26. ☆⁩ نظرة من باب، بألف خطاب.

Start from the beginning
                                    

يسجد، أنفه يلامس الأرض، يشمّ رائحة طعام البارحة على السّجاد، تكاد عيناه تهطل، ويزيد وجهه تجعيدًا كالورقة الواهنة، هو لا يملك طاولة ليأكل عليها، ربّاه أيّ عيشة هاته؟ فلان لا يدري لمَ يبتلى هكذا؟

يلفّ وجهه يمينًا يسلّم، تقابله صورة أمّه، تجتمع الحوائط الأربعة عليه، تعصر الذّكرى المالحة في جوفه، فيتلوّى، أوّاه من فقدٍ هشّم الفؤاد وما حوى، اليد الّتي تمسح على رأسه تحلّلت بين ذرّات التّراب...يندب فلان حظه، ويدمع، وَيكأن دموعه تلك تسلبه لونه، فيكاد يندمج مع السّجّاد، شفّافٌ هشّ زجاجيّ.

انتهت.

حيّ، كلّ التّفاصيل الحيّة الّذي غابت عن بال فلان؛ لأنّ فؤاده على شفا فناء

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

حيّ، كلّ التّفاصيل الحيّة الّذي غابت عن بال فلان؛ لأنّ فؤاده على شفا فناء.

استيقظ، من بين مئات من ماتوا في هذه الدّقيقة هو أفاق، وأمامه مباشرةً سقف، من بين الملايين الّذين يفترشون الأرض ويتلحّفون السّماء، كان لديه سريرٌ ليّن، وغطاءٌ يقيه البرد.

والأولى من كلّ ذاك،كان يبصر، بعينيه يرى السّقف، جلده يستشعر الدّفء، يرى آفاق الخالق ونعمه، ولكنّه كان كمن ذكروا بأنّهم:﴿صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يَرجِعونَ﴾¹

من بين كلّ من كان عالمهم بلا لون، كان يرى تدرّجاتها كلّها وتباينها، من أصفر لبنفسجيّ، يرى البهاء، يستشعر الرّواء.

هو حتّى لا يستطيع الصّبر على رؤية مشهد فيلم بالأبيض والأسود، فكيف لو فقد ذينك اللّونين كذلك؟ ما الّذي يجعله يظنّ أنّه لن يفعل؟

من بين كلّ من يموتون عطشًا، أو من هم أحسن حالًا: الّذين تبلى أجسادهم بسبب ماءٍ ثلثاه أتربة وما لا يعلمه إلّا الله، كان يملك ماءً، ولا يضطر ليلاحق الغمام يستسقيه، بل يدير مقبضًا واحدًا ليحصّله.

لديه بيت، لا سقفٌ ولحاف وحسب، وفي البيت نافذةٌ تطلّ على بديع خلقه، وللشبّاك زجاج تشرق عليه الشّمس منه، تداعب أشعّتها الهواء فتدفئه.

وقبل كلّ ذا جسده يتحرّك، كلّ مفصلٍ وعضو يؤدّي وظيفته على قدمٍ وساق، ولديه من الطّعام ما يكفي ليجعل وزنه يزيد، ليس من مَن يكاد عظمه يبان لشحّ الغذاء.

ROWOONx 2Where stories live. Discover now