الفصل الخامس والعشرون

Start from the beginning
                                    

اقتربت واتضحت لها معالم التجمعات أكثر ورأت المدعوين كلهم متأهبين لبدء الاحتفال وتشغيل الموسيقى والرقص وبدأ الشباب بالتكاتف استعدادا لأحياء الليلة بدبكاتهم والتعبير عن بهجتهم وتأملت النساء وهن يضحكن ملأ افواههن وباد عليهن المرح والتسلية ويضعن المساحيق بكثافة ويرتدين الألوان المبهرجة ويبالغن بزينتهن وسرعان ما تعالى صوت الموسيقى الراقصة واكتظ المكان بمزيد من الوافدين وهي شقت طريقها نحو المكان الذي لمحت فيه عتاب والدة فوزية التي كانت شأنها شأن أي ام بليلة زفاف ابنتها مشغولة وقلقة ومنفعلة.
ابتسم خليل ومج سيجاره بفمه وهو يرمق سحاب التي دخلت بين الجموع ووضع هاتفه على اذنه وقال باسترخاء: "ها قد أتت لتوها .... نعم وحدها .... نعم .... امممم"

عندما دخلت سحاب الى الغرفة الصغيرة التي تضم عدد من النساء وقع بصرها على فوزية وابتلعت ريقها وهي تتأملها بحسرة وتعاطف .... كانت البنت جميلة لكن عيونها متورمة ومحتقنه رغم كثافة التزيين .... شعرها الطويل جدا المتعافي منسدل واثار الجدائل مطبوعة على اطرافه وبدى برتقالي الشقرة وعيونها قد ضيع معالمها الكحل الأسود الحاد المسحوب حتى أطراف حاجبيها واحمر الخدود كالصفعات على جانبي وجهها وشفتها الغليظة غارقة بالأحمر الفاقع وانزلت بصرها بحزن الى الفستان الأبيض المبهرج باللمع الكثير ثم الى يديها في حجرها وطلاء الاظافر الذي ابتاعته لها وارتسمت على محياها ابتسامة مريرة عندما رفعت فوزية بصرها والتقت عينيهما وبدت نظرة الفتاة فارغة حتى وصلت سحاب اليها وتناولت البودرة والفرشاة من يد المزينة ومسحت على انفها ووجنتيها هامسة: "ليس لي الا ان أقول لك مبروك"
فوزية وبابتسامة مبهمة: "مبروك؟ تضمين يدك الى اليدين التي اجتمعت على موتي؟"
قاومت سحاب الدموع وهي تتأمل بعينيها وتماثلت امامها تمارا تارة وتارة نفسها وقالت مختنقة بالعبرة: "لا تتكلمي عن الموت .... هذا قدرك"
ابتسمت فوزية بتحدي وهمست: "لا .... سأثبت لكم جميعا ان هذا الزواج ليس قدري .... الليلة سأثبت لكل أهالي القرية ان ثمن اكراهي سيكون غاليا وسأجعلك تشعرين بالندم لانك تهاونت ولم تقفي الى جانبي"
غرزت سحاب اناملها بكتف فوزية المكتنز قائلة بصوت مبحوح: "اياك .... اياك وان تؤذي نفسك .... الموت ليس لك يا فوزية .... اعرف انك محبطة وموجوعة لكن الحياة لم تنتهي الى هنا .... هناك مزيد من السنوات هناك مزيد من الاحداث والظروف وغدا سيتغير واقعك وتصبحين سيدة تمتلك القرار .... اصبري فقط وتذكريني عندما تنتصرين"
وساد صمت بينهما واستغرقت سحاب بترميم المساحيق على وجهها وتخفيف الصفعات على الوجنتين وتنسيق احمر الشفاه مع حدود الشفتين واطفاء اللون اللامع بلون اخر اقل حدة وتظاهرت امام فوزية بالقوة والابتسامة والتشجيع والمواساة لكن داخلها كان يتمزق
احنت رأسها بالقرب من وجه فوزية وغمرتها العطور الطيبة التي تفوح من شعر وعنق العروس وهمست بمواساة ودعم: "من يدري ربما الله أراد لك ان يكون الزوج القاسي الهمجي هو الحبيب بالمستقبل .... جربي يا فوزية ولا تستعجلي الحكم ولا تتهوري بإيذاء نفسك .... الله أحبط كل مساعينا بمساعدتك وانتصر لقرار خليل وربما سخره .... رب ضارة نافعة ........ الست قدوة لك ومثل اعلى؟ يتوجب عليك الاخذ بنصيحتي خوضي التجربة"
اسدلت البنت اهدابها المثقلة بالماسكارا المتكتلة والتزمت الصمت وسرعان ما بدأن الفتيات الصغيرات يرقصن امامها والنساء يصفقن ولاحظت سحاب ان كل تلك المظاهر البهيجة لم تغير شيء بداخل الصبية وبقيت ملامحها حزينة وربما تفكر بهذه اللحظة بأحلامها المسروقة وامانيها التي اجهضت الواحدة تلو الأخرى والهباء المنثور من الآمال التي بنتها ببراءة وسذاجة

اغوار جارى لكاتبة هند صابرWhere stories live. Discover now