الفصل الرابع

2.2K 65 101
                                    

أردف زين ببكاء مصطنع: أنا غلطان إن أنا حكيتلكم، بنات باردة.
ظلوا هكذا طوال الليل يتسامرون سويًا حتى غفلوا.
"في الصباح"
كالعادة استيقظت نور ومليكة وتاركين تلك الغافلة عن الدنيا، خرجوا من الغرفة حتى أردف زين بابتسامة عريضة: صباح الخيـر.
أجابت نور ومليكة بنظرة خبيثة: صباح الفل يا باشا.
:ماسكين عليه إيه الولد دا؟
هتفت بها إيمان ضاحكة عليهم، حتى أجابها بابتسامة وهو يتوعد لهم: ولا حاجه يا ست الكل، ويلا بينا نصحي ملك من غيبوبتها.
وككل صباح أخذوا ذلك الثلج ووضعوه في ظهر تلك النائمة، حتى استيقظت ويرتسم على ملامحها الخوف وهيا ترتجف وتتحرك بعشوائية يمينًا وشمالاً، ثم نظرت إليهم رأتهم يغمرون من كثرة الضحك، حتى أردفـت بحنق: والله العظيم أنت وهما مش سيباكم.
بعد مزاحهم المستمر خرج كلًا منهم لمكان عمله، حتى وصلوا الفتيات أمام المبنى العام وهتفت نور إليهم بجدية وحدة وهي تلقي عليهم أن كلًا منهم تذهب إلى مكتبها، وأن اليوم تقريبًا سيذهبوا إلى المبنى الذي سيتم من خلاله تلك الديكورات اللازمة، وأنه من الضروري أن نبذل قصارى جهدنا للتفوق وإثبات عملهم.
أماء لها الفتاتان بتأييد لحديثها وتحركت كل واحده إلى مكتبها، وكادت نور تدلف إلى مكتبها ولكن يحالفها الحظ، كانت على وشك السقوط ولكن استشعرت أن شخص ما يشتد بذراعيه على خصرها بقوة، ومن هذا الحظ كان مراد من المارة، فنظر إليهم حتى تسمر مكانه وتشنجت عضلات جسده كلها، اقترب منهما وكفيه في جيبي بنطاله قائلًا باشمئزاز: القرف اللي شفته دا ميتكررش هنا، للمرة الأخيرة اعلموا الحركات الزبالة دي برا.
للحظات عم السكون المرعب إلا من ارتجاف تلك المسكينـة، كادت تتحدث وتلقي عليه ما حدث وأنه ذلك المعتوه السبب وأنها ليس لها ذنب، ولكن أردف عمرو سابقًا لها في الحديث: حضرتك حنا آسفين، غلطة ومش هتتكرر.
_ شعر مراد في تلك اللحظة أن الدم يغلي ساخنًا في عروقه وأنه على وشك ارتكاب جريمـة فهتف وهو يشدد على حديثه: تعالي على المكتب.
رحل تاركًا تلك المسكينة تنحب حظها، ولكن هدأت قليلًا، ثم استدارت صافعة ذلك الذي خلفها قائلة بحدة: دا عشان الحركات الزبالة اللي عملتها.
وغادرت متجهة إلى مكتب مراد.
همس عمرو بحقد دفين: حاضـر يا قطة، لو مردتش القلم أضعاف ميبقاش اسمي عمرو التهامي.
- عند نور أردفت وقلبها الصغير يرتجف بذعر موجهة حديثها للسكرتيرة قائلة: ممكن تبلغي مستر مراد إن أنا برا؟
:دا هو أصلًا منتظرك، اتفضلي لجحيمك.
هتفت بهذه الكلمات وعلى محياها الخبث وابتسامة تغمر وجهها مما ذاد من ارتباكها، خطت خطواتها وهي لا تدري كيف تخطو حتى رأته أمامها بطلته المخيفة، ازداد ارتجاف نور، وحاولت النطق، حتى هتفت بلهجة معتذرة زائدة عن حدها وكأنها تترجاه بأن ينتظر قولها، ولكن قاطعها بعنف وهو يهمس بلهجة خطرة: هتقوليلي إيه! على القرف دا؟ ولا عليه إيه؟ المرة الجاية الكلام دا برا الشركة فاهمة!
هتفت بصراخ وهى تنهى تلك المهزلة: أنت ازاي اصلًا تفكر تكلمني بالطريقة دي؟ ومين سمحلك! مسمحش لايًا كان مين يتكلم عني بالأسلوب دا.
