١. بِلا أيِّ رِسـالـة.

ابدأ من البداية
                                    

"صَباحُ الخير 'تـايهيـونغ' سيادتك"
قال هُـو كما اعتَدتُ كُلَّ صبـاحٍ مع انحناءةٍ منهُ و مع بَحته الغَليظة، و أيضـاً هو الوحيد _إلى الآن_ الذي يُنادِني باسمِي، فـ 'غـونـزَاليِـس' يدعوني به هكذا لأنّه مُسجّلٌ على الأوراقِ المَطويـة، أمّا 'تايهيـونغ' فهـو اسمـي الذي نشأتُ عليه مُنذ ولادتـي.

أجبتُه مُقابلاً بالتحيةِ الصَّباحيـةِ لِأجلس قبالـة البيـانـو المَطليِّ بالذَّهَبِ مع زَخـارف و نقوشـاتٍ و كريستال، لا أُنكر أنَّ هذه اللَّحظاتِ الصَّباحيةِ التي أتذوقُ بهـا الألحـانَ مع غناءِ مُعلمـي و إطلالات النّوافذ الضَّخمـةِ التّي تشيحُ بأنظاري نحوَ الحَديقـةِ و رَونقهـا مع زقزقةِ العصافيـرِ المُحلّقـة، أنّهـا لحظـاتٌ تُشعِلُ بصدري الحِسَّ العَذب، الأمـانَ و كُـلُّ شيءٍ خريفـيٌّ وسط الشِّتـاء فَموسـمُ الثُّلـوجِ لم يَحِن بَعد.

بَدأتُ بعَزفِ النّوتـةِ التي طلب منّي المُعلِم حفظهـا، فذَهَبت أنـاملي تتمـايَلُ فوقَ المفـاتيحِ مع كُلِّ حركـةٍ تُصدرهـا نغمـةٌ و كأنَّ المـوسيقـى الصّادِرة قد خلقت جنـاحـانِ خفيّـانِ تُنسيانِ الرِّيشَ السَّـاكنَ جَفنايَ الذّي التَمس أسفل عينايَ لِأُغمضهمـا بكـلّ رفق، تُرى هل حُكِـمَ على المـوسيقـى أن تَضع عازفهـا و حتى سامِعها بوَضع جَناحانِ يُذهِلانِ الطّيـورَ في تحليقِهـا حتى السُّقـوط؟

اقتَربت آخرُ نوتـةٍ لأصُبَّ فيهـا كـلَّ ما تبقى من ذِمـائـي و ليتَ قرابة انتهائِهـا لم يـوشك، تسلّل لي صوتُ تصفيقِ المُعلّمِ و ثناءه المُميّز دائمـاً..

"تايهيونغ يا سَيّد المـوسيقـى قَبل أن تكونَ ابنَ جلالته، أنحنـي لك شرفـاً على مُلامسـةِ أحاسيسك العَذبةِ لكَيـانـي قبل عزفـك"

فابتَسمتُ لِأُرجع شعري _الذي كانَ يصل لأسفل رقبتي و فوق كَتفي بقليل_ خلف أُذني قبل انحنائـي تقديراً لثنائه الذّي لا زالَ ينثره زهراً بمَسمعـي

"تعالَ معـي مُنافس ' بيِتهـوفـن' "

تعجَبتُ مما قالهُ فأنا لا أُقارن بالعظيـمِ المُلقب بالطّفل المُعجزة، تبعته إلى أن وَصلنـا خارجـاً بحديقـةِ القَصر

"تفضّل سيادتك"

من بعدك مُعلمي
قلت قبل أن نجلس سوّيـاً بأرجـوحـةٍ تلتفُ حولهـا النّباتـات

ما الأمر مُعلمـي؟

"لقد حَلمت حُلم صحيح؟ "

اتسعت حَدقتـي ذهولاً مما سأل فكيف له معرفة ذلك؟

"ههههه لا داعِ للذهول لقد خمنتُ ذلك فقط"

أوه لقد اندهشت فِعلاً..

"إذاً كيف كان ذلك الحُلم؟ "

رُحت أنظرُ بوجهه قليلاً فأشحتُ بنظري للسماء لأقول:
كانَ شيئاً من الخَيال أشبه بالبحر و بل أبهى، قاعُه كان يابسة و لكنني كُنت أغرق به عميقـاً بطريقةٍ غريبةٍ لدرجة ِ أنني أشعُر بأنّني تطَرقـتُ لعالـمٍ آخرٍ بِحَق..

"جَميـل"
قالها بصوتِه الغليظِ المُعتـاد بعد ابتسامتـهِ صَعبـةِ التَّفسيـر..

"آه انتَهى وقتـي لليـوم، سأذهب طابَ يومـك سيّد تايهيونغ"
ودّعني بتلك الإبتسامـةِ و هو يُنزل قُبعته الطّويلة السوداء بمقربةِ صدره لينحني

طابَ يومك كذلك استـاذي

عدتُ لأصعد تلك السلالم مُتثاقلاً لأرتمي بجسدي فوق السريرِ الذي قد استُبدِلت به الملاءاتِ لأُخرى جديدة
أخذتُ نفسـاً عميقـاً و بدأتُ أتذكـرُ رائحةَ خطواتـه من بعيـدٍ قريـب، هالته التّي لا تُشبه الجميـع و الذي اكتشفتُ أنُّه 'مـاتيـو' الخيالـيِّ الذي كنت أكتبُ الرّسائِلَ الخياليةَ له

تُرى هل سأراهُ بحُلمـي من جديـد؟
أغمضتُ عينايَ النّاعستين قليلاً و من ثـمّ فتحتهـا

هل يُعقل أنّ كُل ذلك مُجرد حُلـم؟ أشعر بأنّه أكثر من ذلك أنا جدّيـاً أشعر بأنّني تنقلتُ بين العوالم أو بعبارةٍ أَصَح، لقد دخلتُ لذهنـي المُمتلئ بِتخَيُلاتـي و لكن هل يُعقل ذلك؟ إن كان كذلِك أم لا، فأنا أتمنى بأن أعودَ إلى هناك مُجدداً، أودُّ أن...

_صوت طَرق الباب_
سيّدي قهوتك السّاخنة جاهزة، سيّدي
عذراً، سأدخل

ماذا؟ لقد نامَ بالفِعل اعذرني سيادتك عَلى إزعاجي سأنصَرِف الآن.

أنا.. أنا أغرقُ مُجدداً و لكن هذه المرّة المياه مُحيطةٌ بي من كُلّ جانب أين أنا؟

أشتَمُ رائحـةً مألوفة، و لكن بهـا شيء غريب و مُميّز هذه المَرّة، هل هذا...

رَسائِل غونزاليس|TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن