٢

243 52 31
                                    


طوال الطّريق إلى المنزل بقي همس الفتاة يتردّد في رأس جين يونغ.

صوتها الرّقيق المُغازِل يطرح «هل تودّ أن نمشي سوياً لبعض الوقت يا سيدي الوزير؟».

قالت ذلك وعيناها لم تثبت على بقعة نظر واحدة لعشر ثوانٍ متتاليات.

تنظر إلى الأرضيّة وكأنّها تبحث عن شيئ مهمّ، ثمّ تُحوّل نظرها بهيام إلى أوراق الأشجار العطرة الطّافية على سطح الماء.

مروراً عابراً بعينيّ الرّجل، تنظر إليه وكأنّه الممنوع المرغوب. وكأنّه حلمها العميق صعب المنال.

جعلته نظراتها هذه يبتعد عدّة إنشات عن مرافقته صاحبة الابتسامات الودودة المتصنّعة، وكان قد فرّق بين ذراعيهما المتعاقدَين قبل بعض الوقت.

لاحقاً سيدرك جينيونغ أنّ فتاته كانت ممثّلة بالفطرة، وبالاكتساب، معاً.

وأنّ عينيها السّاحرَتين وما يعبّران عنه، طوع إرادتها، تستغلّهما أفضل استغلال.

في الشّارع العريض المُضاء بأنوار حادّة مزعجة رغم أنّ الغروب سيتأخّر قليلاً، حرّك جينيونغ مقود القيادة متّخذاً المنعطف الأول في طريقه الطّويل.

وداخل رأسه قال الرّجل، وبدا الصّوت حنوناً، رغم أنّ حباله الصّوتية تُحتِّم عليه الخشونة: «بالتّأكيد أودُّ ذلك يا ناوكو الصّغيرة. ولكنّ الجميع ينتظروني في البيت الآن. أختك قالت إنّك ستذعنين لمطلبي إذا ما طلبتُ منكِ العودة».

خلال كلامه رمقته الفتاة بنظرات خجولة بين حين وآخر. عدا ذلك لم يبدر منها أي تصرّف.

تخطّت الواقفَين، ومشت يميناً ببطء تاركةً السّيدة والصّبيّ السّائق فقط خلفها، إذ ما لبث الرّجل أن تبعها متراجعاً فيما قاله.

الآن أصبحا أمام جينيونغ مباشرة. ومع كلّ لحظة تمرّ، يُخيَّل إليه أنهما يقصدانه.

قالت ناوكو بنبرة حزينة متغنّجة: «تلك السّيدة أهانتني. وأنت رأيتَ ذلك يا سيدي الوزير. لن أعود طالما أنّها في الدّاخل».

ربّت الرّجل على كتفها المُجاور له بحنان، وارتعشت للّمسة «طردتُها بالفعل».

سحب الرّجل يده الضّخمة بتأنٍّ، وشابكها مع أختها. وتابعا المسير.

أما ناوكو فقد قالت بلطف وقد انحسرت ارتعاشتها ولم يبقَ لها أي أثر: «أتعلم يا سيدي الوزير؟ زوجتك هي المرأة الوحيدة التي سأقبل بطيب خاطر أن تتلقى محبتك. حتى أختي وأمي غير معنيّتَين بهذا».

«لن يشاركني فيكِ أحد يا ناوكو سان». في تلك اللّحظة، التقت عينا المصاص المراقبتَين مع زُمرديتيّ الفتاة وسمع نجواها ‹وكأنني أهتم!. لا أعلم ما غاية مورو ساما من تعريفي بهؤلاء العجائز المملين!›.

لم تتمكن عينا الفتاة من تبيّن ملامح مَن حدّقت به.

التفتت إلى الرّجل الشّائب ذو الرائحة المُركّزة المُزعجة. حتى إنّ بعضاً من بقع العطر قد لطّخ سترة بذلته الواسعة بالمقارنة مع جسده النّحيل!.

دخل الاثنان إلى بيت الشّاي الذي يقصدانه. وبعد مرور بعض الوقت وصلت العربة حاملة السّيدة المُزركشة.

دخلت السّيدة.

وبقي الصّبي منتظراً في زاوية الشّارع.

حيث تصله الأصوات الصّادرة من داخل البيت ضبابيّة.

-

اليوم، وبعد مئات السّنين من تلك الحادثة. يعلم جينيونغ يقيناً، أنه إذا ما أُعيد وضعه في ذلك الشّارع مجدداً، سيعاود الدّخول خلفها، مجدداً.

استقبلتهُ مايكو أخرى. بكيمونو مشابه، مع قَبّة وشكلة حمراوتَين.

فتحت له الفتاة الباب السّحاب، انحنت له باحترام مبتسمةً بشفتين صغيرتَين، السّفليّة بينهما ملوّنة بأحمر فاقع.

ساعدته الفتاة في خلع حذائه ومعطفه الطّويل رمادي اللّون، ليبقى بكنزة من الحرير سوداء، وبنطال رمادي سميك.

اصطحبتهُ باتجاه غرفة ما، بعد أن عرّفت بنفسها: «أنا كيميتشي. أرجوك اعتن بي».

أومئ جينيونغ برأسه، سائراً بجانبها، متقدّماً عنها بخطوة.

في الغرفة المقصودة افترشت الأرض وسائد يابانيّة تقليديّة وطاولة خشبية التفّ حولها الجميع وما تزال متاحة للمزيد.

جلس جينيونغ بجانب الفتاة كيميتشي، على جانبه الآخر رجل قصير بكيمونو أبيض ناصع، ويبدو أنّه قد أفرط في الشّرب، كان مُستنداً برأسه إلى الطّاولة بجانب كأس الساكي الفارغ غاطّاً في نوم عميق.

مقابل الرّجل النّائم جلست ناوكو. شعر جينيونغ أنّها تعرّفت إليه، وبطبيعة الحال، أسبغته بابتساماتها اللّطيفة كما تفعل مع الجميع.

الأصوات في الغرفة الواسعة أزعجت مصاص الدّماء، ولكن ما يكسبه بالمقابل جعله يغضّ الطّرف عنها، شتان بين التّحديق من هذا القرب والمراقبة من زاوية مظلمة!.

وإن كان قادراً على تحمّل الأصوات، فهو لم يعلم للآن كيف أمكنه تحمّل الرّوائح في كلّ تلك الجلسات؟.

روائح العطور المتضاربة. الساكي. الشاي. السمك وغيره من الأطعمة ذوات الروائح المزعجة. العرق. العطور الملبّدة على شعور الجيشاوات. كان هذا مقرفاً بحقّ. كيف تحمّله؟ هو لا يعلم.

«هل ترغبون أن نلعب لعبة كاذبة؟». قالت السّيدة التي تجلس بجوار فتاته، تبدو في نهاية العشرينات من عمرها، عرف منذ قليل أنّها أختها الكبرى، وإن كان لا يعلم حتى تلك اللّحظة ما معنى هذا..

«أشكّ أن الجميع يعرفون هذه اللعبة». قالت ناوكو.

ردّت جيشا تجلس بجوار كيميتشي: «نستطيع تعليمهم ببساطة. ولكننا سنفتقد للاعب مهم ذو دور جوهري». قالت ذلك وضحك الجميع.

همست كيميتشي بجانب أذن جينيونغ: «أختي تقصد الرّجل النّائم».

-

٦٨٧ كلمة

رأيكم بالبارت؟

أي توقعات؟

أي أسئلة؟

-

Bloody face: Memoir of a Vampireحيث تعيش القصص. اكتشف الآن