العلم

53 3 0
                                    

#ملاحظة: مشاهدة الفديو قبل قراءة الشرح

العلم (1) تمهيد:
قلنا: إن الله - تعالى - خلق الإنسان مفطورا على التفكير مستعدا لتحصيل المعارف بما أعطي من قوة عاقلة مفكرة يمتاز بها عن
العجماوات (1). ولا بأس ببيان موطن هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه، مقدمة لتعريف العلم ولبيان علاقة المنطق به، فنقول:
1 - إذا ولد الإنسان يولد وهو خالي النفس من كل فكرة وعلم فعلي سوى هذا الاستعداد الفطري. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس، نراه يحس بما حوله من الأشياء ويتأثر بها التأثر المناسب، فتنفعل نفسه بها، فنعرف أن نفسه التي كانت خالية أصبحت مشغولة بحالة جديدة نسميها " العلم " وهي العلم الحسي الذي هو ليس إلا حس النفس بالأشياء التي تنالها الحواس الخمس: الباصرة، السامعة، الشامة، الذائقة، اللامسة. وهذا أول درجات العلم، وهو رأس المال لجميع العلوم (2) التي يحصل عليها الإنسان، ويشاركه فيه سائر الحيوانات التي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.
2 - ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في صور المحسوسات المحفوظة عنده، فينسب بعضها إلى بعض: هذا أطول من ذاك، وهذا الضوء أنور من الآخر أو مثله... ويؤلف بعضها من بعض تأليفا قد لا يكون له وجود في الخارج، كتآليفه لصور الأشياء التي يسمع بها ولا يراها، فيتخيل البلدة التي لم يرها مؤلفة من الصور الذهنية المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو " العلم الخيالي " (3) يحصل عليه الإنسان بقوة الخيال،
وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.

3 - ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر من المحسوسات، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار، مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه، وخوف الخائف (1)، وحزن الثاكل، وفرح المستبشر... وهذا هو " العلم الوهمي " يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة الوهم. وهي - هذه القوة - موضع افتراق الإنسان عن الحيوان، فيترك الحيوان وحده يدبر إدراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.
4 - ثم يذهب هو - الإنسان - في طريقه وحده متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية، فيدبر بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية، ويميز الصحيح منها عن الفاسد، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها، فيتعقلها ويقيس بعضها على بعض، وينتقل من معلوم إلى آخر، ويستنتج ويحكم، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية.
وهذا العلم الذي يحصل للإنسان بهذه القوة هو العلم الأكمل الذي كان به الإنسان إنسانا، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم والفت الفنون، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس.
وعلم المنطق وضع من بين العلوم لأجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفا من تأثير الوهم (2) والخيال عليها ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.

المنطق Where stories live. Discover now