النظر أو الفكر

29 1 0
                                    

تعريف النظر أو الفكر:
نعرف مما سبق أن النظر - أو الفكر - المقصود منه " إجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب " والمطلوب هو العلم بالمجهول الغائب، وبتعبير آخر أدق: أن الفكر هو: " حركة العقل (1) بين المعلوم والمجهول " (2).
وتحليل ذلك: أن الإنسان إذا واجه بعقله المشكل (المجهول) وعرف أنه من أي أنواع المجهولات هو، فزع عقله إلى المعلومات الحاضرة عنده المناسبة لنوع المشكل، وعندئذ يبحث فيها ويتردد بينها بتوجيه النظر إليها، ويسعى إلى تنظيمها في الذهن حتى يؤلف المعلومات التي تصلح لحل المشكل، فإذا استطاع ذلك ووجد ما يؤلفه لتحصيل غرضه تحرك

عقله حينئذ منها إلى المطلوب، أعني: معرفة المجهول وحل المشكل.
فتمر على العقل - إذا - بهذا التحليل خمسة أدوار:
1 - مواجهة المشكل (المجهول).
2 - معرفة نوع المشكل، فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.
3 - حركة العقل من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.
4 - حركة العقل - ثانيا - بين المعلومات للفحص عنها وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحله.
5 - حركة العقل - ثالثا - من المعلوم الذي استطاع تأليفه مما عنده إلى المطلوب.
وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة - أو الحركات الثلاث - هي الفكر أو النظر، وهذا معنى حركة العقل بين المعلوم والمجهول.
وهذه الأدوار الخمسة قد تمر على الإنسان في تفكيره وهو لا يشعر بها، فإن الفكر يجتازها غالبا بأسرع من لمح البصر، على أنها لا يخلو منها إنسان في أكثر تفكيراته (1) ولذا قلنا: إن الإنسان مفطور على التفكير.
نعم، من له قوة الحدس يستغني عن الحركتين الأوليين، وإنما ينتقل رأسا بحركة واحدة من المعلومات إلى المجهول، وهذا معنى " الحدس " فلذلك يكون صاحب الحدس القوي أسرع تلقيا للمعارف والمعلوم، بل هو من نوع الإلهام وأول درجاته، ولذلك أيضا جعلوا " القضايا الحدسيات " من أقسام البديهيات، لأنها تحصل بحركة واحدة مفاجأة من المعلوم إلى المجهول عند مواجهة المشكل من دون كسب وسعي فكري، فلم يحتج إلى معرفة نوع المشكل (2) ولا إلى الرجوع إلى المعلومات

عنده وفحصها وتأليفها (1).
ولأجل هذا قالوا: " إن قضية واحدة قد تكون بديهية عند شخص نظرية عند شخص آخر " وليس ذلك إلا لأن الأول عنده من قوة الحدس ما يستغني به عن النظر والكسب، أي ما يستغني به عن الحركتين الأوليين، دون الشخص الثاني فإنه يحتاج إلى هذه الحركات لتحصل المعلوم بعد معرفة نوع المشكل.
خلاصة تقسيم العلم:
العلم تصور تصديق ضروري نظري ضروري نظري

____________________________

(1) راجع الحاشية: ص 16 وحواشيه في المقام، وشرح الشمسية: ص 16، وشرح المنظومة:
ص 9، وتعليقة الأستاذ حسن زاده في المقام، ومقدمة اللمعات (منطق نوين: ص 3)، وشرح الإشارات: ص 11.
(2) لا يخفى عليك: أن ما ذكره لا يستفاد من جملة " حركة العقل بين المعلوم والمجهول " فإن أكثر ما يستفاد منها حركتان: حركة من المجهول إلى المعلوم، وحركة من المعلوم إلى المجهول، وأما الحركة في المعلومات فاستفادتها من الجملة المذكورة في غاية الإشكال.

________________________________
(1) وهي التفكيرات التي تصل إلى النتيجة.
(2) يبدو أن معرفة نوع المشكل محتاج إليها في الحدس أيضا. فتأمل.

________________
(1) وبعبارة أخرى: الفكر هو الالتجاء إلى المعلومات والبحث والفحص فيها للظفر بالحد الأوسط ثم الانتقال منه إلى المطلوب. والحدس هو تجلي الحد الأوسط للإنسان وعرضه نفسه على الإنسان من دون التجاء إلى المعلومات والبحث عنه فيها، كأن مواجهة المشكل شرارة تصيب مصباح العقل فيضئ وينور ما كان مظلما.

المنطق Where stories live. Discover now