وكادت ترحل ولكن استوقفها تلك الكلمات المسمومة التي أصابت نغزة في قلبها، قائلًا ببرود ينعكس البركان الذي ينشغل بداخله: عاملة فيها البريئة، وأنتِ مدوراها، بس بجد ملقتيش غير عمرو الصايع؟ دا أنا مشغله واسطة! بس الطيور على أشكالها تقع تشبهوا بعض تصدقي!
التفت نور في دوامة إعصارية ضخمة، وصفعته بكل قوتها لدرجة أنها هي من خافت وازداد رعبها والأسوأ نظراته التي تحمل ثناياها حقد دفين، أرعبتها وأعملتها أنه لن يمرر ذلك على خير، ولكن أكملت بشجاعة مزيفة: القلم دا عشان متعرفش تتلكم عن شرفـي تاني، واه أنا بحبه ، وانا مش هصححلك اللي أنت قولته خليك كدا.
كانت تود انا تطير هاربة منه ولكن رأته يضحك بضحكات رجولية تهتز لها أرجاء المكتب، كأنه لم يضحك منذ قرن مرَّ، خطت وهي ترتجف تريد الفرار من ذلك الوحش، ولكن اسوقفها حديثه وهو يقول بنبرة أثارت الفزع في أوصالها قائلًا: اجهزي لدخولك جحيم المراد.
- أخذت تركض، وتركض وكأن شخص ما يلاحقها، وفي سرعة البرق دلفت إلى منزلها وهى لا تدري كيف ومتى قدمت إلى منزلها، ولكن مهلًا من الأحسن أنها تركت ذلك الوحش وفرت هاربة منه.
دقائق وفتحت لها والدتها باب المنزل هتفت بقلق وهيا تراها شاردة، مرعوبة، تتحدث بصوت مرتجف، مرتعش: مالك يا بنتي فيه إيه؟
أجابتها وهي تتحاشى النظر إليها: فيه كلب يا ماما فضل يجري ورايا.
: وجيتِ بدري ليه؟ وملك ومليكة فين؟
تحدثت بهذه الكلمات إيمان بشك من حديث ابنتها، ولكن أردفت نور بتثاقل وهيا تتجه إلى غرفتها: أنا تعبت فاضطريت أسيبهم يا ماما، يبقى اتصلي بيهم وقوليلهم، وركضت إلى غرفتها تاركة والدتها تدعـي بقلق: يارب احفظهم بحفظك يارب أنا مليش غيرهم في الدنيا.
- عند نور دلفت إلى غرفتها وألقت بنفسها إلى الأريكة بجوارها وهيا ترتجف رعبًا، وتبكي بعنف شديد وهى تدعى ربها بأن ينقذها من براثن ذلك المراد، ومن كثرة تفكيرها غفلت نائمة تاركة عناء ذلك اليوم.
- عند مراد كل يدور بجنون همس بداخله متأوهًا: مش ممكن تكون مظلومة؟ ولكن كبريائه وشيء ما بداخل قلبه منعه من استكمال تفكيره، وأقسم على فعلته أخذ رقم أخيها من أوراق قدمتها له سابقًا، انتظر ثوانِ حتى أجابه زين قائلًا: ألو مين معايا؟
تحدث مراد بهدوء يتجاهل تلك الضوضاء التي بداخله: أنا مراد محمد الصياد.
أجابه زين بمشاعر مختلطة مزيج من الفرح والسرور والقلق على إخوته من أن يصيبهم أي أذى، ولكن أخفى تلك المشاعر ببراعة: أهلا بحضرتـك فيه حاجة!
ادرف مراد بابتسامة لم تصل إلى عينيه: أبدًا، أنا كنت حابب أتقدم للآنسه نور وقولت أخد من حضرتك ميعاد.
أجابه بتفكير: يشرفنـا أكيد، بس اسمحلي آخد رأيها.
أجابه مراد بأن يأخذ من الوقت الكفايـة، ثم أغلق حديثه معه، وبعد ساعاتٍ أيقظ نور من نومها الهاربة منه من تفكيرها صوت رنين هاتفها المحمول معلًنا عن اتصـال، نظرت له، رأته رقم لم يتم تسجيله من قبل، أجابته وهيا تائهة في دوامة تفكيرها المشتعل نارًا داخل عقلها: السلام عليكم، مين معايا؟
أردف بابتسامة عريضة تحمل بين ثناياها المكر: ازيك يا عروسة.
