هفوة

31 7 3
                                    

لم يقتصر الوضع على النسيان فقط بل صرت أرى تخيلات يقظة و هلوسات أثناء النوم .. أركض في طرق ضيقة ، مظلمة لا تنتهي ..و إدعاءًا منه لقلقهِ علي آتاني متحمسًا بحجة إيجاده لمكان أتلقى فيه العلاج بشكل أحسن ! هذا آخر ما أذكره قبل أن يغشى الضباب ذهني الذي لم يعد يستوعب كلامه ..
- غدا سيتم نقلك لمصحة الأمراض العقلية لعلنا نرى نتيجة سريعة ...
- مهلا مهلا ! أنت لا تَود أن ترسلني هناك !!
- بلى ، هل تتوقعين مني أن أراكِ تذبلين و أبقى مكتوف الأيادي !!رأيته يدفعني من ناطحة سحاب بكل ما أوتي من قوة ، و كأنما لم أحدثه عن خوفي من المرتفعات يوما ..
يقال " إحفر البئر بإبرة، و لا تطلب الفأس من رخيص " المشكلة أنني لم أطلب لا الفأس و لا البئر كان الرخيص نفسه من طلب الإثنين لأجلي .. دخلت بئرا عميقا بدون قعر أحجاره لزجة من شدة إلتصاق الطحالب فيه كل ما حاولت الخروج منه هَويتُ للأسفل و أعود مجددا للمياه الضحلة كان سقفه مغلقا بإحكام عدا تسرب بعض الأشعة من الثغرات التي هدها الإعياء .. تشبه بصيص الأمل .. إذا صرخت يتصاعد بالغا الذروة ثم يتكرر بشكل لولبي ليصفعني بقوة عند نزوله كرفة جناح بعوضة تحول لإعصار .. فأنهار .. إنسان ينطفئ على مهل ، هذا أكثر مشهد حزين يمكن أن تروه.
في الصحة و المرض في الغنى و الفقر ، في الحزن و الفرح هذا ما تعهد عليه !!! و هذا ما خانه للمرة الثانية و من هذا المنطلق أقول أن ضعوا نقاطًا لإنهاء ما يؤذيكم .. إنتهى زمن الفواصل .
نفذت الحلول و لم يعد بيداي العزيلتين حيلة ، توسلت إليه كثيرا كحلٍ أخير عسى أن لا يقدمني على طبق فضي للسعير التي ستلفح ما تبقى مني ، أنفق علي بضع كلمات لا أكثر ؛ مضمونها أن ما يحصل لمصلحتي ، جَهزَ الأوراق و لم يتبقى سوى التوقيع الخاص بي ..أين سأهرب و إلى أين المفر ؟ من ذا الذي سيسند كتفي المنهك و أنا أكاد نسيان إسمي !
رضيت أملا في التعافي .. وقّعت على وثيقة دفني كأي بلهاء عُزِفَ على أوتارها الحساسة ..
لم يتعلق الأمر بخوض نزال في بقعة طين مع خنزير بري أو المضي قدما ضد رياح لا تشتهيها السفن .. كان الأمر متعلقا بالتساؤل عن ماهية الأمور !! في كيفية الفوز على الخنزير في عقر داره ، متعلق في ؛ إلى متى ستصمد السفينة و هي عكس التيار : أمامها خياران إما أن تغير مسارها و تغدو مجرى الرياح أو ستستمر في مقاومة قوى الطبيعة و رويدا رويدا بكل هدوء سرعان ما تنزل أشلاءا محطمة في عمق المحيط، حينها لن يتذكر أحد أنها كانت تطفو على سطحه يوما .. لن يفهم البعض كلامي و قد تعتبره أنت مجرد إختلاط لكن ما أقصده أنه لِمَ تصارع خنزيرا في الوحل !! بينما يمكنك رفع البندقية و التصويب نحو رأسه المقزز دون أن تلطخ حذاءك .. لِمَ تجري عكس الرياح أو حتى في مجراها لن ينفعك كلاهما ! لربما سترميك الرياح إلى نقطة منسية لو تبعتها، ستودع اليابسة و تضيع في مدٍ لا متناهٍ من المياه و الأسوء أنه لا يمكنك إتباع النجوم فالجو غائم ما دامت هنالك ريح .. أنت لا تحتاج إلى شراع و لديك محرك سيأخذك إلى وجهتك المحددة في الوقت المحدد .. أيها القبطان ! ستقود أنت الرياح بدلا عنها .. لا تسري علي القوانين و الحِكم كما لم أفعل مع جاذبية نيوتن ، فأتساءل لو كان أبواي على قيد الحياة هل ستُكسر هذه اللعنة المتسلسلة و أرسي سفينتي بسلام بعيدا عن العواصف و المُحركات ؟! في النهاية أنا لست ميكانيكيا لأُخْتَبَرَ بهذا الشكل ! ألا ترين يا حياة أنني مجرد طفلة !! إرحميني بشرفك ..
و أعود للتساؤل ما إن كانت دخيرة بندقيتي كافية لإختراق جمجمة ذلك الخنزير اللعين .. لعل الوضع كان سيصبح أفضل لو أن على كتفاي حماية .. لما كنت متزعزعةً بهذا القدر ...
متى صِرْتُ صيادة ؟؟

رواية أحببته مسيحيا ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن