《1》

15.2K 270 150
                                    


تسحبُ نفَسَاً قسريّاً ..
تتغلغل في أنفها رائحةُ الورد المقتول ..
والحرية المغتصبة ..
و عبير الجوعى المنتظرين بصمت القهر ..
على أعتاب المطعم ..
يتصيدون فتاتَ الطعام المتروك في صحون
من هم أقل سوءاً للحظّ ..هذا إن وُجِد!
تسمع بلا صوتٍ ، فحيح الفساد ..
و سمفونية الكآبة على الوجوه البسيطة ..
تلمحُ ظلاماً من جهلٍ كغمامات تخيّم على العقولِ
إلا من رحمه ربه !
تستشعر برجفة العودة إلى الوراء ..
بفُوبيا اللاّخلاص ..
و الانحشار بين أربع جدران وهمية..
الدين ، القانون ، الأعراف و التقاليد!

تدخل بخطواتها الواثقة ، بمشيةٍ ذكوريّة كما أحَبَّ المجتمع أن يصنفها ..
مباعدةً قليلاً بين رجليها .. لا تخاف!
فما بينهما لا يجعلها عاراً ..
كتفاها العريضان يحملان سترةً سوداء بشموخٍ!
رافعة رأسها قليلاً إلى الأعلى ، فخورةً دون كبر!
و خصلات شعرها القصيرة تتردد فمرّة تلامس ياقةَ سترتها و مرّة ترتفع ، عالقةً بين الوصول واللاوصول!
كمظهرها تماماً للعامّة .. عالقٌ بين أنوثة طاغية محاطةً بهالة ذكورية !
كترددها بين الدخول و عدمه !

بحثت بعينيها عن طاولة فارغة ، لتجد أمامها
صاحب المطعم يستقبلها بنفسه ..
فقد عرف أنها سيدة أعمال عائدة من أمريكا مؤقتاَ ..
فالدولار الأخضر له تأثير مخدر لذيذ يسري
في مخيلة صاحبنا ..

استرخت ضدّ كرسيها .. بجانب النافذة المطلة على الشارع ..
تتلفت الأعين نحوها .. تمتمات غاضبة من الموجودين ..
و ضحكات استهزاء مبعثرة ، كحشراتٍ تلسعُ
وجهها الذي مقتوه بلا سبب ..

"متشبهة بالرجال لعنك الله
في جهنم مصيرك "
تخترق سمعها و هاته المرة قد أحكمت قبضة يدها .. أخذت شهيقاً مرة أخرى لتهدأ ..

" إذن لا تتشبه بالإله و تحكم على مصيري أيها المغفل"
نظر بغضبٍ و غيظِ .. متناولاً طعامه .
و هي تنتظر طلبها ..
و تهز رجلها بضيقٍ من هذا المكان الذي هو جزء من وطنها الذي لطالما خاصمته في الماضي ..

على الطرف المقابل .. تحديداً في مطبخ هذا المطعم ..
تمسك "رسيل" بسكينها بمهارة ..
تقطّع لحم الدجاج بيدٍ ،
و يدها الأخرى تثبت القطعة برقّةٍ و إحكام ..
بأصابعها الرقيقة التي من شدة بياضها يكادُ يرى ما تحتها .. تغطيهما بقفازين من نايلون رقيق ..

تدندنُ ، ترقصُ بحركات هادئة .. مندمجةً
لم تنتبه إلى تلك العيون العاشقة التي تلاحقها
و تراقبها ..

تقترب منها فهي مساعدتها .. و تسألها بصوتٍ
حنون هادئ ..
" هل تودين المساعدة؟ دعيني أقطعها بدلاً منكِ"

"سلمى.. أنا أستمتع بكل شيء أعمله هنا ..
و لكن لو سمحتِ .. تفقدي تلك المعكرونة
هل نضجت ؟ "

" أمرك عزيزتي"

" هذا ليس أمراً ، حاشا أن آمرك"

" طلباتك أوامر"

لها أنتمي (رواية مثلية)Where stories live. Discover now