الفصل الواحد والثلاثون

81 3 0
                                    

الفصل الواحد والثلاثون



خرج وجدي من منزل قيس وهو يترنح كالمخمور فقد كانت الأفكار تتقاذفه يمينا ويسارا ولشدة تلاطمها في عقله كادت تطرحه أرضا.
مالذي حدث قبل قليل؟.. هل كان حلما أم حقيقة؟..
وجدي قبل أكثر من خمس سنوات كاد يسجن لأنه رفض الانصياع لنزوات فتاة طائشة تحرشت به مرارا وتكرارا...
وجدي، رفض العلاقة المحرمة مع ناريمان ماجعلها تتهمه بالاغتصاب وما أنقذه من السجن هي شهادة الحق التي أدلت بها ميس. بعد أن أدت القسم...
مالذي تغير الآن وكيف اقترف الذنب الذي عف منه وهو أعزب؟.. ارتكبه اليوم وهو زوج لأختها وأب لطفلتين وآخر في الطريق...
ضرب بكفيه على وجهه وكأنه قد استفاق لتوه ،وصاح بكمد : "يا إلهي...."
وجدي عندما مر من هنا لم يكن يقصد المجيء إلى ناريمان، وعندما حدثها لم يكن ينوي الدخول... فمالذي حدث !!!
لا يعقل هذا... كيف للأمور أن تنفلت من بين أصابعك في لحظات ودون حتى أن تشعر... عندما يزين لك الشيطان المعصية القذرة لتراها في أبهى حللها... فتنغمس في اللذة المحرمة وتنسى أن عليك رقيب والله من فوق سماواته السبع يراك، أفلا تستحي !!!
هو الآن يستشعر مرارة المعصية بعد أن انزاحت الغشاوة الشيطانية من أمام عينيه... أدرك لتوه هول وفداحة ما قام به في حق ربه، في حق نفسه كرجل ذو مبادئ، في حق زوجته التي رست بها أمواج أحزانها وماضيها البئيس على شاطئه، في حق ابنتين لن تتشرفا بما قام به في يوم من الأيام... وفي حق فتاة تائهة لعبت بها العواطف. وهو الذي تناسى أنها كانت له عاشقة منذ زمن... وهي الآن ملامة على ما حدث بالقدر نفسه. وقد كانت على الأريكة تضم ساقيها إلى ركبتيها بكلتا يديها وتروح إلى الأمام والخلف في تيه وضياع، قبل أن تنفجر باكية وهي تصرخ: "سامحيني أختي، سامحيني..."
الندم، ومالذي يفيده الندم بعد الفاجعة غير أنه يقتلك في كل لحظة مع سهم الذكرى الذي يقطر دما.

عادت نهاد إلى المنزل وهي تسرع الخطى والدموع تنحدر من عيونها من دون توقف ومرت بالقرب من فريدة التي كلمتها ولم تكلف نفسها عناء الرد إنما زادت من سرعتها لتصعد الدرج ركضا وتدخل غرفتها.
لكبر سنها لم تستطع صعود الدرج إلا بجهد وعندما وصلت إلى غرفة نهاد وجدت الباب مفتوح وحقيبتها ملقاة على السرير، اقتربت من باب الحمام فسمعت صوت الحنفية المفتوحة يمتزج مع آهات نواحها وشهقاتها... إنها نوبة انكسار تعلم جيدا مصدرها... إنه ذلك المجرم الذي دمر حياتها بمجرد أن فتحت له ذراعيها.
عندما أخبرتها نهاد هذا الصباح أنها ستوقع أوراق الطلاق دعت الله في سرها أن ينتهي هذا اليوم على خير. ولكن يبدو أنه حصل غير ذلك.

كان هو يجر ذيول الخيبة وهو يروح ذهابا وإيابا في غرفة الجلوس تحت أنظار ريم التي لم يكن ليخفى عليها قلقه واضطرابه وربما أيضا نكساره بعد أن شاهدت أوراق الطلاق التي ألقى بها قبل قليل على الطاولة كأي شيء قذر تعافه نفسه...
رددت بأسف: أتمنى أنني لست سبب المشكلة...
فرد عليها بحنق وغضب يحاول كبحه: أسمعتني هذا أكثر من مرة...
أجفلت من صوته القوي وشاهدته يصر على أسنانه ولم يكن صعبا عليها أن تعي حجم البركان الذي يتقد داخله، وقفت بعد أن علقت حقيبة يدها على كتفها وهي تردد بصوت خافت: آسفة... سأغادر الآن.
مشت بضع خطوات ليلحق بها ويوقفها بعد أن هتف باسمها، التفتت اليه ليتململ ويهمهم ثم يقول أخيرا: ليس خطأك يا ريم... إنه خطئي أنا وحدي...
عادت ريم أدراجها ووضعت يده بين يديها مواسية وهي تقول: اختر بداية جديدة يا ريان...
كانت تعلم أنها قريبة منه أكثر من أي كان... بحكم تغلغلها لأعماقه واكتشافها بعضا من أسراره... تعلم أنه يرتاح إليها ويحب الحديث معها، لأنه يجد كل التفهم والآذان الصاغية...
الحقيقة التي اكتشفتها ناريمان إذن لم تكن من صنع مخيلتها إنما هي واقع محتم تؤكده نظرات الشغف تلك التي كانت ترمقه بها ريم.
سحب يده منها وهو يتنهد ثم وضع كلتيهما في جيوب بنطاله وسار باتجاه غرفة الاستقبال من جديد وهو يردد: اعتقدت أنني مت حقا برحيلها قبل سنوات... لكنني اكتشفت أن هذه كانت طعنتها الأخيرة.
كانت هذه الكلمات هي الطعنة التي تلقتها ريم في الصميم، فعلى الرغم من مصارحته لها بأمور كثيرة لا يخبر بها غيرها إلا أن هذه أول مرة يصرح بعشقه التام لزوجته السابقة بطريقة يائسة.
طأطأت رأسها وقد شعرت بخدر وألم يهاجمها، لكنها على علم تام أنه ليس الوقت المناسب للتفلسف عليه وزرع أفكارها القاضية ببدأ حياة جديدة بعيدة عن الماضي. رمقته أخيرا بنظرة متفائلة مطمئنة له أن المستقبل سيكون أفضل بكثير وهي تردد: ستكون بخير ريان... ثق بي.
ابتسم هو لكلماتها المشجعة وحرك رأسه بالايجاب. تلك الابتسامة التي تعشقها ريم. والتي تعتبر نفسها الوحيدة الأحق بها لأنها من نجحت في رسمها على شفاهه بعد كل أعوام الخراب التي وقفت الغربان على أطلالها طويلا.
خرجت أخيرا وهي تلوح بمفاتيح سيارتها بين أصابعها في حركات نشيطة، كيف لا وقد شحنها ريان بطاقة إيجابية من تلك الابتسامة التي تبعث بداخلها شعورا عميقا لن يفهمه أحد...

بقايا ركام لكاتبة  بريق الاملWhere stories live. Discover now