.

(1) راجع شرح الشمسية: ص 28، وشرح المنظومة: ص 11، وشرح المطالع: ص 26.
(2) تلويح إلى أنه قد يتحقق التفاهم بغيرها كإحضار المعاني بأنفسها - أي بوجوداتها الخارجية - وكالإشراق والإيحاء، وكالإشارة وغيرها.

_______________


هذه حاجته من أجل التفاهم مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى (1) إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه، هي أعظم وأشد من حاجته الأولى، بل لعلها هي السبب الحقيقي لإدخال هذه الأبحاث في المنطق.
ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع، ثم نذكر وجه حاجة الإنسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد، فنقول:
التمهيد:
إن للأشياء أربعة وجودات (2): (3) وجودان حقيقيان (4) ووجودان


هذا البحث إلى آخره ليس من منهاج دراستنا. ولكنا وضعناه للطلاب الذين يرغبون في التوسع، حرصا على فائدتهم، هو بحث له قيمته العلمية، لا سيما في مباحث أصول الفقه.
(٢) أي لجميع الأشياء - على ما هو مقتضى الجمع المحلى باللام - فلا ينافي وجود نوع آخر أو أنواع أخر من الوجود لبعض الأشياء كالصورة الفتوغرافية أو التمثال للأجسام، وكذا الوجود المثالي للماديات والوجود العقلي للماديات والمثاليات.
(٣) راجع شرح المنظومة: ص ١١ والجوهر النضيد: ص ٢٩ وأساس الاقتباس: ص ٦٢، وشرح الإشارات: ص ٢١، وتحصيل: ص ٣٨.
(٤) كون الوجود الخارجي وجودا حقيقيا للشئ واضح. وأما الوجود الذهني: فهو وجود حقيقي بالنظر إلى أن الوجود الذهني هي ماهية الشئ تحضر بعينها لدى الذهن، قال الحكيم السبزواري:
للشئ غير الكون في الأعيان * كون بنفسه لدى الأذهان فالوجود الذهني لما كان هو وجود نفس الشئ، صح أن يقال: إنه وجود حقيقي للشئ.
هذا، ولكن فيه: أن الموجود في الذهن مغاير للموجود الخارجي وجودا وماهية، أما وجودا فواضح. وأما ماهية، فلأن ما في الخارج هي حقيقة الماهية، وباقي الذهن ليس إلا مفهومها. وبعبارة أخرى: الموجود في الذهن هي الماهية بالحمل الأولي، وما في الخارج هي الماهية بالحمل الشائع. فالحق أن يقال: إن للأشياء أربعة وجودات: أحدها وجود حقيقي لها، والباقي وجودات مجازية لها حاكية عنها. نعم، تفترق هذه الثلاثة في حكايتها، فالوجود الذهني يحكي الوجود الخارجي بذاته من دون جعل جاعل واعتبار معتبر، وأما الآخران فهما إنما يحكيانه بالوضع والاعتبار.
فالوجود الذهني وجود الصورة الذهنية حقيقة - كما أن الوجود اللفظي والكتبي وجود اللفظ والكتابة حقيقة - وهو وجود للشئ الخارجي مجازا، كما أن اللفظ وجود المعنى والكتابة وجود اللفظ مجازا. لكن الوجود الذهني يحكي الخارج حقيقة أي بالذات ومن دون اعتبار من معتبر، وأما الوجود اللفظي والكتبي، فإنما يحكيان الشئ الخارجي بسبب الوضع والاعتبار.

المنطق Where stories live. Discover now