- نور وقد شعرت بـه، أردفت بثبات حاولت مجاهده ثباته ولا تنهار: مين حضرتك؟ وعايز إيه!
أجابها وهو يعلم أنها تعلم من هو بصوت حاد كتقرير واقع: أخوكِ هيقولك إن أنا متقدملـك، ومش هقولك إنك هتوافقـي تمام؟
هتفت بضحكة شاحبة، خافتة، لا تصدق ما تمر به: أنت بتقول إيه! مستحيل لو آخر واحد مستحيل، أنت متخيل ممكن أفكر فيك كزوج؟
أجابها بهدوء شديد وبرود عميق متغافلًا على أنها جرحة رجولته فمن هي لترفضه وهو من يرتمي تحته جميلات النساء؟ :طب بصـي أنتِ هتوافقي عارفة ليه؟ عشان أخوكِ دلوقتي حالًا تسمعي خبـره، واكيد طبعًا مش محتاجة أقولك إن أقدر أعملها!
: بتهزر، بتكذب، صح؟
للحظة شعرت أنها جسد بِلا روح عندما ألقى إلى مسامعها: تيجـي نجرب؟
جلست وهي في حالة لا يرثـىٰ لها، ظلت متسمرة مكانها لا تعلم ماذا تفعل، تمنت أن يكون ذلك حلمًا، ولكن حلمها دائمـًا ما يكون رقيق القلـب، هين لين لا يدري لقساوة الفؤاد طريقًا، كانت تريده عطوفًا مراعيًا، يرسم الابتسامة على الوجوه، يرى العيوب مزايا، فكيف بالله أن يكون حلمًا!
الآن لم يرتجف قلبها فقط، بل جسدها كله ينتفض من الرعب، ظلت تنحب حظها بشدة وهي تبكي ندمًا على فعلتها تلك؛ فهى أصبحت تخاطر بأخيها الوحيد، فلم تخاطر به ولو بموتها.
داخل قصـر الصياد كان مراد موجود ليخبر الجميع بزواجه من نور.
رفع مراد بصره لهم بإرهاق؛ فلم يذق للراحة طعم منذ الأمس بخلاف ما حدث: أنا قررت أتجوز.
- أضاف الصياد بنظراته الهادئة: ومين سعيدة الحـظ!
أجابـه بدهاء وظهر شبح ابتسامة على جانب ثغره: واحـده محترمه وكويسة، وأنا دلوقتي عندي ٣٠ سنة ولا أنت مش عايـز حفيد للصياد؟
تناسـى الصيـاد هدوءه واتزانه قائلاً بفرحة ترتسم على ملامحه: لا طبعـا، بس قولنا هي مـين.
سرح بخيالـه في تلك الحورية التي أخرجته من السراج إلى النور، ومن التفكـير إلى عمله فقط إلى بها وحدها، إلى تلك القوية والشجاعة التي وقفت أمامه، ثم بدأ يخبرهم عنها حتى هتف محمد الصياد بسعادة عارمة: ألف مليون مبروك يا ابني، أخيرًا هشوفك عريس، مبارك يا ابني مبارك يا حبيبي.
أنهى حديثه، ثم ضمه إلى داخل صدره بقوة وعيناه تفيض بهم دموع الفرح، ثم هتف أحمد الصياد بسعادة لا تقل على أبيه فهو مثل ابناه آدم وجاسـر: مبروك يا حبيبي، ألف مبروك.
-تحرك جاسم ليحتضنه، ثم همس له بابتسامة ماكـرة: الحوار دا مش داخل عليا مش مراد اللي يفكر كدا، لينا قاعدة يا وحش.
أنهى جملته وهو يشير إليه بعينيه، ثم بارك له حتى انتهت المباركات، ونظروا الجميـع إلى آدم وهو يرتسم على محياه الدهشة والذهول والصدمة أيضًا، أردف وهو يبتلع ريقه بصعوبة: هو مين هيتجوز؟
أجابه أحمد أبيه وهو لا يجيد الحديث من كثرة الضحك: مراد يا ابني متنح كدا ليه؟
أردف وهو في نفس حالة الذهول: مراد مين بردوا؟ مراد دا!
ثم ألقى نظره إلى مراد وأكمل حديثه بصدمة: لا متقولش لا لا، والله لو دلوقتي الفرح مش هصدق بردوا، عايزين تقنعونـي أن مراد هيتجوز واحدة! مستحيل.
ورحل وهو يضرب كفيه بصدمة قائلًا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ضحك الجميع من فعلته تلك، حتى دلفت إليهم حلا قائلة بنبرة حانية: سر الضحكة اللي من غيري دي إيه؟
أجابها محمد الصياد ضاحكًا: مراد هيتجوز.
أجابته ببلاهه: مراد مين! مراد أخويا؟
أجابها وهو يكاد يتنفس من أفعالها هيا وآدم: ايوا، إياه أخوكِ.
أردفت بـعدم فهم: ايوا مالـه؟
: هو مالك إنتِ وآدم متنحين كدا، بنقول مراد هيتجوز، ما علينا فكك من الصدمة دلوقتي.
أردف بهذه الجملة الصياد ضاحكًا حتى أجابته حلا متسائلة: هو أنا أڤورت، صح؟
أردف جاسم بتكدر: أوى يعنـي
هتفت حلا بتركيز وفضول أصبح صفة لا تتجزأ عنها: بحيث كدا بقىٰ بص يا مراد يا حبيبي، هتقعد جنبي كدا وتحكيلي من أول الحكاية لآخرها، مين ومن فين وأصلها وفصلها وبنت مين وحلوة ولا وحش...
أجابها مراد بمقاطعة: بس بس، يخربيتك أنا رايح أنام.
أردفت بتذمرة بنبرة حانية: استنىٰ، استنىٰ احكيلي والنبـي.
أجابها غير مباليًا: إنتِ هتشوفيها يا حلا.
قاطعهم الصياد قائلًا: أومال فين كريمة هانم يا مراد؟ مش هتقولها على جوازك!
- ولم يكمل حديثه حتى دلفت كريمة تتسائل باستغراب: جواز!! جواز مين؟
أردف محمد الصياد حزينًا على تلك الزوجة التي طالما تعيش أنانية؛ فهى لم تكون زوجة صالحة أبدًا ولا أم صالحة، فكل ما تريده العائلة والمنظر الخارجي والنسب والمال والتباهـي بهذه الأشياء التي هي لا قيمة ولكن بحوذتها تعد قيمة: ابنك هيتجوز مش هتقوليله مبروك؟
- هتفت صارخة من الفرحة، فهي دائمًا تلح عليه الزواج من عائلة غنية ذات مال ونسب تتفاخر بها كزوجة ابنها الوحيد: أكيد قصدك صافـي، هي رجعت من فترة من باريس وكانت معجبة بيك.
أجابها الصياد بحدة: أولًا مش هيا اللي اختارها مراد، وثانيًا أنا عمري ما كنت هقبل بالبنت دي لحفيدي ولا بأخلاقها، دي يعتبر عايشة برا وعايشة حياتها من غير أي مسؤولية وخاصًة بقىٰ إنها بنت المنافس الوحيد لشركات الصياد، أظن عارفه أبوهـا خالد التهامـي؟
أجابته محاولةً استعطافـة قائلة: دي بس مدلعة حبتين عشان مامتها وباباها منفصلين وهيا طيلة حياتها عايشة مع مامتها مش مع باباها، ثم أكملت بحقد دفين لهذه الزيجة وهي تنوي بداخلها على أنها لن تمم: أومال مين اللي أنت اخترتها؟
رد مراد بجدية: بنت بتشتغل عندي في الشركة مهندسة.
أردفت صارخة وهيا تعتدل في الجلوس: أنا ابني مراد محمد الصياد هيتجوز مهندسة شغالة عندوا؟ إنت بتقول إيه!
رد عليها بحزم لا يتقبل للنقاش: دي اللي اختارتها وهي اللي هتجوزها ومش هقبل بنقاش.
قال هذه الكلمات بنبرة غير قابلة للحديث بعده، حتى ادرف الصياد بسخرية: قوليله مبروك، كانت هتبقىٰ أحلىٰ يا كريمة هانم.
ثم الجميع بسئامة من تلك المناقشات حتى هتف محمد الصياد بنفاذ صبر: هتفضلي كدا علطول؟ هتفضلي شايفة نفسك هانم وعايشة في المحيط بتاعك دا، فوقـي قبل ما تخسري.
رحل وتركها دامسة لنفسها غير مبالية لذلك الحديث: هى كانت ناقصة البلوة دي، مش لما أخلص من آدم وحلا، بس ملحوقة.
أخرجت هاتفها وهيا تنوي الشر قائلة: عايـزة أعرف كل حاجة عن مهندسة ديكور موجودة عند مراد اسمها نور.

عاشق حد الهوسTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang