الفصل الثالث والثلاثون

11.8K 433 6
                                    

بداخل شقته وفى مكانه المفضل فى غرفة المرسم .. كان ممسكاً بخرقة قديمة وهو يمسح بها الغبار الذى تكوم على لوحات رسوماته.. يدندن بصوته اغنية رائعة "لأم كلثوم " وهو ينظر جيداً للوحة قديمة كان قد رسمها سابقاً فى وقت ما لامرأة جميلة قد راَها فى شرفتها .. لايعلم لما تعلقت انظارهِ بها وعلقت بذهنهِ .. حتى تناول فرشته ورسمها هنا بهذه اللوحة .. يتذكر انه بسببها قامت مشاجرة كبيرة بينه وبين زوجته السابقة .. حينما سألته عن صفتها وما السبب الذى دعاه لرسمها ؟ حتى انها أصرت على قطعها .. ولكنه دعاها بالجاهلة التى لا تقدر الفن .. وتخلق معه مشاجرة بدون سبب وجيه ولا منطقي .. وكانت النتيجة انها ذهبت لبيت أباها غاضبة !
افاق من شروده على صوت قرع جرس المنزل .. ترك اللوحة والخرقة وخرج من غرفته ليفتح الباب .. فوجده امامه .
- مساء الخير ياعم " ابو العزم " .
نظر اليه جيدا بتساؤل :
- مساء الخير يابنى .. هو انت تعرفنى ؟
بزاوية فمه وابتسامة لم تصل لعيناه :
- انا عن نفسى عارفك زين جوى .. بس انت ياترى بجى فاكرنى .. ولا مش عارف تشبه عليه عشان كبرت من غير ما تشوفنى ؟
ضيق عيناه بتفكير عميق :
- والله يابنى انت شكلك مش غريب عليا ..دا غير لهجتك كمان بس انت بتقول كبرت !........ هو انت ....قاسم ؟
قال الاَخيرة بأعين متسعة حينما تذكره من نظرة عيونه .. وأتاه التأكيد حينما دفعه الاَخر بذراعهِ للداخل ودلف هو معه أيضاً ..اغلق الباب وهو يضحك بشراسة متكلماً مابين ضحكاته:
- ايوة انا "قاسم "ياحمايا العزيز .
..........................................

وبداخل السيارة التى كان يقودها " ممدوح " كانت جالسة هى فى الخلف وفى الأمام وبجوار السائق كان
الحارس الشخصي الذى فاجأ " ممدوح " بمجيئهِ معهم ..وبرغم اخباره ل" قاسم " بهذا الوضع الجديد عبر رسالة هاتفية الا ان الخوف بقلبه ازداد اضعاف .. خوفاً من تهور هذا المجنون او قيامهٍ بعملٍ ليس محسوب.
- انت نويت تتوب بجد يا" ممدوح " ؟
- هممم
قالها مجفلاً من سؤالها الذى جاءه بغتةً .. قامت هى باعادة السؤال :
- انا كنت بسألك .. هو انت نويت تتوب بجد يا" ممدوح " ؟
تدارك نفسهِ فأجابها بابتسامة دبلوماسية:
- طبعاً ياهانم .. امال انا كلمت " سعاد" ليه عشان تشوفلى شغل عندكم .. انا عايز أكلها بعرق جبينى .. عشان اربى عيالى وأكلهم لقمة نضيفة على رأى "سعاد ".
ابتسمت له بمودة وحسن نية :
- جدع يا " ممدوح " عشان فكرت تلحق نفسك .. سعاد طيبة وبنت حلال .. تستاهل منك انك تحاول وتصلح نفسك عشانها وعشان العيال .. الزوجة الصالحة دى نعمة من عند ربنا .
رد عليها بتوتر وهو يمسح جبهته المتعرقة كل دقيقة
- عندك حق ياهانم .. كلامك اللماظ كله حكم والنعمة .
- اللماظ !!
قالتها بابتسامة متسعة :
- ايه الاوفر ده بس ياعم " ممدوح " ؟ دا كلام عادى طالع من قلبى عشان معزة " سعاد " عندى ..اللى هى اكتر من اختى .. وانت لو استمريت فى توبتك ورجعتلها هتبجى جوز اختى ..فاهمنى ياممدوح .
رد عليها :
- الله يحفظك ياهانم دا من اصلك الطيب.. وادينا احنا كمان اهو وصلنا ..
اوقف السيارة امام المبنى الذى يقطن بداخله اباها ..
ترجلت من السيارة وترجل خلفها " اسماعيل " الحارس الجديد هو ايضاً .. ليدخل المبنى معها ولكنها اوقفته فجأة:
- انت طالع معايا يا" اسماعيل " ؟
اجابها الرجل بتهذيب :
- ما انتى عارفة ياهانم " رؤوف " بيه مكلفنى انك ماتغبيش عن عينى ولو ثانية.
بابتسامة خجولة ومحرجة:
- بس مش لدرجادى يا"ممدوح " .. معلش يعنى انا كده مش هاعرف اجعد مع والدى .. انت استناني هنا فى العربية وانا هخلص جعدتى مع والدى ومش هاتاخر عليك .
اومأ برأسهِ باذعان :
- تحت امرك ياهانم .. بس أرجوكى لو حسيتي بأى خطر اتصلى بيا على نمرتى .. انتى عارفاها .
تركته لتدخل المبنى .. وصعدت لأباها وقبل ان تطرق باب الشقه وجدته ينفتح وحده .
تقدمت بخطواتها وهى تدلف بحرص :
- ابويا .. هو انت سايب الباب مفتوح ليه ؟ والدى ياوالدى ..
دب الخوف داخل قلبها مع هذا السكون الغريب وعدم اجابة أباها وهى تشرئب بنظراتها تبحث عنه .. فجأت المفاجأه حينما سمعت صوت اغلاق الباب بغتةً .. استدارت بجسدها مجفلة لتجده امامه بهيئته المجرمة رغم وسامته وطوله الفارع .. يضحك بخبثٍ امامها وهو يردف :
- ايه رأيك ؟ مكنتيش متوقعة صح ؟ .. بس انتى عارفانى انا جامد ومافيش حاجة تصعب عليا !
جحظت عيناها وهوى قلبها لقدمها .. فأسندت بيدها على طرف الكرسي..وهى تسأله بصوتٍ مرتعش :
- ابويا فين يا" قاسم "؟ عملت فيه ايه؟
تقدم بخطواتٍ بطيئة حتى وقف امامها تماماً .. ذهب عن وجههِ الهزل وهو عيناه تلاحق كل تفصيلة بوجهها بأشتياقٍ مميت وبصوتٍ خرج من فمهٍ كالمغيب :
- وحشتيني جوى جوى يا" سمره " ..هو انا ليه كل ما اشوفك الاقيكى احلويتى .. اكتر عن كل مرة شوفتك فيها ؟
لم تعد تشعُر بأقدامها .. فكانت تضغط باصابعها على الكرسى المستندة عليه حتى لا تقع .. حدقتيها ترتعش مع هذه الدمعات التى اغشت عينيها وهى تصرخ :
- بجولك ابويا فين .. عملت فى ابويا ايه ؟
تنهيدة طويلة خرجت منه وهو يشيح بوجهه عنها حتى يستفيق ويعود لصوابه .. قبل ان يمسك بيداها ليسحبها ناحية غرفة فى المنزل :
- تعالى شوفيه بنفسك عشان قلبك يطمن .
تحركت باَلية معه حتى فتح لها باب الغرفة .. لتفاجأ بأبيها وهو مكمم الفم وهو مقيد اليدين والقدمين ومُثبت فى الكرسى .. بمجرد ما أن رأها اخذ يزوم بصوتهِ ويحاول الحركة والمقاومة لفك قيده .. فغرت فاهها بألم موجع لمشهد اباها وقبل ان تسقط ارضاً تلقفتها ذراعهِ وهو يسندها ليضمها اليه بصدرٍ رحب .
- سلامتك ياجلب " قاسم " .. مش تجمدى كده .
تداركت نفسها فأجمعت شجاعتها واستحضرت قوتها لتضربه بقبضة يديها على صدره :
- بعد عنى يازفت .. هو انت اتجنيت ولا عجلك طار منك .
فما كان منه الا ان لف ذراعه الثانية وقربها اكثر بداخل احضانه وهو يردف بجنون وعيناه على شفتيها :
- ياه على اللحظة دى يا" سمره "؟ دا انا بحلم بيها من زمان ...
اشاحت بوجهها عنه حتى لا ينول غرضه وهى تقاومه بيديها وقدميها .. فازداد صوت اباها وهو يزوم ويتحرك بعنف حتى وقع ارضاً بالكرسي المقيد به .
صرخت عليه بجزع :
ابويا.
فك ذراعيه عنها وهو يسب اباها ويشتمه .. ضمت قبضتها الى فمها تبكى بصوت مكتوم وهى تراه .. يرفع اباها مع الكرسي ..ونظرة العجز فى عين اباها عن القدرة على حمايتها كانت تقتلها ..
صاح عليه قاسم :
- حاول ماتكررهاش تانى ..عشان المرة جاية ممكن رجلك تتكسر فيها وانت عضمة كبيرة وماتتحلمش .. وانا ماعنديش مرارة الم فيك كل شوية .
زام عليه اكثر وهو ينظر اليه بحدة مع حركته المفرطة .
لوح اليه بيده :
- انت حر !
قالها وتحرك بخطواته ليقف امامها وهو واضعاً كفيه على خصره بنظرة مبهمة.. مسحت بأطراف اصابها دمعاتها فخرج صوتها بشجاعة زائفة :
- عايز ايه يا" قاسم " ؟ جيب من الاَخر .
كتف ذراعيه وهو ينظر اليها بابتسامة الظفر والانتصار!!
.....................................

سحر سمره Where stories live. Discover now